هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأميركية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- اللهم لا تشفي فهذا ليس من الخلق الحميد، لكن صاحبة الجلالة -الصحافة- لا ترحم من ضرب بعرض الحائط الكثير الكثير من القيم الإنسانية. كان حتما سقوط رئاسة البشير بعد اكتمال تساقط نظامه. نظام يستبد إلى حد انشطار بلاده إلى نصفين - مع الاحترام لحق دولة جنوب السودان في الوجود. نظام يقسم قبل سنوات، ملوحا بعصاته بـ"الطلاق ثلاثا" لعدم تراجعه عن سياسته في دارفور! نظام لم يسبق له مثيل في محيطه العربي -على الأقل- في استخدام الاغتصاب وسيلة استعباد وتعذيب وحرب (أتحدث عن فظائع ميليشيا الجنجاويد في إقليم دارفور).
خاض كثيرون في انتهازية البشير وسرقته انقلابا أعده له بأناة "الداعية المفكر" د. حسن الترابي، وأشبع الكثيرون أيضا سنوات حكمه الفاسد بكل المعايير، فلا خير يرتجى من حكم فرد وصل إلى الحكم على ظهر دبابة، تارة يركب موجة الإسلاميين وتارة أخرى "الربيع العربي". يتواطأ مع إيران بيد، ويستجدي السعودية المال بيد أخرى عبر أجواء "عاصفة الحزم".
إن المتأمل في المشهد السوداني لا يملك تجاهل ما يجري على الساحتين الجزائرية والليبية. الطغمة العسكرية ما زالت حجر الزاوية والركن الحصين للدولة العميقة في العالم العربي، شئنا أم أبينا. لا من منطلق التأييد ولكن إقرارا بما هو قائم. والظاهر أن سنوات الربيع العربي الدامي قد أفرزت حقائق على الأرض في المنطقة والعالم المتأثر والمؤثر بها. الحقيقة الأولى هي خطر الإرهاب أما الثانية فهي الهجرة. بعيدا عن الشعارات والاسطوانة المشروخة من التباكي على حقوق الإنسان ومساندة الشعوب الحية في قضاياها العادلة، فإن أصحاب القوة الفاعلة في عالم اليوم، عادت خوفا من اكتوائها بالإرهاب وطوفان الهجرة غير الشرعية، عادت إلى "رشدها" على ما يبدو، واستوعبت الدرس البليغ ومفاده أن لا سبيل لقمع إرادة الشعوب ولا جدوى وراء نظام فاسد وإن كان مأجورا بشكل مباشر أو غير مباشر.
السودان -سلة غذاء الوطن العربي- كما علمونا في المدارس قبل انشطاره، لم يعرف -منذ استقلاله- حكما مدنيا قط. النقطة المضيئة الوحيدة في تاريخه من وجهة نظري ونظر كثيرين كانت المرحلة الانتقالية التي تولاها العسكري المهني الخلوق الفريق سوار الذهب رحمة الله عليه.
العجيب في السودان وسائر الطغم العسكرية والحكم الفردي في المنطقة/ إجماعها على تسييس الدين واستغلاله حتى من قبل نظم بشرت بالعلمانية كحزب البعث العربي الإشتراكي. وفي دولة متعددة الإثنيات كالسودان كان ذلك الاستبداد والتهميش والاستغلال البشع والمشوه للدين سببا رئيسيا لانفصال الجنوبيين بدولة مستقلة.
خلاصته، أن سقوط البشير كرئيس، كان ثمرة تساقط نظامه على مدى أكثر من ثلاثة عقود، لكن قيام نظام جديد أمر لا يتطلب سوى الكف عن استنساخ واجترار تجارب الماضي القريب والبعيد. قد آن الأوان لرفع لواء الدولة المدنية. حينها فقط تصان الأوطان ويتحقق الحكم الرشيد. فهل يتعظ من يقف بعد البشير بين يدي الشعب السوداني الطيب؟