أجرت الحوار إيمان مسعود
الرياض، المملكة العربية السعودية (CNN) -- قال الكاتب والخبير الاقتصادي السعودي المعروف، عصام الزامل، إن الإصلاح الاقتصادي في السعودية أمر بالغ الضرورة، محذراً من خطر البدائل الأخرى أو العودة للسياسات القديمة بحال ارتفاع أسعار النفط.
الزامل، وهو أيضا المؤسس والمدير التنفيذي لشركة "رمال"، رأى في مقابلة مع CNN بالعربية، أن مشكلة الإسكان تفاقمت في السنوات الماضية رغم الطفرة الاقتصادية التي عاشتها المملكة، متوقعاً أن تتركز النسبة الأكبر للعمالة المغادرة للمملكة جراء الرسوم الجديدة بين العمالة المنخفضة المهارة، ما سيكون له آثار إيجابية على سوق العمل مستقبلاً.
ملف الإسكان
وعن جدية معالجة مشكلة الإسكان التي تعتبر من أهم الملفات الشائكة التي تعانيها السعودية، قال الزامل إنه رغم الارتفاع النسبي لدخل المواطنين مع طفرة النفط في العقد الماضي، بنسبة يقدّرها البعض بقرابة 70 في المائة، إلا أن أزمة الإسكان تفاقمت في نفس الفترة، سواء من ناحية صعوبة تملك المساكن أو الارتفاع المستمر للإيجارات.
وأعاد الخبير الاقتصادي السعودي السبب إلى انعدام التوازي بين النمو في معروض الوحدات السكنية وبين الارتفاع الكبير في الطلب، معتبراً أن العائق الأكبر لزيادة المعروض هو الارتفاع الكبير في أسعار الأراضي التي كانت مملوكة لأعداد قليلة من المواطنين آثروا الاحتفاظ بها والاستفادة من الارتفاع المستمر لأسعارها عوضاً عن استثمارها وزيادة المعروض من الوحدات السكنية أو التجارية.
ووصل هذا الارتفاع في بعض المدن لأكثر من 300 في المائة بين الفترة من 2005 إلى 2015. بينما لم يتجاوز التضخم العام في الأسعار لكل السلع نسبة 30 في المائة في نفس الفترة، ما دفع الحكومة السعودية قبل ثلاث سنوات إلى سن قانون ضريبة الأراضي البيضاء (أي الأراضي غير المستغلة) بهدف تغيير سلوك ملّاك الأراضي وزيادة الاستثمار أو على أقل تقدير خفض أسعار الأراضي وتسهيل امتلاك المواطنين للأرض لبناء مسكن عليها.
ولكن الاقتصادي السعودي استطرد بالقول: "بالإضافة لضريبة الأراضي فإن الظروف الاقتصادية كانخفاض أسعار النفط وانخفاض الإنفاق الحكومي والتشريعات الجديدة كرسوم العمالة الوافدة وعائلاتهم، كلها ستقلل من الطلب على القطاع العقاري. هذه العوامل بدأت آثارها تظهر اليوم من خلال انخفاضات في أسعار الأراضي والإيجارات وأسعار التملك للوحدات السكنية وصلت في بعض المناطق لأكثر من 30 إلى 40 في المائة."
كما أن خطة رفع الدعم عن أسعار بعض السلع والخدمات وتباطؤ نمو دخل المواطنين قد يؤثران على سلوك المستهلك، الذي قد يفضل وحدات سكنية أصغر، لتقليل استهلاك الطاقة والتكاليف الأخرى لتملك السكن.
انعكاسات سياسات الإصلاح داخلياً
وعن رأيه في مدى تحمل المواطن السعودي تبعات رفع الدعم وفرض الضرائب، نوّه الزامل إلى أن الإشكال لا يتعلق بالإنفاق المفرط للشعب السعودي. وإنما يرتبط بالظروف الاقتصادية التي ستحتم على المواطن أن يغير من سلوكه في الإنفاق.
وتابع الزامل: "الإصلاحات الاقتصادية، ورغم المعاناة التي ستسببها على كثير من الأسر، إلا أنها ستجنبنا ألماً أكبر على كل المستويات، فإذا ما اقتنع المواطن أن هذه الإصلاحات ستكون في صالح مستقبل الوطن ومستقبل أبنائه وأحفاده، وأنها ستضمن الاستقرار وبناء اقتصاد قادر على توفير مستوى معيشي مرتفع على المدى الطويل، فإنه بلا شك ستكون لديه الرغبة والقدرة على تحمل كل التبعات وكل الألم المرافق لها."
وحول جدية منظومة الخليج على صعيد السير قدماً في الإصلاحات الإقتصادية وتنويع مصادر الدخل وتقليص الاعتماد على النفط حتى في حالة عودة أسعاره للارتفاع، رأى الزامل أن الجدية ستكون موجودة بحال استمرار انخفاض أسعار النفط، باعتبار أن ذلك سيكون الخيار الوحيد لضمان الاستقرار الاقتصادي والسياسي، بينما تكون البدائل الأخرى خطيرة جداً.
ولكنه استطرد: "لكن للأسف، وبناءً على التجارب السابقة، فإن ارتفاع النفط لمستوياته قبل 2015 قد يجعلنا نعود لنقطة الصفر. ويعود معه نموذج الاقتصاد الريعي في دول الخليج، وهو نموذج اقتصادي غير مستدام، وسيكون لذلك عواقب وخيمة في المستقبل."
وجزم الزامل بأن السيناريو الأمثل سيكون اجتماع ارتفاع أسعار النفط مع الاستمرار في خطط الإصلاح، وبذلك تستطيع الحكومات تقليل الكلفة السياسية من خلال تخفيف الألم الاجتماعي المصاحب للإصلاحات الإقتصادية والمرحلة الانتقالية، وبنفس الوقت لا تتوقف عجلة الإصلاح للتحول إلى اقتصاد منتج لا يعتمد على النفط، معتبراً أن خطوة من هذا النوع ستحتاج لإرادة سياسية قوية لا تستلم لجاذبية ارتفاع الإيرادات النفطية لتستخدمه في إرضاء الشعوب.
البطالة بين السعوديين وأعداد العمالة الوافدة
وتحدث الزامل عن تفاقم مشكلة البطالة في السعودية ومدى جدية البرامج الحكومية في معالجتها بالقول إن البطالة بين المواطنين كانت مرتفعة حتى خلال فترة الطفرة النفطية التي بدأت في 2005. لذلك فإن الصعوبات التي ستواجه الحكومة والقطاع الخاص في توفير وظائف للسعوديين اليوم ستكون أكبر نظراً لتباطؤ النمو الاقتصادي نتيجة لانخفاض أسعار النفط.
وقال: "السبب الرئيسي لارتفاع البطالة بين المواطنين كان ومازال التدفق المفرط للعمالة الوافدة متدنية التكلفة والمهارة. هذا التدفق المفرط للعمالة الوافدة قلل الفرص للوظائف المناسبة للمواطنين، كما أنه قلل من معدلات الأجور في القطاع الخاص."
العامل الثاني الذي ساهم في رفع معدلات البطالة - وفقا للزامل - هو الفجوة بين الأجور في القطاع الحكومي والقطاع الخاص، والتي تتجاوز 50 في المائة لصالح أجور القطاع الحكومي. وبناء على تلك المعطيات، فإن معدلات البطالة لا يمكن خفضها إلا من خلال معالجة تلك العوامل، وأهمها العمالة الوافدة، إذ يؤدي الحد منها إلى رفع الأجور بالقطاع الخاص من جهة وإحلال السعوديين في وظائف إضافية من جهة ثانية.
أما على المدى الطويل، فيرى الزامل أنه لا بديل إلا من خلال نمو الإقتصاد وخلق وظائف جديدة للمواطنين. هذا النمو لن يكون ممكناً إلا من خلال رفع إنتاجية المواطن والإقتصاد في قطاعات قابلة للإستدامة وقادرة على زيادة الصادرات وتقليل الواردات.
وأشاد الزامل بقرارات الرسوم الإضافية التي تُفرض على العمالة الوافدة، موضحاً أن كل قرار يهدف للإصلاح الاقتصادي سيكون له آثار سلبية وآثار إيجابية. المهم هو أن تطغى الآثار الإيجابية على السلبية. فيما يتعلق برسوم العمالة، فإن هذا القرار سيسهم في زيادة التدفق العكسي للعمالة الوافدة، أي خروجها من سوق العمل السعودي، خاصة مع تباطؤ النمو الاقتصادي.
ورأى أن غالبية العمالة المغادرة تضرراً من الرسوم المضافة ستكون من الأقل إنتاجية. أما العمالة عالية المهارة والتي تسهم بشكل إيجابي على الاقتصاد، فإن القطاع الخاص لن يستطيع الاستغناء عنها وسيضطر لتحمل أي تكاليف إضافية تفرضها الحكومة.
أما بالنسبة لانخفاض الطلب على الخدمات، فلم ير الزامل ضرراً في ذلك، معتبرا أن الأمر قد يكون مطلوباً بالظروف الاقتصادية الحالية، فغالبية السلع المستهلكة مستوردة، وحتى قطاع الخدمات، الذي يفترض أن يكون غير قابل للإستيراد، فهو أيضاً أشبه بما يكون بالمستورد، حيث تشكل العمالة الوافدة الغالبية العظمى من هذا القطاع، ويقومون بتحويل غالبية أجورهم للخارج.
لذلك فإن انخفاض الاستهلاك الداخلي سواء على السلع أو الخدمات، قد يسهم في تقليل التآكل المستمر في الإحتياطيات الأجنبية، وهو هدف مهم على المديين القصير والمتوسط، وفقا للزامل.
وعن التكلفة السياسية لتقليص أعداد العمالة الوافدة أكد أنه سيكون هناك كلفة سياسية واجتماعية، فكثير من المنشآت في القطاع الخاص ستواجه صعوبات مالية نتيجة لارتفاع كلفة العمالة الوافدة أو نتيجة لفرض السعودة في بعض القطاعات الاقتصادية. ولكن هذه الكلفة السياسية ستكون أقل بكثير من كلفة وجود مليون أو مليوني عاطل من الشباب السعودي بعد خمس سنوات.