هذا المقال بقلم کاملیا انتخابی فرد، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتبة، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
في وقت من الأوقات، وقبل الثورة الإسلامية في إيران، كانت إيران وإسرائيل حليفتين مقربتين وكانتا تتمتعان بأفضل العلاقات الثنائية في المنطقة. لكن الأمور تغيّرت كثيراً الآن، حيث أصبح البلدان عدوين لدودين إلى أبعد حد.
وبعد أن شهدت منطقة الشرق الأوسط حروباً إسرائيلية كثيرة، مثل الحرب الإسرائيلية على لبنان في 2006 وقصف غزة، يتحدث المراقبون الآن عن حرب رهيبة محتملة بين إيران وإسرائيل على نطاق كبير وواسع، ويتوقعون أن تكون نتائج مثل هذه الحرب –إن وقعت لا قدر الله- كارثية.
مع بداية الربيع العربي وبروز الحاجة إلى بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة للحفاظ على مصالح النظام الإيراني، برزت فرصة غير متوقعة بأن يقوم الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني ببناء قواعد عسكرية في سوريا بالقرب من الحدود مع إسرائيل، وذلك في إطار مكافحة الإرهاب ومحاربة تنظيم داعش في سوريا.
ورغم انتهاء الحرب ضد داعش، بقيت القوات الإيرانية والميليشيات الحليفة معها في سوريا، ويخشى مراقبون أن يكون هذا الوجود تحول إلى وجود دائم، مما جعل إسرائيل تجد نفسها مهددة بالوجود الإيراني والميليشيات التابعة له. هذا القلق الإسرائيلي هو الذي تسبب بالمواجهات الأخيرة بين إسرائيل وإيران على الأراضي السورية، الأمر الذي يهدد بزعزعة استقرار المنطقة واندلاع مزيد من المشاكل فيها.
ولكن ما الذي يجعل الحرس الثوري الإيراني يلجأ إلى المخاطرة واستفزاز إسرائيل على حدودها، مع أن الرئيس الإيراني حسن روحاني صرّح يوم الخميس الماضي أن "إيران لا تريد مزيداً من التوترات في الشرق الأوسط"؟
خلال الأشهر القليلة الماضية، قتل عدد من عناصر الحرس الثوري الإيراني في الهجمات الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت القواعد العسكرية الإيرانية في سوريا بشكل مباشر، ومن المؤسف أن تسمح إيران بمقتل جنودها بسهولة دون أن يكونوا في مواجهة مباشرة مع عدو في أرض المعركة. من المحزن أن يخاطر الحرس الثوري بحياة هؤلاء الشباب الإيرانيين والمرتزقة الأفغان في القواعد العسكرية في سوريا ويتركهم دون توفير وسائل دفاع كافية ضد الهجمات الإسرائيلية ليكونوا أهدافاً سهلة لها. معظم المقاتلين الأفغان الموجودين مع القوات الإيرانية هم من اللاجئين الفقراء الذين استغلت إيران حاجتهم للحصول على الإقامة في إيران بشكل قانوني وأرسلتهم إلى الحرب ضد رغبتهم مقابل أجور قليلة لا تتعدى بضع مئات من الدولارات، ولا يشكل موت هؤلاء اللاجئين الأفغان أي مصدر قلق للنظام الإيراني.
إيران تقول إنها لا تريد أن تدخل في مواجهة عسكرية مع إسرائيل. إذا كان ذلك صحيحاً، لماذا لا تنسحب القوات الإيرانية وحلفاؤها من سوريا وتترك مجالاً لإحلال السلام في هذا البلد؟ السوريون قلقون جداً من احتمال نشوب حرب على أرضهم بين إيران وإسرائيل، واللبنانيون لديهم نفس المخاوف أيضاً.
ربما تتوجه الأنظار حالياً إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتن للقيام بدور جديد يتعلق بالميليشيات الإيرانية في سوريا، خاصة بعد لقائه الأخير مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في موسكو أثناء الاحتفالات بذكرى الانتصار في الحرب العالمية الثانية في الأسبوع الماضي.
ويبدو أن نتنياهو نجح في إقناع الرئيس بوتين بخصوص بيع نظام الدفاع الجوي S300 إلى سوريا، حيث أعلنت روسيا عن تراجعها عن هذه الصفقة. وربما اتفق الطرفان –الروسي والإسرائيلي- أيضاً على الحد من الوجود العسكري الإيراني في سوريا. ففي نفس الليلة التي أمضاها نتنياهو في موسكو، قامت القوات الإسرائيلية بمهاجمة قواعد إيرانية في سوريا وشهدت سماء دمشق ما يشبه الألعاب النارية الضخمة بسبب تلك الهجمات، وكأنها تحتفل بالاتفاق بين روسيا وإسرائيل، لأن مثل ذلك الهجوم الكبير ما كان ليحدث دون موافقة بوتن. في تلك الليلة، قتل العديد من الجنود الإيرانيين والمقاتلين الأجانب في القواعد الإيرانية، في إشارة روسية إلى الإيرانيين بأن خدماتهم لم تعد مطلوبة في سوريا.