هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
ليست المرة الأولى التي تقوم بها أمريكا أو إسرائيل برفض زيارة أحد أعضاء السلطة التشريعية في البلد الآخر لدواع سياسية. فعلها الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما مع أعضاء كنيست من اليمين المناهض لسياساته. لكنها المرة الأولى التي تتبادل فيه الأدوار وتتبدّل في اتخاذ قرار لا خلاف على كونه قرارا سياديا منوطا بالسلطة التنفيذية وحدها. من حق أي دولة عدم الترحيب أو تقييد زيارة أي شخصية مهما على شأنها وهو أمر متعارف عليه عالميا وتاريخيا حيث لا يسمح لحرية تعبير سياسي أو برلماني أن تنغص الجو العام أو تعكر صفو العلاقات بين الدول.
النهج كان من بدايته تصادميا. اللغة الصادرة عن الأطراف المعنية كانت تمهد إلى منع الزيارة أو إحباطها عن تمرير أي أهداف سياسية دعائية تحت غطاء زيارة عضوتين من الكونغرس إلى الحليف الأقرب في منطقة الشرق الأوسط. في البداية كان تململا إسرائيليا أوحى بعدم منع الزيارة كونهما نائبتين تمثلان الشعب الأمريكي في مينيسوتا (إلهان عمر) وميشيغان (رشيدة طليب)، لكن سرعان ما التقطت إسرائيل تغريدة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في هذا الخصوص وأصدرت رفضها السماح بالزيارة لما صدر عن النائبتين من تصريحات ينم عنها أو يستشف منها "معاداة السامية وليس مناهضة إسرائيل فحسب".
وبين التغطية الإعلامية لجدة طليب وما تعده من طبخة ورق العنب لحفيدتها، كشف وزير الداخلية الإسرائيلي أرييه درعي عن طلب رسمي مذيلّ بتوقيع نائب الكونغرس رشيدة طليب تتعهد فيه باحترام "القيود" الخاصة بالزيارة و"عدم الدعوة إلى مقاطعة إسرائيل" خلال ما قد يكون الفرصة الأخيرة لرؤية جدتها التسعينية.
مرة أخرى تكشف منصات التواصل الاجتماعي المستور في دهاليز السياسة. فعند الاعتبارات الإنسانية تتراجع المحظورات والمحاذير السياسية. فها هي طليب التي رفضت الاعتذار عن السباب العلني "البذيء" لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية بعيد إعلان فوزها بعضوية مجلس النواب الأمريكي، ها هي تقدم ما يعرف بالأدبيات الشعبية العربية بطلب "استدعاء" لمن؟ لوزير الداخلية في حكومة بنيامين نتنياهو على أبواب انتخابات مفصلية ليس في تاريخ إسرائيل فحسب بل وربما المنطقة بأسرها.
يبدو أن طليب أو الطهاة في "مطبخها السياسي" قد غاب عنهم احتمال موافقة درعي على الاستدعاء. العدة كانت تعد على ما يبدو لتسجيل أهداف سياسية وإعلامية ضد ترامب ونتنياهو في حال رفض زيارة طليب للحاجة.
مهما ساقت من اعتبارات "أخلاقية وبطولية" لرفضها المضي بالزيارة قدما للأسباب "المجحفة" أو "العنصرية" أو "القمعية" التي تضمنتها الموافقة الإسرائيلية المشروطة، فإن تغريدة درعي المتضمنة لاستدعاء طليب قد كشفت جانبا حساسا من أسلوب طليب في التعاطي مع العمل السياسي والإعلامي.
شخصية قيادية في حركة فتح، دعت طليب عبر منصات التواصل الاجتماعي إلى الكف عن "افتعال الضجيج" حول الزيارة و"إقحام القضية الفلسطينية فيها" كون المسألة لا تعدو في حقيقة الأمر عن مسألة تعني نائب أمريكية تريد زيارة جدتها في الضفة الغربية.
وبعيدا عن التشفي الساخر الذي عبر عنه الرئيس الأمريكي بما آلت إليه الأمور عندما قال إن الرابح الوحيد في هذا السجال كان جدة رشيدة التي لن ترى حفيدتها، فإن شخصيات أمريكية من الحزبين الجمهوري والديمقراطي صديقة لإسرائيل، تمنت لو حرصت الحكومة الإسرائيلية على إتمام الزيارة وتطبيق برنامجها المعتاد على النائبتين عمر وطليب والذي يتضمن فيما يتضمن زيارة إلى "ياد فاشيم" نصب تخليد ذكرى ضحايا المحرقة النازية لليهود. مشهدية كانت ستضع الأمور في نصابها..