هذا المقال بقلم دانيال شابيرو. شغل شابيرو منصب سفير الولايات المتحدة الأمريكية في إسرائيل، وتولى إدارة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي خلال فترة باراك أوباما الرئاسية. هذا المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي CNN، وإنما رأي كاتبه فقط.
فيما تستعد الولايات المتحدة الأمريكية لنقل سفارتها في إسرائيل رسميا إلى القدس، عبر الكثيرون عن قلق متزايد حيال هذا القرار وتأثيره على السلام مستقبلا.
وما يزيد الأمر تعقيدا هو أن حفل افتتاح السفارة سيقام وسط مظاهرات عنيفة واسعة في قطاع غزة منذ أسابيع، يحيي فيها الفلسطينيون ذكرى "النكبة"، كما أن نهاية هذا الأسبوع ستشهد بداية شهر رمضان.
ولكن ما هي التأثيرات الحقيقية لهذا القرار؟
سأحاول تبني وجهة نظر مناقضة: وهي أن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس يمكنه في الحقيقة أن يسهم في إنهاء الصراع بين الطرفين.
وهنا، أقدم درسا مختصرا من التاريخ ليساعدني في شرح ما أقصد.
لماذا لم تعترف الولايات المتحدة الأمريكية على الإطلاق بالقدس عاصمة لإسرائيل؟ البعض يرجع هذا الأمر إلى الجدل الذي وقع عام 1967، حين احتلت إسرائيل القدس الشرقية من الأردن في حرب الأيام الستة ووحدت المدينة، واحتجت الولايات المتحدة الأمريكية حينها على ذلك. ولكن ذلك غير صحيح.
الحقيقة أن السياسات الأمريكية لشأن القدس تعود إلى ما قبل ذلك بعشرين عاما، حين صادقت الأمم المتحدة على خطة بتقسيم فلسطين في نوفمبر/ تشرين الثاني 1947. ففي محاولة للاعتراف بمزاعم طرفين مختلفين، طالبت الخطة بتأسيس دولتين: دولة يهودية ودولة عربية، وقامت برسم خريطة مبدئية لترسيم حدود كل بلد.
إلا أن القدس، المدينة المقدسة في الديانات السماوية الثلاثة، كانت القضية الأكثر حساسية، فحاولت الأمم المتحدة التعامل بحذر معها: فتم التعامل مع القدس كمنطقة مستقلة، ورسمت دائرة حولها لتؤكد من خلال ذلك أن المدينة لا تنتمي لأي من الطرفين.
تأسيس دولة إسرائيل لاقى رفضا من الدول العربية والسكان العرب في فلسطين.
وبعد حرب عام 1948، سيطرت إسرائيل على القدس الغربية، فيما حافظ الأردن على القدس الشرقية إلى جانب الضفة الغربية، ولكن حتى تلك اللحظة لم يتم تأسيس أي دولة عربية.
وتحت ظروف بدت مؤقتة بشأن القدس، راجع المجتمع الدولي الوثيقة الوحيدة المقبولة بالنسبة له، وهي خطة تقسيم فلسطين، ولكنه فشل في التوصل إلى أي حل. فقضية القدس كانت صعبة جدا، وبالتالي لم تقم أي دولة بإجراء تغييرات على سياساتها تجاه ما يجري حتى يتم حل قضية القدس من خلال المفاوضات، ومن بينهم الولايات المتحدة الأمريكية.
وبقي الوضع على ما هو عليه حتى بعد إطلاق عدة مبادرات للسلام خلال العقود الماضية. الأمر لم يتغير عام 1967 حينما وحدت إسرائيل المدينة. وحتى في عام 1993 حين تم التوقيع على اتفاقية أوسلو للسلام لم يتغير الأمر أيضا.
وفي عام 1995، تقدم الكونغرس الأمريكي بمشروع قرار يدعو لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، لتبحث إدارة الرئيس الأمريكي آنذاك، بيل كلينتون، عن مخرج، سمح لها في النهاية بتأخير قرار النقل ستة أشهر في كل مرة.
التأجيلات استمرت في عهد بيل كلينتون، وجورج بوش الابن، وباراك أوباما وحتى عهد دونالد ترامب، وكل ذلك حتى لا تشتعل أكثر القضايا حساسية، وهو ما يمكن أن يمحو أي فرصة للسلام.
على أية حال، بالنسبة للإسرائيليين، القدس كانت دائما عاصمة لإسرائيل، حتى وإن لم يكن ذلك بشكل رسمي. حينما تم تعييني سفيرا للولايات المتحدة الأمريكية في تل أبيب، كنت كل يوم أقود السيارة إلى القدس لإجراء اللقاءات في الحكومة ومكتب رئاسة الوزراء ووزارة الخارجية والكنيست.
الرئيس باراك أوباما أقام في فندق الملك ديفيد في القدس حين زار إسرائيل عام 2013.
لذا فعندما قرر ترامب نقل السفارة إلى القدس، فذلك لم يكن سوى اعتراف بالواقع.
ولكن ما سيسهم في اكتمال الصورة هو وضوح الإدارة الأمريكية بشأن الجانب الفلسطيني، الذين تربطهم أواصر تاريخية ودينية بالمدينة.
ما أشار إليه ترامب بقراره هو أنه برغم الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، لا زالت حدود إسرائيل تخضع لما يتم الاتفاق عليه بالمفاوضات.
والقدس الشرقية على الناحية الأخرى، تحتوي على الكثير من الفلسطينيين والقليل من الإسرائيليين، وبالتالي التوصل إلى اتفاق بوجود عاصمة فلسطينية ذات سيادة في مدينة موحدة لا حدودها هو أمر معقول ويمكن القيام به.
ويبدو أن هذا الأمر بدأ يحدث بالفعل، فالفريق الأمريكي في الشرق الأوسط حدد أربع مناطق عربية في القدس الشرقية يمكنها أن تكون أساسا لعاصمة فلسطينية هناك. ولكن وبرغم الأصوات الإسرائيلية المعارضة لذلك، هناك بعض الإسرائيليين من اليمين ممن بدأوا يتقبلون الفكرة.