هذا المقال بقلم کاملیا انتخابی فرد، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتبة، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
الدروايش في الثقافة الشرق أوسطية هم أشخاص متواضعون، يكرّسون حياتهم للعبادة والدعاء، ليس من أجل أنفسهم فقط، بل من أجل البشرية كلها.
ويعود تاريخ الدراويش في إيران إلى القرن الخامس عشر، وبالطبع فإن لهم تاريخ طويل في الدول السنية أيضاً. في القديم، كان الدراويش يتنقلون من شارع إلى شارع، ويسافرون من مدينة إلى مدينة ليصلوا إلى النجف أو كربلاء أو مكة أو المدينة على أقدامهم من أجل تنقية ارواحهم. وكان الناس الكرماء يقدمون لهم الطعام والمأوى ويطلبون منهم أن يدعوا لهم في صلواتهم لأن هناك اعتقاد سائد بين الناس أن دعاء الدراويش مستجاب عند الله بسبب نقائهم وصدقهم وسلميتهم، وهناك الكثير من القصص التاريخية التي تتحدث عن ملوك كانوا يطلبون المشورة والنصيحة من الدراويش ويطلبون منهم أيضاً أن يباركوهم ويدعوا لهم، كما يذكر التاريخ الكثير من العبارات الحكيمة التي صدرت عن هؤلاء الدراويش في مناسبات كثيرة.
ورغم هذه السمعة الطيبة، اندفع الدراويش الإيرانيون بغضب في الأسبوع الماضي واصطدموا مع القوى الأمنية في شوارع طهران مما أدى إلى سقوط خمس ضحايا من القوى الأمنية واعتقال أكثر من 500 درويش. ورأى الإيرانيون لأول مرة مشهد الدراويش وهم يحملون عصيَّاً وحجارة كبيرة ويهاجمون الشرطة وقوات الأمن الذين كانوا يريدون دخول منزل سيدهم. وذكرت تقارير أن أحد الدراويش قاد حافلة ودهس بها رجال الشرطة عمداً بهدف قتل أكبر عدد منهم، وهذا الحادث هو الذي أدى لمقتل خمسة من الشرطة وإصابة عدد آخر منهم. وقد استغلت السلطات الإيرانية أعمال العنف غير المسبوقة التي قام بها الدراويش بسبب غضبهم وحاولت أن تمنع نشاطهم في البلاد.
يعتبر الدراويش أكثر الطرائق الصوفية شعبية في إيران، وقطب الطريقة في إيران هو نور علي تابنده، الذي يبلغ من العمر 90 عاماً. بوجود آلاف المتعاطفين مع الدروايش بين الآذاريين والبلوش والتركمان والكرد، نستطيع أن نقول أن الشيخ نور علي تابنده يرأس واحدة من أكثر الجماعات الدينية سلمية مع شبكة منظمة بين الرجال والنساء.
وقد دمرت السلطات الإيرانية حسينيات (أماكن عبادة) الدراويش في قم وبروجرد واصفهان بسبب انعدام الثقة بالنفس لدى رجال الدين الشيعة مقارنة مع الشعبية التي تتمتع بها هذه الطريقة الصوفية. كما أمرت المحكمة الدينية في إيران بسجن أو نفي كثير من قادة الدراويش إلى مدن أخرى بذريعة التآمر وتزايد أتباع رؤيتهم للإسلام، حيث يعتقد هؤلاء الصوفيون بضرورة الفصل بين الدين والسياسة. وبالطبع، في بلد يديره سياسيون من رجال الدين الشيعة، هذا الرؤية خطيرة، خاصة وأن الشعب في هذا البلد مستعدون للثورة على النظام في أي فرصة يجدونها سانحة.
وفي مدينة مشهد، هاجم رجل الدين المتشدد آية الله علم الهدى في خطبة الجمعة الدراويش ووصفهم بالجواسيس وتساءل "أين لدينا في ديننا هذه الشوارب السميكة والشعر الطويل؟" في إشارة إلى مظهر الدراويش.
أحد أصدقائي السنة علّق على ما قاله علم الهدى قائلاً إن الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) كان شعره طويلاً وجميلاً، ولذلك فإن هذا المظهر هو مظهر إسلامي. قلت له إن مولانا محمد جلال الدين الرومي، الملقب بسلطان العارفين، والذي يفخر به الإيرانيون، ربما ألهمه الله أن يهاجر مع والده إلى قونية في تركيا، لأنه لو بقي في إيران وتوفي هناك، ربما كان رجال الدين الشيعة دمروا قبره واتهموه بالكفر بسبب غيرتهم منه، لذلك من الأفضل له أن يكون مدفوناً في تركيا بدلاً من إيران.