أجرت المقابلة: إيمان مسعود
الدوحة، قطر(CNN)-- قال محمد مختار الشنقيطي، أستاذ الأخلاق السياسية وتاريخ الأديان بجامعة حمَد بن خليفة في الدوحة، إن لدى إيران الكثير من الأسباب التي تدعوها لدعم قطر في الأزمة الجارية حاليا، بعضها على صلة باشتراكهما في أكبر حقل غاز بالعالم، إلى جانب عدم رغبة طهران في تزايد نفوذ الرياض، مضيفا أن المنطقة لن تعود كما كانت بعدما استردت تركيا دورا فقدته بالخليج منذ الحرب العالمية الأولى.
الشنقيطي شرح، في مقابلة معCNN بالعربية، دوافع إيران لمساندة قطر في أزمتها الحالية رغم الاختلاف معها في سوريا واليمن إن كلا البلدين لديه "ذكاء ومرونة وبراغماتية" رغم خلافاتها العميقة حول العديد من القضايا الساخنة في المنطقة ومنها الملفان السوري واليمني والخلافات المذهبية، ما سمح بالحفاظ على علاقات عمل ومصالح مشتركة فرضَها عليهما "منطق الجغرافيا الذي لا يرحم" وفق تعبيره.
وحدد الشنقيطي بين تلك المصالح المشتركة تقاسم ملكية أكبر حقل غاز في العالم، وهو الحقل الممتد تحت المياه الإقليمية للدولتين في الخليج، والمعروف قطريا باسم "حقل القبة الشمالية"، وإيرانيا باسم "حقل فارس الجنوبي"، والذي رأى أنه يلعب دورا رئيسيا في حرص الدولتين على علاقات معقولة بينهما.
وأضاف الشنقيطي: "استأنفت الدولتان بالتوازي استغلال حقل القبة الشمالية/فارس الجنوبي مؤخرا، بعد رفع بعض العقوبات الاقتصادية الغربية التي كانت مفروضة على إيران. ولا يمكن استبعاد الصلة بين هذا الموضوع والأزمة الحالية، إذ قد تكون بعض الأطراف الإقليمية والدولية لا تنظر بارتياح إلى استغلال هذا الحقل بانسجام وتفاهم بين قطر وإيران."
واعتبر الشنقيطي أن لإيران مصلحة في عدم تمدد النفوذ السعودي باتجاه حقل الغاز الذي تتشاركه مع قطر وألا تسير الدوحة بالتالي بالفلك السعودي كليا.
وقلل المحلل السياسي والأكاديمي المعروف من خطر اندلاع مواجهة عسكرية مع قطر، واضعا ذلك في مجال "الحرب النفسية والإعلامية" فقط، مضيفا أن العوامل الإقليمية والمحلية لا تسمح بذلك في ظل "جدية تركيا في الدفاع عن قطر عسكريا" على حد تعبيره، مضيفا أن الدور التركي العسكري بالمنطقة قد يساعد على تخفيف حدة السياسات التصادمية في المنطقة بين السعودية وإيران.
وأردف الشنقيطي قائلا: "أتفق عموما مع فيلسوف السياسة الأميركي صمويل هنتغتون في أن أزمة العالم الإسلامي اليوم ترجع إلى عدم وجود دولة محورية تضبط خلافاته الداخلية، وتوفر له الحماية من العدوان الخارجي، وتمثله بين القوى العالمية.. هذا الانكشاف الاستراتيجي يفتح الباب لجماعات الفوضوية والإرهاب -مثل (داعش) و(القاعدة)- لحمل راية الدفاع عن المسلمين.. كما أتفق مع هنتغتون في أن تركيا هي الدولة الإسلامية الوحيدة المؤهَّلة للعب دور الدولة المحورية في العالم الإسلامي اليوم."
وحول السبب الذي حال برأيه دون أن تعلن قطر خروجها من منظومة مجلس التعاون الخليجي رد الشنقيطي بالقول: "من ثوابت سياسة قطر –كما تبدو لي كمراقب خارجي- حرصُها الشديد على ألا تخسر السعودية، لأن السعودية هي الامتداد الاستراتيجي والجغرافي والبشري لقطر. لكن قطر أشدُّ حرصا على ألا تخسر استقلال قرارها، الذي يشكل هويتها السياسية، ومصدر قوَّتها وحيوتها، ومكانتها الإقليمية والدولية الكبيرة التي بنتها على مدار العقدين الماضيين."
وتابع: "التحدي الآن أمام قطر هو كيف توفِّق بين هذين المبدأين الثابتين من ثوابت سياستها: صداقة السعودية، واستقلال القرار. وأعتقد أن تريُّث قطر يرجع إلى أنها لم تفقد الأمل بعدُ في كسب السعودية." مستطرداً بأنه في حال اضطرار الدوحة للاختيار بين صداقتها مع الرياض و"استقلال قرارها" فستسير في الخيار الثاني.
وجزم الشنقيطي بأن المنطقة لن تبقى كما هي بعد الأزمة الخليجية الراهنة بعدما عادت تركيا إلى المعادلة في المنطقة لأول مرة منذ الحرب العالمية الأولى، إلى جانب نجاح إيران في استثمار الأزمة بذكاء "لإعادة تأهيل نفسها، بعد كل الفظائع التي ارتكبتها في العراق وسوريا" مضيفا أن طهران "لن تسكت على أي تجاوز أمني أو عسكري ضد قطر، ليس محبة بقطر، بل لأن ذلك سيخل باستقرار المعادلة الإقليمية لصالح غريمتها التاريخية السعودية."