مقال بقلم جيري ماهر، محلل سياسي وكاتب لبناني. المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي شبكة CNN.
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- صدر إعلان استقالة الرئيس سعد الحريري من رئاسة الحكومة اللبنانية من الرياض، وأصيب الشعب اللبناني بكافة أطيافه بالصدمة وضاع السياسيين في بلد الـ10452 كلم مربع بين حائر وضائع ومتفاجئ وبدأت ردود الفعل تتوالى على هذا القرار الذي لم يصدقه البعض وذهب آخرون إلى مكان يدعون فيه أن الاستقالة جاءت بالإكراه وبضغط سعودي وهو ما نفاه الرئيس الحريري بشكل غير مباشر بعد قيامه بزيارة للملك سلمان وزيارة أخرى لولي عهد أبو ظبي، الشيخ محمد بن زايد.
القضية الأساسية التي تجاهلها الجميع وأدركها رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، بشكل سريع هي أسباب استقالة سعد الحريري وكيفية علاجها لحماية لبنان ومؤسساته وسيادته وشعبه وحتى اقتصاده الذين أصبحوا في خطر داهم وحقيقي ولم يعد مجرد تهديدات كلامية فتحدث "الحكيم"، كما يسميه أنصاره الأربعاء وقال للجميع إن الدولة هي الحال، وهي الخلاص، ولن يتفادى لبنان هذه العاصفة إلا بعودة جميع مكوناته إلى الدولة اللبنانية ومؤسساتها ووقف التدخل بشؤون الدول.
وتحدث جعجع إلى حزب الله بكل صراحة، ودعاه للعودة إلى لبنان ووقف المشاركة بالحرب السورية ووقف تدخله في الحرب في اليمن والتطاول على المملكة العربية السعودية ونظامها والتحريض على مملكة البحرين، وقال لحزب الله إن عليه وبكل صراحة الالتزام باتفاق الطائف والتخلي عن السلاح الذي يشكل اليوم تهديداً للبنان أكبر من أي تهديد أخر يحيط به.
إن الدولة والمؤسسات والجيش وقوى الأمن هي التي تحمي الشعب اللبناني والحدود والأرض ولا يمكن القبول بعد اليوم ببقاء ميليشيا عسكرية ارهابية تحمل السلاح وتروع اللبنانيين من جهة، وتهدد دول المنطقة من جهة أخرى، لنتفاجأ بأن الحوثيين يحصلون على صواريخ يستهدفون بها السعودية مصدرها حزب الله في لبنان بحسب بيان وزارة التحالف العربي الذي أكد ذلك.
لقد قرأ سمير جعجع استقالة سعد الحريري بشكل صحيح وكان الأسرع لتحليل أسبابها وكيفية علاجها وقال بوضوح ''لم أتفاجأ باستقالة الحريري لكنني تفاجأت بالتوقيت، كنت أشعر أن ذلك سيحصل لكني كنت أتساءل عن التوقيت. وسأل جعجع:" الصراع في المنطقة محتدم إلى أقصى حد، وفي هذه الوضعية المتفجرة هل يجوز رمي لبنان في أزمات المنطقة؟ المعادلة بسيطة، حزب الله يقاتل مع أحد المحاور وكل الذين يريدون قتال حزب الله يريدون قتاله عبر لبنان".
إذاً وبشكل واضح عندما ننظر إلى هذا الخطاب نعرف أن لبنان يعاني من مشكلة واحدة ورئيسية، وهي أنه لم يعد من الممكن القبول بوجود سلاح حزب الله في لبنان، ولم يعد بوسع المجتمع الدولي والأشقاء العرب السكوت عن تمادي الحزب باستخدام هذا السلاح لسلب قرار الدولة والشعب في لبنان والمشاركة في حروب الأخرين انطلاقا من أرض لبنان وبدماء لبنانية يرتهنها هذا الحزب لخدمة محور خبيث يسعى لتحقيق التمدد في العالم العربي على حساب أبناء المنطقة.
الخطوات السعودية السريعة في التعاطي مع الملف اللبناني لم تعد كما في السابق، هادئة ودبلوماسية، وعلى جميع الأفرقاء السياسيين في لبنان أن يعلموا بأن طلب المملكة العربية السعودية لمواطنيها بمغادرة لبنان فوراً وعدم زيارته من أي وجهة دولية ليس الخطوة الواحدة التي سيتم اتخاذها بل هناك خطوات أكثر تأثيراً وسيشعر بها اللبنانيين وتؤثر على حياتهم اليومية على المستويين السياسي والاقتصادي.
هناك اتجاه للتصعيد وفرض عقوبات ومقاطعة تشبه إلى حد كبير مقاطعة قطر من قبل دول مجلس التعاون الخليجي، فهل سيبقى الشعب اللبناني وأصحاب القرار في لبنان صامتون عن سلاح حزب الله وتطاوله المستمر على المنطقة العربية وشعوبها وقيادتها؟ هل سيقبلون الاستمرار على هذا الوضع الذي يستفرد فيه حزب الله بقرارات السلم والحرب ويأخذ لبنان رهينة يهاجم من خلاله دول الخليج العربي ويكمل الهلال الشيعي الذي بدء في طهران ولا يبدو بأي شكل أنه سينتهي في بيروت؟
لقد قالت المملكة العربية السعودية كلماتها وهي لن تقبل بعد اليوم أن يكون حزب الله جزءا من أي حكومة لبنانية، وأي حكومة يشارك فيها الحزب ستعتبرها حكومة إعلان حرب، وقال سعد الدين رفيق الحريري كلمته وأعلن استقالته من الحكومة.. وأمس قال سمير جعجع كلاماً كثيراً أبرزه أن الدولة هي الحل وأن الخيار الأول والأخير لحماية لبنان هو الالتزام بالقرارات الدولية، واتفاق الطائف ووقف التدخل في شؤون الدول والتطاول عليها.
أما بالنسبة لي كمواطن لبناني، فأنا أطالب اليوم المملكة العربية السعودية باستصدار قرار في مجلس الأمن تحت الفصل السابع يلزم حزب الله التخلي عن ترسانته العسكرية والصواريخ وحل الحزب لم فيه مصلحة لبنان وشعبه ومصلحتهم العليا، فلا مصلحة لنا بأن نكون جزءًا من أي محور في المنطقة لا يشبه تاريخنا وحضارتنا وشعوبنا وثقافتنا فنحن من صدر الحرف للعالم ولن نقبل اليوم أن نصدر الصواريخ لتستهدف اشقاء لنا في المملكة العربية السعودية أو اليمن، ولن نقبل أن يستمر جزء من الشعب اللبناني يقتل السوريين ويحرض على البحرينيين ويؤسس خلايا في الكويت وغيرها ليزعزع أمن وحياة هذه الدول وشعوبها.