هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأميركية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- يعلم الأردنيون والمقيمون على أرض المملكة الهاشمية والعارفون بطبائع الأردنيين في أرض الله الواسعة بالمهجر، ماذا تعني "الغضبة" الملكية. فالحب والود مقرون بالأناة والتماس الأعذار، لكن إن وصلت الأمور حد الكارثة – غير الطبيعية – وإن بدت كذلك، عهد الأردنيون في ملوكهم الهواشم تلك الغضبة التي عادة ما يتبعها حساب عسير أهم ما فيه شفافيته.
أكتفي بذكر حالة واحدة اكتسبت شهرة عربية وعالمية هي غضبة الحسين الباني قبل رحيله عن دنيانا ببضع سنين إثر انكشاف إهمال مس بكرامة أقرب الناس إلى الوجدان – الأيتام. لم يهدأ بال الحسين حتى أودعهم قصرا شيده للملكة الراحلة – علياء شهيدة الواجب في رحلة إنسانية إلى جنوب البلاد إلى الطفيلة حيث أدت الأحوال الجوية السيئة إلى تحطم الطائرة العامودية التي كانت تقل جلالتها.
وفي خضم دعوة البعض في الأردن وخارجه إلى تفعيل الولاية العامة لرئيس الوزراء ومنع ما يرونه "تغوّل" مؤسستي القصر و"الدائرة" (دائرة المخابرات العامة) على موظفي الدولة في السلطة التنفيذية وممثلي الشعب في السلطة التشريعية خاصة الجناح النيابي منها، في خضم ذلك تبرز حوادث وكوارث يسارع فيها الجميع في أشبه ما يكون بالإجماع الوطني المعزز باستطلاعات الرأي العام ودراسات مراكز البحوث إلى دعوة الملك للتدخل شخصيا والأمن (المخابرات المدنية والاستخبارات العسكرية) إلى التدخل بقوة حتى "يصحّ الصحيح" باللهجة الأردنية.
لقد كشفت كارثة الرحلة المدرسية أن سيولا وليس سيلا واحدا جرفنا جميعا إلى هذه الكارثة الإنسانية الوطنية. فالمتابع للحدث عبر وسائل الإعلام الرسمية والأهلية التقليدية وغير التقليدية عبر منصات التواصل الاجتماعي، يدرك حتما مدى حجم الكارثة في جذورها لا فيما ستؤول إليها من تداعيات فقط.
لم تكن الكارثة جراء أمطار هطلت على نحو مفاجئ وكبير فتسببت بسيول جارفة، فتلك رواية قابلتها شائعة أو رواية فتح سد ماعين وصرف مياهه "خوفا من انهياره" وفي ذلك الأمر تداول البعض - في غياب قانون صارم يضع حدا للجرائم الإلكترونية - صورا تظهر ما يشي بفساد أو حتى إفساد، بمعنى إهمال بمثابة تخريب عن جهل أو قصد لتتحول الأمور من رواية إلى شائعة إلى نظرية مؤامرة!
وككثير من الحوادث التي ألمت بالأردن مؤخرا، خرج كثيرون بروايات عن بعبع الفساد ومارده الذي يقف خلف أي خسائر بشرية أو مادية بما فيها حوادث الطرق. وفي ظل غياب استراتيجية إعلامية لإدارة الأزمات تساءل البعض إن كانت هناك فعلا وبعيدا عن كاميرات البروتوكولات الرسمية، خلايا إدارة أزمة وغرف عمليات خلف الابتسامات العريضة والحواجب المقطّبة وربطات العنق "الحمراء"!
بمجرد مسارعة الأطراف المعنية إلى نهج لوم الآخر المقيت وتوظيف البعض الآخر في أسطوانة مشروخة "الدين المسيس وتسييس الدين" لمآرب أخرى ضيعت مأرب وسدها الحصين منذ قرون خلت، أدرك الناس الحاجة إلى "غضبة" ملكية تسمو وتسود. فكانت إرادة الملك عبد الله الثاني عبر تغريدة أتبعها باجتماع حضره رئيس الحكومة وكبار المعنيين بإعداد تقرير مفصل يكشف الحقائق كلها بتجرد تام تحت طائلة المحاسبة التي يتطلع ويتوقع الأردنيون أن تكون شاملة عميقة عمق الدولة الأردنية..