"تهريب علني".. تحقيق يكشف كيفية صيد وتهريب الصقور من مصر إلى دول الخليج

الشرق الأوسط
نشر
35 دقيقة قراءة
تهريب الصقور
11:39
"تهريب علني".. تحقيق يكشف كيفية صيد وتهريب الصقور من مصر للخليج

ينشر موقع CNN بالعربية هذا التحقيق بالتعاون مع شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية "أريج" التي أشرفت على إعداد النسخة المصورة وقدمت الدعم لإنتاجها. 

أجرى التحقيق: علياء رفعت

بين كُتبه، براقع صقوره، وأوكارهم؛ جلس محمد وكري حزينًا مُنقبضًا. كانت تلك اللحظة هي واحدة من أسوء اللحظات التي عاشها الشاب الثلاثيني على الإطلاق، ففي الخامسة مساءً من ذلك اليوم خرج وكري مرتديًا ثوب الحزن، حاملًا في قلبه هم الفراق وبين يديه قفصًا يحوي آخر الصقور التي كان يقوم بتربيتها. عند أعلى التلة المقابلة لمنزله حيث اعتاد إطعام صقره وتدريبه يوميًا، قام بإطلاقه عازمًا على العزوف عن تربية الصقور والصقارة للأبد.

استكمل وكري ليلته المظلمة وهو يفكر في مصير ذلك الصقر الذي أطلقه، كان يشعر بالغضب والقلق لأن الصقر الذي وهبه حريته للتو قد ينتظره على بُعد كيلومترات من ساحل الإسكندرية مجموعات متفرقة من الصيادين القابعين في خيامهم بانتظار صيدٍ صغير كالصقور الوكرية، التي تعينهم على الصيد، أو كبير كشواهينهم المُبتغاه.  

في حلقةٍ مُفرغة بدأ يدور عقل الشاب الثلاثيني، الذي أطلق عليه أصدقاؤه اسم "وكري" لحبه لفصيلة الصقور الوكرية، وما بين أن يكون صقره الطليق صيدًا مُحتملًا أو يحلق مرفرفًا وهو ينعم بحريته، تكمن الكارثة الحقيقية. فصقر "وكري" ما هو إلا واحدًا ضمن مئات الصقور الحرة التي يتم اصطيادها سنويًا في موسم هجرتها، أثناء مرورها بمصر، تمهيدًا لتهريبها.

في هذا التحقيق، نوثق بالصوت والصورة، عمليات صيد وتهريب الصقور عبر الحدود المصرية، لبيعها لأثرياء في بعض دول الخليج مقابل مبالغ طائلة، وذلك بالمخالفة للاتفاقيات الدولية والقوانين المحلية، وعلى علم من كل السلطات المنوط بها حماية البيئة والحفاظ على الحياة البرية لتصبح تلك العمليات "تهريب علني".

كانت البداية بتصدر الصحف أخبارًا، على مدار عِدة أشهر، عن ضبط أنواعٍ مختلفة من الصقور على الحدود المصرية وفي الموانئ الجوية استعدادًا لتهريبها خارج البلاد، وبالبحث المبدئي استطاعت معدة التحقيق رصد 12 واقعة لتهريب أنواع نادرة من الصقور إلى بعض دول الخليج ما بين عامي 2014 و2018، حتى رصد الضبطية الأكبر على الإطلاق والتي كشفت عن ضبط وإنقاذ 95 صقرًا مهددًا بالانقراض قبل الإتجار غير المشروع بهم عن طريق تهريبهم.

وجود بعض عمليات الضبط الناجحة لا يعني انعدام عمليات التهريب أو فشلها كلها، الأمر الذي تؤكده دينا ذو الفقار، الناشطة بمجال حقوق الحيون، قائلة إنه إذا تم ضبط واقعة تهريب واحدة فإن هذا يعني مرور 70% من العمليات ذاتها إلى خارج البلاد، مشيرة إلى أن الصقور التي لا يتم ضبطها تباع بمزادات علنية بعد تهريبها نظير ملايين الجنيهات بينما تذاع مزادات بيعها على بعض القنوات دون مواراة.

لم تختلف وجهة نظر الدكتور أحمد عبد الكريم، رئيس الإدارة المركزية للحجر البيطري والفحوص، عما أكدته دينا ذو الفقار، فهو يرى أن تهريب الصقور أمر لا يمكن أن نتغافل عنه أو ندعي عدم وجوده لكونه واقعًا لا يمكن أن تنكره السلطات التي حاولت، بحسبه، التضييق على التجار والمهربين فبدأوا يلجأون إلى التهريب عن طريق مسالك أخرى.

الولوج إلى عالم هؤلاء التجار والمهربين كان أول خطواتنا في مسيرة طويلة للكشف عن تلك الشبكة. وكانت حسابات الصيادين الشخصية على "فيسبوك" هي تذكرة عبورنا الذهبية إليهم. بتصفح تلك الحسابات يمكنك أن تجد بسهولة العديد من الصور لصيادين الصقور وهم يتفاخرون بصيدهم كُل عام، وبينما تنهال تعليقات التهاني على أحدهم لاستطاعته اصطياد أحد الشواهين، تنهال أسئلة أخرى من وسطاء وسماسرة عن سعر شرائه بهدف بيعه وربما تهريبه خارج حدود البلاد لاحقًا.

حلقات عمليات تهريب الصقور

تمر عمليات التهريب بثلاث حلقات تبدأ بصيادي الصقور، مرورًا بالسماسرة، وانتهاءً بالمهربين. الوصول إلى أول أطراف هذه الحلقات لم يكن سهلًا على الإطلاق بل استغرقنا شهورا من بحث ودراسة كل ما يتعلق بالصقور بشكل دقيق، بالإضافة إلى 4 أشهر قضيناها في مراسلة هؤلاء الصيادين ومحادثتهم عن حب هواية الصقارة حتى نستطيع أن نحوز ثقتهم ونتقرب إليهم بالقدر الكافي. فمجتمع الصيادين، السماسرة، والمهربين هو دائرة مغلقة على أهلها لا تنفتح لسواهم إلا بحذرٍ شديد.

بعد انقضاء الشهر الرابع، طلبنا من أحد هؤلاء الصيادين أن يستقبلنا في منزله للحديث ولدى موافقته، اتجهنا فورا إلى الحدود ما بين محافظتي الإسكندرية ومطروح. في وسط الصحراء تمامًا كان موعدنا في بيتٍ مبني بالحجارة والطوب الأبيض لا يحده من أي اتجاه آخر على مرمى البصر شيء حتى أن شبكات هواتفنا كانت قد تعطلت تمامًا كُلما توغلنا بالصحراء باتجاه ذلك البيت متتبعين خريطة الوصول التي بُعِث بها إلينا.

استقبلنا "هاشم"، اسم مستعار لصياد صقور، في بهو داره الواسع، وبين صوره مع الصقور جلس يفرق لنا بين الأنواع المختلفة ويخبرنا بقصةٍ يبلغ عمرها 20 عامًا، قائلا: "من ساعة ما وعيت ع الدنيا وأنا بشتغل في صيد الصقور، ولما مسكت الشاهين كان يوم سعدي". هكذا استهل الشاب الثلاثيني حديثه إلينا، فهو يمارس تلك المهنة منذ عمر الرابعة عشر، ولكن ممارسوها بحسبه نوعين، أولهما يمارسها بهدف البيع والتهريب للتربح، وثانيهما يمارسها مدفوعًا بحب الهواية.

"دي حاجة اتربينا عليها وبنحبوها ومنقدروش نبطل صيد لآخر يوم بعمرنا"، قالها هاشم مُذيلًا حديثه، مُشيرًا إلى أن كُل شيء أصبح يخضع للتهريب خارج البلاد، مما جعل وضع الصيد في مصر، على حد وصفه، "مسيوب" بلا أي ضوابط أو مظلات قانونية تنظمه وتحافظ على التوازن البيئي بمحافظتها على أنواع تلك الطيور البرية.

لا يفرط "هاشم" في صقوره إلا لدى حاجته للأموال، ولا يمنعه عن الصيد إلا المال أيضًا، فيتطلب الصيد، بحسبه، صرف أموالًا كثيرة لاستئجار الخيام والمبيت في الصحراء لمدة شهرين أو ثلاثة بشكل متواصل بعد شراء كل المؤن الغذائية اللازمة. أما عن بيع الصقور، فلا يتضمن اتفاق هاشم مع المشتري أو السمسار معرفة الوجهة التي سيذهب إليها الصقر، فقط يحددون الثمن بحسب النوع ثم ينطلق كل منهم لوجهته حاملًا أما صقره أو ماله.

اتفاقيات عالمية وقوانين محلية تجرم الصيد والإتجار بالصقور

تنص اتفاقية "سايتس" العالمية (CITES)، التي وقعتها مصر على "تجريم الصيد والحيازة والإتجار غير المشروع بالحيوانات البرية المهددة بالانقراض، والتي تقع بالملحق رقم 1، ولا يسمح بالتجارة في عينات من هذه الحيوانات إلا لظروف استثنائية تحددها الاتفاقية". وتقع بعض أنواع الصقور النادرة كالصقر الشاهين ضمن أهم الفصائل التي يتضمنها الملحق السابق ذكره.

فيما تنص المادة 28 من قانون البيئة رقم 4 على: "حظر صيد أو قتل أو إمساك الطيور والحيوانات البرية والكائنات الحية المائية أو حيازتها أو نقلها أو تصديرها أو استيرادها أو الإتجار فيها حية أو ميتة أو القيام بأعمال من شأنها تدمير الموائل الطبيعية لها أو تغيير خواصها".

وضع الصيد الجائر في مصر وانعدام وعى بعض الصقارة بأسس التربية السليمة بالإضافة إلى تلك النصوص المُجرمة، كلها أمور دفعت "وكري" إلى تحويل مسار اهتمامه بالصقور، حيث انضم للعمل ببعض مشاريع وزارة البيئة لرصد أنواع وأعداد الطيور أثناء موسم هجرتها في كل عام. وبرغم أنه كان من أوائل الصقارة في مصر إلا أن التغييرات التي طرأت على وضع الصقور جعلته يقرر العزوف عما أحبه ومارسه، مفسِرًا: "مش عاوز يجي يوم مشوفش فيه طيور جارحة بسبب الإهمال في التربية أو الصيد الجائر، الناس مبقيتش فاهمة قيمة الطير ولا عارفة تتعامل معاه وتقدره وده هيقلل أعداده ويخل بالتوازن البيئي".

في ديسمبر عام 2016، اعترفت اليونسكو بـ"الصقارة" كتراث ثقافي غير مادي يجب حمايته والمحافظة عليه. ومن أجل المحافظة على ذلك التراث هناك شروط أقرها الاتحاد الدولي للصقارة منها أن يقوم الصقار بتربية الصقور المفرخة في الأسر أو التي يتم صيدها من الطبيعة، بحسب قوانين كل بلد. فإن كان الصقار سيعمد إلى الصيد، يجب أن يتم ذلك فقط في موسم "الهجرة" الذي يوافق الخريف، على أن يتم إطلاق الصقر مرة أخرى للبرية بعد تدريبه واستخدامه في الصيد في موسم "الردة" والذي يوافق الربيع، أي أنه لا يحق لأي صقار الاحتفاظ بصقر تم اصطياده من البرية أكثر من أشهر معدودة في كل عام.

مؤسسات دولية تؤكد خطر الصيد على تعداد الجوارح

ولكن عدم وجود مظلة قانونية لتنظيم ممارسة الصيد من البرية أو الصقارة جعل مصر تُصنف على أنها أخطر دولة على الطيور المهاجرة، وذلك وفقًا لدراسةٍ أجرتها مؤسسة "BirdLife" الدولية. بعد إطلاعنا على تلك الدراسة قمنا بمراسلة المؤسسة التي أصدرتها للتأكد من صحة ما تم اثباته بها ومعرفة إن كانت تلك المعلومات موثقة ويمكن لنا استخدامها، ليأتينا ردهم بالإيجاب. تتضمن تلك الدراسة الإشارة إلى كافة أنواع الطيور المهاجرة بما في ذلك عائلة الجوارح والتي تعد الصقور من أهم فصائلها.

عقب حصولنا على ذلك الرد قمنا بمراسلة الاتحاد الدولي للصقارة لمعرفة إذا كان ما تم ذكره بالدراسة السابقة ينطبق على الصقور التي يتناقص أعدادها أو لا، ليأتينا الرد بأنه لا يوجد حصر دقيق بالأرقام لأعداد الصقور المهاجرة كل عام لصعوبة ذلك بسبب وقوع عِدة دول في حوض البحر المتوسط على مسارات الهجرة ولكن الأعداد في تناقص مستمر، مؤكدين أن "BirdLife" هي مصدر موثوق للمعلومات والأرقام. الأمر ذاته أكده العديد من النشطاء في مجال البيئة وحقوق الحيوان، فنتيجة عمليات الصيد الجائر للصقور النادرة كالشاهين أصبحت أعداد تلك الصقور المهاجرة تقل في كل عام عن السنوات الماضية.

ويقول محمد عبد الرؤوف، المدير التنفيذي لجمعية حماية الطبيعة، إن مصر تقع جغرافيا ضمن أهم المسارات الرئيسية لهجرة الطيور الجارحة حتى أن موقعها يلقب بـ"عنق الزجاجة" بين ناشطي حقوق البيئة والحيوان، ففيها تتقاطع أهم مسارات الهجرة على ساحل البحر الأحمر والبحر المتوسط مما يجعل موقعها حيويًا ولا مناص من المرور به. وعلى مسار هجرة الطيور ذاته يتمركز الصيادون، بداية من البحر الأحمر وسيناء مرورًا بالإسكندرية وصحراء وادي النطرون حتى مرسى مطروح وحدود السلوم.

لم تختلف رؤية الدكتور إيهاب هلال، مدير إدارة الحياة البرية، عن الردود التي جمعناها من المؤسسات الدولية أو تصريحات النشطاء في مجال البيئة فبحسبه أصبحت عمليات الصيد الجائر من أهم العوامل الرئيسية التي تؤثر على تعداد الجوارح في بيئتها الطبيعية، وبخاصة الصقر الشاهين لاستهدافه حيث أنه، وكما يوضح هلال، أصبح مهددًا بالانقراض وأعداده في تناقص و"الشواهين بالأخص محتاجة حماية من المجتمع الدولي بأكمله وليس المجتمع المصري فقط".

على بُعد مئات المترات من منزل "هاشم"، التقينا "حامد"، اسم مستعار لصياد للصقور يبلغ عمره 50 عامًا. وبرغم وظيفته الحكومية لا يعترف حامد بغير صيد الصقور مهنة، فقد امتهنها مدفوعًا بحب الهواية. بدأ حامد حديثه إلينا حانقًا مما وصل إليه وضع الصيد في مصر، قائلًا إن صيادي الصقور كانوا يعرفون فيما مضى بصيد الصقور وتدريبها ومن ثم إطلاقها في آخر موسم الهجرة، ولكن الأمر تغير الآن حيث أصبح الصيد سبيلًا للبيع والتهريب خارج حدود البلاد، مما أساء للصيادين الحقيقيين بحسب ما يرى الرجل الخمسيني، قائلا: "إحنا كصاديين حقيقيين انظلمنا، أنا لو معايا طير نحبه منبيعوش ولو بكنوز الدنيا، الطير ده زي ولادي، محدش بيبع عياله!". لكن حبه لتلك الهواية التراثية لم ينف اعترافه بأنها أصبحت تجارة تدر الملايين على ممارسيها من المهربين الذين ينتظرون موسم الصيد في كل عام لقنص الصقور وتهريبها خارج البلاد.

داخل سيارة دفع رباعي في وسط الصحراء التي امتدت على مرمى البصر، قادنا أحد العرباوية للقاء "حسن"، اسم مستعار لصياد صقور. بعد 15 دقيقة من القيادة في الصحراء كنا قد وصلنا إلى وجهتنا حيث وجدنا حسن في انتظارنا داخل مغارة تقع بين جبلين. لا سبيل لدخول تلك المغارة سوى الانحدار بحذرٍ شديد من أسفل مكان بالجبل إلى باطنها. استطعنا الولوج إليها بصعوبة بالغة بعد أن حاولنا ابتلاع مخاوفنا، وحين وطأت قدمنا أرض المغارة أخذ حسن يرحب بنا، فكانت تلك هي أول مرة نلتقيه فيها بعد تواصل دام 5 أشهر عبر الهاتف.

طُرق وأساليب صيد الصقور

جلسنا رفقة حسن الذي أخذ يشرح لنا بدقة كيفية صيد الصقور، مُفسرًا أن هناك طريقتين لذلك: الأولى، يُطلق عليها طريقة "الشرك"، حيث يأتي الصياد بحمامةٍ ويقوم بنسج الخيط على شكل دوائر صغيرة حول جسدها لعمل ما يطلقون عليها "خَيّة" (مصيدة)، ثم يقومون بربط الحمامة من أرجلها بخيط طويل يسمح لها بالطيران إلى حدٍ معين بينما تبقى تحت سيطرتهم فإذا ما رآها أحد الصقور ظنها فريسة محتملة، وإذا انقض ليفتك بها، فتكت به الخيات التي ستعلق لا محالة بأرجله ليكون هو الفريسة بدلًا منها.

أما الطريقة الثانية يُطلق عليها عموم الصيادين طريقة "النقل"، وهي تقوم على صُنع شرك من الأسلاك الحديدية الرفيعة لتتم كسوة هذا الشرك بالريش ويغزل حول الريش "خَيّات"، فيوحي مظهرها للصقور الطائرة بأن هناك صقر صغير الحجم ينقض على فريسة. في عالم الجوارح الفرائس مشاع، فإذا ما رأى أحدهم فريسة في يد الآخر وكان أقوى من خصمه استطاع بسهولة أن يأخذها منه. ذلك تحديدًا هو ما يلعب عليه الصيادون الذين يتعمدون إغراء الصقور الكبيرة بصيد بين مخالب صقور وهمية فإذا ما انقضوا عليهم للاستيلاء على فرائسهم وقعوا في الفخ المنصوب. 

تختلف أنواع الصقور وفصائلها، ولكن أشهر ما يمر منها بمصر هو الصقر الشاهين ونظيره الحُر. يبدأ سعر كُل منهما من 70 ألف جنيه (ما يعادل 4340 دولارا) لدى بيعه ويرتفع سعر تهريبه لمئات الآلاف من الجنيهات طبقًا لنوعه وفصيلته. وكما تختلف أنواع الصقور تختلف أيضًا طرق تهريبها للخارج، فمحاولات ملاحقة المهربين تجعلهم يبتكرون سُبلًا جديدة للتهريب ومنافذ مختلفة أيضًا.

داخل مكتبه بالإدارة المركزية لهيئة الحجر البيطري والفحوص، شرح لنا الدكتور أحمد عبد الكريم كيف اختلق المهربون طُرقًا جديدة للتهريب، قائلًا إن معظم تلك العمليات كانت تتم في بداية الأمر عن طريق ميناء القاهرة الجوي وبقية الموانئ الجوية الأخرى، حيث يقوم المهربون بعمليات التمويه فيدخل أحد الركاب من مطار القاهرة برفقة صقره وأوراق ثبوتية ذلك، على أن يكون ذلك الصقر رخيص الثمن ومن فصيلة منتشرة، وقبل خروج هذا الراكب من البلاد يقوم بتغيير الصقر بنوع آخر نادر وباهظ الثمن. بمتابعة تلك التغييرات، وبحسب عبد الكريم، تم تهريب العديد من الصقور وذلك قبل أن يتم العمل بتوصيف الصقور في المطارات طِبقَا لاتفاقية "سايتس"، مما جعل المهربين يلجأون للتهريب عبر الحدود مع السودان، قائلا إن "أكبر ضبطية تهريب عبر الحدود السودانية كانت حوالي 100 صقر في أواخر عام 2016، ماتت أعداد كبيرة منهم أثناء عملية التهريب، قبل تسليمهم للتجار أو عبورهم للحدود المصرية".  

بتلك الطريقة حول المهربون مسارات تهريبهم من الموانئ الجوية إلى الحدود المصرية السودانية، وهو ما أكدته دينا ذو الفقار، الناشطة بمجال حقوق الحيوان، قائلة: "حسب معلوماتي من منظمة ترافيك المهتمة بمراقبة الإتجار وتهريب الحيوانات البرية، يتم تهريب الصقور عبر الحدود مع السودان وتسجيلها هناك على أنها أنواع غير نادرة، ومن السودان يسفروها لأي دولة بمنتهى السهولة".

وفق اتفاقية "سايتس" العالمية، والدليل الذي أصدرته بالتعاون مع وزارة البيئة الكندية للتعريف بالصقور وأنواعها المستخدمة في الصيد، لا يجوز نقل أي صقرٍ من بلد إلى آخر، بهدف تجاري (البيع والشراء)، إذا كان يقع بالنوع في الملحق رقم 1 من اتفاقية "سايتس"، ويقع في هذا الملحق الصقور المهددة كالشواهين. فيما يتم نقل أي صقر من بلده، بهدف الاستيراد أو التصدير أو الإكثار في الأسر، عبر جواز سفر خاص به وتأشيرات يستخرجها المسافر لصقره الذي يحجز مقعدًا مخصصًا له على الطائرة. من أجل ذلك يتوجه المسافر إلى وزارة البيئة أو إدارة الحياة البرية ببلده، حسب تشريعات كل دولة، لاستصدار شهادة "سايتس" التي تسمح بسفر الصقر عقب الكشف عليه والتأكد أنه لا يخضع للملحق رقم 1 ووضع حلقة حديدية تعريفية بأرجله. يكتب على تلك الحلقة نوع الصقر وعمره ولا يمكن لأي شخص أن يقوم بنزعها، مما يجعل عملية تهريبه أو الإتجار به مستحيلة.

الأمر ذاته أكدته وزارة التغيير المناخي والبيئة بالإمارات في ملحقها الذي أصدرته خصيصًا لإرشادات تداول الصقور، حيث شددت على حظر صيد أو قتل أو إمساك الصقور أو نقلها أو القيام بأي أعمال من شأنها القضاء عليها. بالإضافة إلى تأكيدها على ضرورة استصدار شهادة "سايتس" في حال الاستيراد أو التصدير أو الرغبة في إعادة تصدير الصقور ومشتقاتها وأجزائها. كما نص هذا الملحق على ضرورة اصطحاب شهادات "سايتس" أو جواز السفر الخاص بكل صقر أثناء رحلات الصيد، على أن يقوم أي شخص يمتلك صقرًا بإعادة جواز سفره للسلطة الإدارية في حالة: "موته، تعرضه لحادث، فقدانه، التبرع به، أو إهدائه لشخص آخر".

معدة التحقيق تخوض تجربة شراء وتهريب صقر

بعد جمع كل تلك المعلومات من مختلف المصادر عن الوجهة الجديدة للتهريب، الحدود المصرية السودانية، قررت معدة التحقيق خوض تجربة شراء وتهريب أحد الصقور من مصر إلى إحدى دول الخليج. استغرق الأمر قرابة الشهرين للوصول إلى المهربين وإقناع أحدهم بالتعامل مع امرأة وهو أمر غير مُعتاد في تلك الدوائر التي تنغلق على أهلها من الرجال. باعتبار أننا وسطاء ما بين ذلك المهرب ومُشتر خليجي حاولنا إتمام عملية البيع والشراء والتهريب لاحقًا، ليقترح علينا المهرب بدوره تهريب الصقر عبر الحدود المصرية السودانية، فيصل إلى السودان ومنها إلى أي دولة نريدها.

وقت إتمام الصفقة وأثناء مفاوضاتها، كان المهرب يستعد للسفر إلى السودان ليهرب مجموعة من الصقور التي اشتراها من كسلا إلى مصر عبر الحدود المصرية السودانية. اقترحنا عليه أن يصحبنا معه في رحلته تلك بحجة التأكد من سلامة الصقر الذي سننقله إلى هناك وذلك لغلو ثمنه، فوافق في بداية الأمر ولكنه رفض بعد ذلك، مُبررًا أن السفر يتم بسيارات نقل و"تويوتا" تقطع الصحراء في ظلام الليل الحالك، وبأن الطريق إلى هناك ليس سالكًا بل به الكثير مما أطلق عليه "المنطات" والتي لن تتحملها امرأة قد يعيق وجودها الرجال في الصحراء.

على مدار 15 يومًا، استمرت مراسلتنا الصوتية لذلك المهرب للتأكد من إتمام صفقته وإدخاله لصقوره من كسلا إلى مصر لنبدأ بعدها عمليتنا الخاصة بتهريب الصقر من مصر إلى السودان ثم إلى إحدى دول الخليج. أثناء مهاتفتنا له بعد عبوره حدود مصر والسودان، استرسلنا في الحديث معه للتأكد من إمكانية إتمام صفقتنا عقب عودته، ليؤكد لنا: "كل حاجة بتدخل مصر أو بتخرج منها تهريب، مفيش حاجة اسمها عادي، بالنسبة للسودان معندهمش مشكلة في أي حاجة لكن المشكلة بتكون عندنا هنا في مصر"، على حد تعبيره.

لم نكن على عِلم واضح بموعد عبور تلك الصقور للحدود، ولكن بعد عودة المهرب من السودان تواصل معنا مؤكدًا أن جميع صقوره قد دخلت مصر بالفعل ليطمئننا فنبدأ عمليتنا التي اتفقنا معه على إتمامها، ولكننا عِند ذلك الحد قطعنا التواصل معه، مُكتفين بإثبات اختراقات الحدود من قبل المهربين.

هكذا أصبحت الحدود المصرية الجنوبية أحد أهم المسارات الجديدة التي خلقها مُهربي الصقور. ورغم ذلك لم تفقد الموانئ الجوية أهميتها بالنسبة لهم، بل وصل الأمر وفقا لقضية أعلن عنها في عام 2016 إلى التواطؤ مع بعض رجال الأمن بمطار القاهرة بعد تلقيهم رشوة مالية نظير تهريب 41 صقرًا للبحرين.

وضع الصيد الجائر واستمرار عمليات التهريب من مصر هو ما دفع "وكري" لاتخاذ عهد على نفسه بشراء ما يستطيع من الصقور سنويًا بهدف إطلاقها مرة أخرى لإعادة التوازن البيئي وحماية الطبيعة، ذلك العهد الذي يحاول "وكري" ألا ينكث به يشعره بالراحة الشديدة والمساهمة في مواجهة نفوق أعداد كبيرة من الطيور البرية والصقور سنويًا، قائلا: "الواحد بيحاول يساعد في حماية الطبيعة، فعلى قد ما أقدر بيكون في طيور أحيانًا بتتباع بأسعار بسيطة، بس هي بتكون نادرة وللأسف بتتصاد وبتتبهدل فبحاول على حسب إمكانياتي اشتري كل سنة طيور وصقور وأطلقها".

أساليب تهريب الصقور وتخييط عيونهم

بينما يُطلق وكري الصقور لتستعيد حريتها، يقوم المهربون بعمل ترتيباتهم الخاصة استعداد لتهريب بعضها خارج البلاد. تلك الترتيبات والأساليب المتبعة وصفها الدكتور أحمد عبد الكريم بأنها "لا إنسانية"، قائلا إن "التهريب لا يكون إلا لأعداد كبيرة من الصقور، حيث يلف المهربون أجساد الصقور بالشاش المحكم ليمنعوا عنهم الحركة ومن ثم يخيطون أعينهم، لأن الصقور إذا كانت ترى ولا تستطيع الحركة فإن ذلك قد يسبب لها سكتة قلبية لتموت على الفور. عقب ذلك، يرص المهربون الصقور إلى جوار بعضهم البعض في حاويات كبيرة كقطع الصابون، ثم يضعون فوقها أشياءً أخرى للتمويه". هذه العمليات تؤدي إلى نفوق أعداد كبيرة من الصقور أثناء عملية التهريب، بحسب عبد الكريم، ولكن المهربون على استعدادٍ دائم بالمخاطرة بنفوق مجموعة مقابل مجموعة أخرى يستطيعون أن يتاجروا بها.

تخييط عيون الصقور هي المرحلة الأصعب والأدق في عملية التهريب بينما يتطلب فكها مهارة بالغة أيضًا. ولهذا انطلقت معدة التحقيق لتوثيق ذلك الانتهاك وتصويره بالصوت والصورة. إقناع أحد الصيادين بالتصوير أثناء قيامه بتلك العملية لم يكن بالأمر السهل أو الهين، ولكن العلاقات التي بنيناها معهم على مدار أشهر طويلة سمحت لنا أن نطلب ذلك منهم باعتبار استكمالنا للفيلم الذي صورنا معهم من أجله، وأننا نريد للجمهور أن يشاهد ما هي الاستعدادات التي تتم قبل نقل الصقور من بلدِ إلى آخر، بينما يعلم كلانا أن ذلك الفعل يجرمه القانون ويعاقب عليه.

لم نكن نتصور أن يوافق أحدهم بسهولة على تسجيل وتصوير ذلك رغم أننا قدمنا للصيادين كافة الوسائل لتطمينهم فوعدناهم ألا نقوم بتصوير وجوههم أو إظهار صوتهم المسجل أثناء أداء تلك العملية. بعد مرور أسبوعين من المفاوضات مع بعض الصيادين أتت الرياح لأول مرة بما تشتهى السفن، كان ذلك حين دق هاتف معدة التحقيق في عصر يومٍ ما، ليأتيها صوت "حسن" الصياد مُجيبًا بموافقته على التسجيل.

رتبنا موعدًا للقاء على الفور، وانطلقنا من القاهرة إلى الصحراء ما بين مدينتي برج العرب والحمام. مخاوفٌ عديدة كانت تدور برأس معدة التحقيق آنذاك. فمكان اللقاء في وسط الصحراء الشاسعة حيث لا تواجد أمنى كثيف، فقط العرباوية هم من يتحكمون بتلك المنطقة ويُحكمون سيطرتهم وفق قوانينهم الخاصة، فماذا لو كان أحدهم قد استشعر الخطر أو ينوي الغدر، وماذا لو كان هذا اللقاء هو مجرد فخ كتلك الفخوخ التي ينصبونها للصقور!.

بعد حوالي 3 ساعات ونصف، وصلنا إلى نقطتنا المنشودة لنلتقي "حسن" داخل حجرةٍ مبنية بالحجارة البيضاء في قلب الصحراء، أخبرنا حسن لاحقًا أنه بنى تلك الحجرة ليستخدمها عوضًا عن الخيام في موسم الصيد. كان يجلس برفقة بعضِ من أهله وأصدقائه، وكانت معدة التحقيق برفقه مصوره. التزم جميعنا الحذر فكانت تلك هي نقطة فاصلة بالنسبة لتحقيقنا ولهؤلاء الصيادين الذين بادلونا الثقة والموافقة على التصوير. عقب حوالي نصف ساعة من الحديث، حانت اللحظة الحاسمة فأخذنا نضبط معداتنا بينما يمسك حسن وأحد رفاقه بصقرٍ ليقوموا بإجراء عملية تخييط العيون له. فيما نقوم نحن بتصويرهم حصريًا لنرصد كيفية إتمام تلك العملية لأول مرة على الإطلاق.

أحكم رفيق حسن وِثاق الصقر حتى لا يستطيع الحركة، بينما بدأ حسن يضم جفني الصقر السُفلي والعلوي معًا ويمر بينهما بإبرة وخيط ليحكم إغلاق وتخييط عينيه بمهارة من يخيط قطعة قماش. فيما تتعالى صرخات الصقر الذي بات بعد دقائق معدودة هادئًا بعدما أصبح لا يرى أي بصيص للنور ولا يعرف ما الذي ينتظره على وجه التحديد.  

يخالف تخييط العيون ذاك قانون البيئة المصري وتحديدًا المادة "84" من باب العقوبات فيعاقب القانون كل من يخالف أحكام المادة (28)، السابق ذكرها، من قانون البيئة بالحبس، وبغرامة لا تقل عن 5 آلاف جنيه ولا تزيد على 50 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.

لكن كل نصوص القانون تلك ما هي إلا "حِبرٌ على ورق" كما وصفتها الناشطة في مجال حقوق الحيوان دينا ذو الفقار، قائلة إنها لا تطبق ضد من يقومون بالتخييط، أما معظم الركاب الذين تتم مصادرات الصقور منهم يُتركون ليستكملوا رحلتهم، حيث لا توجد قائمة سوداء بالأشخاص الذين قاموا بعمليات التهريب أو تمت مصادرة الصقور منهم. وبينما تنتشر الأخبار في الصحف عن المصادرات المتعددة في موسم الصيد والردة، يترك الركاب دون تطبيق القانون، بحسب ذو الفقار.

العقوبة ذاتها يراها محمد عبد الرؤوف، المدير التنفيذي للجمعية المصرية لحماية الطبيعة، "غير رادعة على الإطلاق"، قائلا: "إذا أردنا للعقوبة أن تحقق الهدف منها يجب أن تكون أقوى تأثيرًا من الجريمة ذاتها، فإذا كانت الغرامة 50 ألف جنيه لتهريب صقر يصل سعره إلى مئات الآلاف، فسيلجأ الجميع للتهريب ولدفع الغرامة، إذا تم القبض عليهم".

رحلة الصقور بعد ضبطها قبل التهريب

حال ضبط الصقور أثناء عملية تهريبها، تبدأ رحلة أخرى مختلفة من نوعها، تلك الرحلة شرحها لنا اللواء محمد رجائي، مدير الإدارة المركزية لحدائق الحيوان، قائلًا: "نقدم بلاغا للنيابة العامة والتي تأمر بدورها بالتحفظ على هذه الطيور بحدائق الحيوان، ثم تُحفظ هذه الطيور في الحديقة، لكنها تُشكل عبئًا كبيرًا عليها لأنها تتطلب ميزانية خاصة لإطعامها والاهتمام بها وعمل العمليات الجراحية لها بواسطة أطباء مهرة يعملون على فك الخيوط عن عيون الصقور، لنقوم بوضعهم بعد ذلك في أقفاص كبيرة ليتمكنوا من الطيران مرة أخرى".

بعد تلك المرحلة يأتي دور منظمات المجتمع المدني التي تتعاون معها إدارة حدائق الحيوان لإجراء عمليات زراعة ريش لبعض الطيور التي ينكسر ريشها، أثناء لف أجسادها بالشاش خلال عملية التهريب، وذلك لرفع كفاءتها لتكون قادرة مرة أخرى على الطيران، ومن ثم تقوم إدارة حديقة الحيوان بعمل تقرير بذلك لتصدق عليه النيابة العامة، فيتم تشكيل لجنة من قِبل وزارة البيئة لإطلاق تلك الطيور في الطبيعة مرة اخرى، أما غير القادر على الطيران منها فيُحتفظ به للعرض في حديقة الحيوان.  

إطلاق الصقور مرة أخرى بعد رفع كفاءتها وتغذيتها هو الهدف الرئيسي للحفاظ على التوازن البيئي ولكن تلك العملية وبحسب عبد الرؤوف، المدير التنفيذي لجمعية حماية الطبيعة، هي عملية معقدة للغاية لأن المشرفين عليها يبحثون عن مكانٍ آمن للإطلاق حتى لا يتم اصطيادها مرة أخرى لذلك فهي تحتاج إلى السرية التامة. ورغم ذلك فأثناء تلك العملية تُفقد أعداد كبيرة منهم نتيجة عدم قدرتهم على النجاة ومقاومة التخدير وتخييط العيون التي يتم فك الخيط عنها قبل محاولات رفع الكفاءة، ولذلك فإن تلك العملية بأكملها، وكما يصفها عبد الرؤوف، "عملية مهينة جدًا لطائر لا يقبل ولا يتحمل مثل هذه الإهانة".

 لا يحلم "وكري" سوى بالعودة إلى ممارسة الصقارة، هوايته الأثيرة، مرة أخرى ولكنه لا يجد سبيلًا إلى ذلك لعدم تقنين الدولة لوضعها بعمل مزارع أو السماح باستيراد الطيور لسد حاجة الهواة، فعدم تقنين تلك المنظومة يُشعر "وكري" بأن تربيته للصقور تعني بالضرورة تشجيعه على صيدها من البرية بأعداد هائلة وهو أمرٌ بات يُشعر الشاب بتأنيب الضمير والمسؤولية عن احتمالية تهريب أو نفوق أعداد من الصقور التي يتم اصطيادها. 

نزيف خسارة مئات الصقور النادرة والمهددة بالانقراض بسبب الصيد الجائر سنويًا، بالإضافة إلى عدم تقنين وضع الصقارة في مصر، هو أمر يراه الدكتور إيهاب هلال، مدير إدارة الحياة البرية، "مُتفاقمًا" من شأنه أن يكبد البيئة خسائر فادحة. مُشيرًا إلى أنه "لم يعد هناك مناص من محاولة إيقاف ذلك النزيف عن طريق تقنين وضع الصقارة في مصر وعمل جمعيات مسجلة تضم أعداد الصقارين والصيادين إلى جانب تحديد أعداد وأنواع معينة يسمح بصيدها من البرية على أن يتم إطلاقها مرة أخرى بعد عِدة أشهر بحضور مندوبين وممثلين عن وزارة البيئة مثلما يحدث في دولة الإمارات، إلى جانب ضرورة إنشاء مزارع مسجلة لتفريخ وإكثار الصقور لكي يستطيع الصقارون إشباع هوايتهم ولكن دون الإضرار بالبيئة".

حاولنا مواجهة وزارة البيئة بكل ما توصل إليه تحقيقنا، وطلبنا ردًا رسميًا يفسر لنا أسباب عدم تقنين تلك الأوضاع، ولماذا لا تتخذ إجراءات رسمية مُشددة لتطبيق القانون ضد كل من يساعد على خسارتنا لتلك الطيور النادرة المهددة بالانقراض، سواء كان ذلك بالصيد أو التهريب السنوي عبر الحدود، ولكن دون استجابة.

بالقرب من إحدى البحيرات، وضع "وكري" منظاره وهو يحمل بين يديه كتابًا أجنبيًا ضخمًا يضم جميع أنواع الصقور المهاجرة. وقف الشاب مُتطلعًا إلى مراقبتها ترفرف في السماء وهو يعلم يقينًا أن الأعداد التي قد يحصيها الآن، ويسجلها بمواصفاتها، لن تعود في موسم الردة إلى بلادها كما هي، بل إنها ستقل لا محالة.

ورغم وجود قانونٍ يجرم عمليات الصيد والتهريب والحيازة، ومادة تُعاقب على ذلك بالحبس أو بالغرامة المالية، تخسر البيئة المصرية والعالمية مئات الصقور سنويًا. وفيما تقع المسؤولية على عاتق وزارة البيئة المصرية، يبقى حال الصيد والصقارة في مصر دون تقنين، أما عمليات التهريب فباتت تزدهر وتتزايد بشكل معلن.

نشر