ماذا وراء التغييرات في المخابرات والديوان الملكي في الأردن؟

الشرق الأوسط
نشر
6 دقائق قراءة

عمان، الأردن  (CNN)-- استحوذت سلسلة من التغييرات في مواقع سيادية عليا أجراها العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني خلال الاسابيع الماضية، على أحاديث النخب السياسية والرأي العام الأردني، ما اعتبره مراقبون انفتاحا غير مسبوق على الجبهة الداخلية الأردنية، وإعادة تموضع  "من شأنه أن يقلل مما يوصف بحكومات الظل، التي طالما اشتكت منها الحكومات المتعاقبة".

وطالت تلك التغييرات مناصب عليا في الديوان الملكي الأردني مؤخرا ودائرة المخابرات العامة التي تعتبر الجهاز الأمني الأكثر قوة داخليا، إذ احيل 3 جنرالات إلى التقاعد نهاية شهر نيسان/إبريل الماضي، وتبعت هذه الإحالة تعيين مدير جديد للدائرة في الأول من أيار/مايو، هو اللواء المنحدر من أصول شركسية أحمد حسني حاتوقاي، الذي شغل موقع مدير مخابرات العاصمة عمّان لسنوات 

وخرجت القرارات المعلنة عن البروتوكولات المعمول بها للمرة الأولى في الأردن، حيث رافق تكليف حاتوقاي توجيه رسالة ملكية مطولة له تكشف في “خطوة نادرة” عن تجاوزات مارستها قلة في الجهاز الأمني، ووصف الملك بأن مسيرة دائرة المخابرات العامة (فرسان الحق)، كانت دائما مشرقة ومشرفة إلا أنها لم تخلو شأنها شأن أي مؤسسة أو إدارة حكومية أخرى من بعض التجاوزات “لدى قلة قليلة حادت عن طريق الخدمة المخلصة للوطن”.

وقال وزير الخارجية الاردني الأسبق مروان المعشر، إن الرسالة الملكية اشتملت على “مصطلحات وتوصيفات ذات دلالات سياسية عميقة”، من بينها الحديث عن الحفاظ على مرتكزات الدستور، وإرساء بيئة محفزة لقواعد الدولة الأردنية، قائلا إن “التغييرات التي أعلنت تحمل مؤشرات إيجابية جدا حول مرحلة جديدة من الانفتاح الداخلي”.

ورأى المعشر في حديثه لموقع CNN بالعربية، إن تشديد الملك على هذه المرتكزات كالتعددية السياسية وعدم تغول سلطة على أخرى واحترام الرأي والرأي الآخر والإشارة إلى أن هناك “نفر في دائرة المخابرات” كانوا وراء التجاوزات، تنطوي على رسالة تفيد برفض القفز على هذه المرتكزات حفاظا على الدولة المنيعة”.

  ولا يتردد المعشر بربط التغييرات التي بدأت بإعادة هيكلة طاقم مستشاري الملك في الديوان من بينهم مدير مكتب الملك ودائرة الإعلام، بتحصين “الجبهة الداخلية” حيث يقبل الأردن على تحديات جسيمة خارجية وداخلية، تتعلق بما بات يسمى “بصفقة القرن”.

ويقول المعشر: ”يمكن رصد الانفتاح نحو الداخل بعدة قضايا منها التغييرات في الديوان الملكي والمخابرات وسلسلة الحوارات التي أجراها الملك خاصة مع الإخوان المسلمين بعد انقطاع لسنوات “.

وطالما اشتكت الحكومات المتعاقبة والأوساط السياسية في البلاد، مما سمي “بسطوة حكومات الظل” الموازية للسلطة التنفيذية، وقال المعشر في هذا السياق: ”كل ذلك يعني التقليل من حكومات الظل في الديوان الملكي وغيره التي كانت تضع العصا بالدواليب أمام الحكومة ولا أتحدث عن هذه الحكومة فقط كل الحكومات السابقة”.

ولا يربط مراقبون تعيين مدير المخابرات الجديد الذي عرف عنه عمله الميداني خاصة أيام الاحتجاجات التي شهدها الشارع الاردني العام الماضي، بمرحلة سياسية آنية، فحسب، بالتزامن مع حلول شهر رمضان الذي تشير توقعات بعودة الحراك المطلبي إليه، بل رأوا إن التغييرات أكبر من ذلك، حيث شهد الشارع الأردني خلال الاشهر الماضية وقفات احتجاجية مطلبية مست بعض الرموز في الدولة، إلى جانب مطالبات عمالية خرج بعضها أمام مقر

الديوان الملكي.

كما شهدت الأشهر الماضية تضييقا على نشطاء وحراكيين في الشارع عبر استدعاءات أمنية، ويواجه بعضهم تهما تتعلق بإطالة اللسان من المتوقع أن تحال إلى محكمة أمن الدولة.

وقال مدير مركز نماء للدراسات الاستراتيجية الدكتور فارس بريرزات، إن التغييرات تأتي في وقت تسجل فيه حكومة عمر الرزاز الحالية أداء هو الأسوأ بين الحكومات السابقة، وفق استطلاع أجراه المركز مؤخرا.

وأضاف بريزات بالقول: "التغييرات ترتبط بشكل أساسي بتطورات الوضع الداخلي في الأردن من ناحية ضعف الثقة بمؤسسة الحكومة ولا بد من القيام بثورة بيضاء ليس فقط في الحكومة بل بأجهزة الدولة كافة، فجوة الثقة بين الأردنيين والحكومات المتعاقبة زادت وثقة الاردنيين بالفريق الوزاري في أدنى مستوياته".

وكشف بريزات عن أن ثلثي الأردنيين، حسب الاستطلاع، منذ العام 1996 يرون أن الأردن يسير باتجاه خاطئ لأسباب اقتصادية بالدرجة الأولى”.

 ورجح بريزات أن تستمر عملية التغيير الداخلية لتطال مواقع أخرى، معتبرا أن تعيين حاتوقاي، هو تغيير مهني يرفع من سوية جهاز المخابرات العامة”.

وأضاف: "بتقديري شخصيا، التغيير في دائرة المخابرات هو تغيير مهني جدا لأن المدير الجديد يتمتع بسمعة مهنية عالية ولديه من الخبرة الداخلية وفي الشأن الخارجي والداخلي ما يؤهله لأن يرفع من السوية المهنية لجهاز المخابرات ويعيد له ألقه السابق قبل أن يقوم بعض المنتسبين فيه بتوظيف مناصبهم لأسباب شخصية”.

ورأى بريزات أن حاتوقاي، لديه خبرة عملية وعميقة وواعية لآلية التعامل مع كافة التحديات الداخلية سواء أمنية أو سياسية، وأن اختياره تم لهذه الغاية، وتابع: "ليس لديه أجندات شخصية"، مشددا على ضرورة إعادة النظر بمجمل السياسات العامة سواء الاقتصادية أو السياسية وغيرها.