هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأميركية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
يعرف الأردنيون ومن عاشوا على أرضه مواطنين أو وافدين أو لاجئين ضيوفا كراما، ما تعنيه مقولة "غضبة هاشمية". فقد عرف عن الهواشم الحلم، وخبر الناس عن قرب تسامحهم وتواضعهم، لكنهم كلما اشتدت الخطوب يحثون ملوكهم على تلك الغضبة التي غالبا ما يتبعها قرار من وزن "شعبي معي" العبارة التي استخدمها العاهل الأردني عبد الله الثاني قبل أسبوع في إشارة إلى الضغوط التي يتعرض لها شخصيا ويتعرض لها الأردن فيما يعرف بصفقة القرن.
لم يكن عبثا اختيار الملك لمدينة الزرقاء، وللملوك والقادة أسلوبهم الخاص في توجيه الرسائل-، توجيه بكل وسائل الإشارة المتاحة حتى يفهمها اللبيب وغيره. من ضمن تلك الوسائل المكان والحضور. حديث الملك جاء من الزرقاء المعروفة تاريخيا بمدينة معسكرات الجيش "العربي المصطفوي" التي تمثل النسيج الوطني الأردني من "شتى المنابت والأصول". يذكر العرب مؤتمر الخرطوم بعد حرب حزيران وإطلاق الدول العربية في قمتهم "اللاءات الثلاث": لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف.. لاءات انهارت تباعا سرا وعلانية. لكن الأردن اختار كلمة أكثر قوة في الرفض وأكثر قطعية في النهي عندما قال عبد الله الثاني: كلا لأي محاولة للمس بالوصاية الهاشمية على القدس الشرقية ومستقبلها، كلا للوطن البديل وكلا للتوطين.
بهذا الموقف خرج الخلاف الأميركي الأردني إلى العلن. وهو ليس الخلاف الأول بين الدولتين الصديقتين إلى حد التشاركية والتحالف في كثير من الملفات الحساسة: فأردن الحسين رفض دخول التحالف الدولي لضرب القوات العراقية الغازية للكويت، وأردن عبد الله الثاني رفض المشاركة في حرب إسقاط نظام صدام ورفض الانضمام إلى داعمي "الربيع العربي" الدامي سواء بالتسليح أو التمويل. وأردن عبد الله الثاني رفض المشاركة في حرب اليمن رغم ضغوط وعتب دول شقيقة بوزن السعودية والإمارات. الشراكة الوحيدة التي انخرط فيها الأردن وبشكل حاز على تقدير دولي، تمثلت بالتحالف الدولي لدحر داعش. الأميركيون مازالوا يذكرون صورة الملك-الجندي وهو يقوم بتقفيز المظليين وتأكيده أن الحرب على "خوارج العصر" هي حربنا.
من هنا فإن عاهل الأردن كان يعني طرحه للتساؤل "الفيصل" وبحضور نخبة من قادة الجيش والأجهزة الأمنية: أوليس لنا صوتا؟ يعلم أعداء الأردن قبل أصدقائه أن الخطاب الأردني تميز بالأدب الجم وواقعية الطرح والبعد عن "العنتريات".
والسؤال الكبير في ذهن قارئي ما يصدر عن القادة من رسائل هو كيف سيكون إذن الرد الأردني على الضغوط الآتية لا ريب في حال رفض صفقة القرن أو قبولها. هل ستنجح الدبلوماسية الأردنية باعتماد سياسة "النأي بالنفس"؟ بالطبع لا، لأن الصفقة التي ستطرح في أعقاب الانتخابات الإسرائيلية وفوز بنيامين نتانياهو شبه المحقق فيها، ستطرح مسألة في الصميم بالنسبة للأردن والفلسطينيين تتمثل في أن يصدق نتنياهو وعده لناخبيه في ضم المستوطنات الكبرى إلى إسرائيل.
شطح خيال بعض المراقبين وبدافع من "تفكير الرغبة" إلى القول بأن الأردن قد يقوم بإلغاء معاهدة وادي عربة. فريق أكثر واقعية لكن يؤمن بالهروب إلى الأمام بشكل أو بآخر يدعو إلى إلغاء قرار فك الارتباط القانوني والإداري بين ضفتي المملكة الأردنية الهاشمية في مطلع ثمانينيات القرن الماضي.
قد يكون الخيار الأخير مطروحا وراء الكواليس لكن بكثير من الحذر لإبعاد أي هاجس يتراوح بين كابوسي التوطين و"الوطن البديل" الذي قال رئيس وفد محادثات السلام الأردني الفلسطيني المشترك رئيس وزراء الأردن الدكتور عبد السلام المجالي أننا "كفنّاه"، مقولة أطلقها -ليس صدفة- من واشنطن، في التسعينيات أي بعد عقد من فك الارتباط وما سبقه من ترويج ما عرف في إسرائيل بـ "الخيار الأردني".
فهل يكفّن الأردن الأوراق الخاص به وبالفلسطينيين في صفقة القرن، أم يكتفي بالنأي بالنفس عن المشاركين فيها من العرب بانتظار ما ستكشف عنه الانتخابات الأميركية الرئاسية العام المقبل؟