هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأميركية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
إن كان من رابط بين صفقة القرن وقرار قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي بهذه الطريقة البشعة بكل ما رافقها وتلاها من تداعيات، فإنه التسريب المبرمج.
حتى الآن لا نص ولو مسودة لتلك الصفقة ولا دليل قطعي الثبوت على تورط ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بقتله رغم ما نقلته وسائل إعلام أمريكية وازنة عن أن وكالة الاستخبارات المركزية خلصت إلى أن الجريمة ما كان يمكن أن تقع "دون أمر أو علم محمد بن سلمان"!
ومن الدوافع الجلية وراء نهج التسريب المبرمج هو كسب الوقت لتحقيق أهداف محددة جلها إن تعذر تحقيق كلها وهي: التخفيف من وطأة الحدث وهذا ما تختلف عليه مصالح الأطراف المعنية وبخاصة معسكري السعودية وقطر إضافة إلى تركيا وأمريكا. تحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح استفادة من حالتي الاتهام والإدانة الرماديتين. ولكل في ذلك مآربه الخاصة.
حصرا للنقاش، أفرد هذه المقالة لتداعيات الجريمة على الصفقة من زاوية من ارتبط اسمه بها وهو ولي العهد السعودي المبشر برؤية السعودية 2030 أي بعد 6 سنوات على انتهاء ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في حال انتخابه لولاية رئاسية ثانية.
في ضوء خسارة ترامب الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب وتعزيزها في مجلس الشيوخ، فإنه لا قبل لإدارته في تجاوز إرادة الكونغرس بعد الانتخابات النصفية. كما وأن كلاهما الرئيس والكونغرس يؤثران الشأن المحلي على الخارجي فيما تبقى من العامين الأخيرين في ولايته الأولى، وهو ديدن السياسة الأمريكية منذ حرب الاستقلال وقيام جمهورية النظام العالمي الجديد..
وإذا ما تم أخذ إسرائيل ومؤيديها في عين الاعتبار في منظور ترامب ونائبه مايك بنس تحديدا للاعتبارات الانتخابية المتعلقة بالإنجيليين المحافظين، فإن مجرد قرار الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة وأبدية لإسرائيل والانسحاب من اتفاق طهران الدولي ومواقف نيكي هيلي السفيرة المستقيلة اعتبارا من بداية العام الجديد الداعمة على نحو غير مسبوق لإسرائيل في الأمم المتحدة، تكفي منفردة ومجتمعة لضمان تأييد اللوبي الإسرائيلي في أمريكا المعروف اختصاراً بـ "آيباك" لترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وعليه أرى أن موقف ترامب سيعمل على توظيف تداعيات قتل خاشقجي ومحاسبة من "تخلص" التحقيقات إلى إدانتهم بشكل "قطعي الثبوت" لما فيه مصلحة بلاده ورئاسته وحزبه -ولما لا- لمصالح ما بعد انتهاء ولايته الرئاسية الثانية كرجل أعمال أثبت موجوديته ومصداقيته في أعين شركاء العمل -أيا كان ذلك العمل- فهو إن وعد صدق ويحترم الصفقات التي يبرمها- هكذا يقول مؤيدوه ولا يملك معارضوه دليلا مقنعا على التشكيك فيه.
أعتقد أن كثيرين سعوديا وعربيا (خليجيا، مشرقيا ومغاربيا) قادرون لا بل وراغبين بتلقف الدور المنوط بمحمد بن سلمان وربما على أحر من الجمر. لكن لا حاجة للعجلة، ريثما يتم بدء تضميد جروح اليمن وسوريا ويعاد تأهيل إيران وترشيد تركيا مرة أخرى من وجهة نظر مؤيدي ترامب ونهجه "الوطني" الذي تشير المعطيات إلى تناميه عربيا وأوروبيا وعالميا.
عامان يمران بلمح البصر، يتم فيه إعادة ترتيب البيت السعودي وإدارة ملف "صفقة القرن" مع شريك عربي تحترمه إسرائيل وأمريكا لا بالضرورة تحبه أو تفضله. فالأثر النفسي في الذهن الجمعي لتفاصيل استدراج وخطف وتعذيب وتقطيع وربما إذابة ما تبقى من جثمان خاشقجي بالأسيد، صورة صادمة لا تملك ماكينات الدعاية والإعلام في العالم مجتمعة، القدرة على محوها من الذاكرة في زمن التواصل الاجتماعي.
صفقة القرن قادمة لا ريب فيها ولكن بشيء من التعديل قد يشمل قليلا من القادة وبعضا من الحدود. موعدها حتما ليس خلال ولاية ترامب الأولى..