في خطابه الأخير، وضع المرشد الأعلى للثورة في إيران رؤيته لحكومته وأوضح للمجتمع الدولي موقفه من بقاء إيران ملتزمة بالاتفاقية النووية. علي خامنئي أعلن عن رفضه القاطع لمطلبين اثنين من المطالب الأمريكية بشكل خاص: المطلب الذي يتعلق بالتدخل في الشؤون الإقليمية، والثاني المتعلق ببرنامج الصواريخ البالستية الإيرانية. لكن خامنئي لم يوضح موقفه بشكل كامل بالنسبة لباقي المطالب التي وضعتها الولايات المتحدة للحفاظ على الاتفاقية النووية.
بما يخص السياسة الإقليمية، قال خامنئي إن الوجود الإقليمي لإيران جزء لا يتجزأ من الاستراتيجية الإيرانية الرئيسية التي لا تتغير مهما تغيرت الإدارات الإيرانية. وهذا يعني أن الدبلوماسية الأساسية للجمهورية الإسلامية والنظام الحاكم مبنية على هذه الرؤية ولا يمكن أن تتغير. وطلب خامنئي ضمانات من الدول الغربية بتسهيل تدفق صادرات النفط الإيرانية إلى العالم وتمكين إيران من استخدام النظام البنكي الدولي (سويفت)، أي أنه طلب ضمانات باستمرار إيرادات النفط دون اي مشاكل.
وجاءت تصريحات خامنئي قبل يومين فقط من الاجتماع بين إيران ودول 4+1 (بعد خروج الولايات المتحدة، على إيران أن تتفاوض الآن مع أربع من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا) في فيينا يوم الجمعة 25 مايو. وتوقعت أجهزة الإعلام أن تبرز مشاكل الآن مع فرنسا بشكل خاص. أما ألمانيا وبريطانيا فإن عليها مناقشة الحزمة الاقتصادية التي ستقدمها لإيران لضمان بقائها ملتزمة بالاتفاقية النووية في غياب الولايات المتحدة.
لكن ما لم يوضحه خامنئي في كلمته هو فيما إذا كان يعترض على إعادة التفاوض على "بند الغروب" في الاتفاقية، وهو البند المتعلق بحق إيران في العودة إلى برنامج تخصيب اليورانيوم بعد 10 سنوات من التزامها بالاتفاقية الحالية.
أحد مطالب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لبقاء الولايات المتحدة في الاتفاق النووي هو إعادة التفاوض على "بند الغروب" الذي يسمح لإيران بالعودة إلى برنامجها النووي بعد سبع سنوات، أي في 2025. هذا البند في الاتفاقية -"بند الغروب"- لا يزال مثيراً للجدل في الولايات المتحدة وإسرائيل، حيث تريد هاتان الدولتان تعديل هذا البند بحيث يتم منع إيران من تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 20% بشكل دائم، وليس لمدة 10 سنوات فقط.
أما بالنسبة للحد من نشاطات إيران الإقليمية فإن دور روسيا ربما سيكون أساسياً. لكن الدور الذي ستلعبه روسيا قد يستند إلى علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي على خلفية إتهام روسيا بتسميم العميل المزدوج السابق سيرجي سكريبال وابنته يوليا في بريطانيا. وفي ضوء التطورات الذي سيشهدها هذا الملف، ربما تقرر موسكو ما إذا كانت ستناقش مع طهران انسحاب الميليشيات الموالية لها من سوريا.
ليس من السهل كما يعتقد البعض إقناع إيران بالبقاء في الاتفاقية النووية، لكن إيران ربما لا تستطيع التخلي عن الاتفاقية بشكل نهائي أيضاً لأسباب أمنية، بغض النظر عما تتلقاه من عروض من الاتحاد الأوروبي أو نوع العقوبات التي ستفرضها عليها الولايات المتحدة.
عندما كانت الأمور تسير في مصلحة إيران، في عهد الرئيس أوباما، لم يستغل المسؤولون الإيرانيون الفرصة لتقليص التوتر مع دول الجوار، وخاصة السعودية. الآن، بعد وصول الرئيس ترامب وإدارته إلى البيت الأبيض، من الصعب حتى على دول الجوار التفاوض مع إيران التي لم تبد لهم أي مظاهر لحسن النوايا. ومع الطموحات العالية للمرشد الأعلى ضمن إطار زمني محدد، نستطيع أن نتخيل مدى صعوبة بقاء الاتحاد الأوروبي ملتزماً بالاتفاقية النووية.
فهل الظروف الحالية تتيح فرصة مناسبة للشعب الإيراني أم للحكومة الإيرانية؟