هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأميركية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
لن تقوم قائمة لمحاربة الإرهاب ما لم تكن استباقية. علمتنا الدروس وطنيا وعالميا أن حادثة طعن لاجئ غزيّ في الأردن لثمانية أشخاص منهم 4 سواح في مدينة جرش التاريخية ما هي إلا حلقة جديدة من مسلسل الخلايا النائمة والذئاب المنفردة، تلك الظاهرة التي ما زالت تؤرق أجهزة الأمن في العالم.
من المصادفة الزمنية غير المقصودة حتما، تزامن جريمة جرش الإرهابية مع الذكرى العاشرة لجريمة المقدم في الجيش الأمريكي الإرهابي من أصل أردني نضال حسن الذي كان أداة غدره سلاحا آليا استله غدرا برفاق السلاح في قاعدة فورت هود بولاية تكساس الأميركية.
مثال آخر لغدر هؤلاء الإرهابيين، تمثل بغدر عمر فاروق عبد المطلب ذلك النيجيري الذي فخخ لباسه الداخلي بغية تفجير نفسه بطائرة ركاب أمريكية قبل عشر سنوات أيضا في يوم عيد الميلاد.
ما أعاد هذه الصور الأليمة إلى ذاكرتي الوطنية كأمريكي أردني، هو لقاء تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي مع والد المجرم الذي قام بفعلته النكراء عندما طعن الوطن في ظهره والاقتصاد الوطني في خاصرته. أحزنني كثيرا كأب مشاهدتي حالة الصدمة والذهول والخوف على وجه والد المجرم عندما أعلن البراءة منه لا بل داعيا الله "ألا يرحمه".
وأغضبني كثيرا أيضا ما قد يكون زلة لسان عندما أقر بأنه نبّه ولده مرارا بعدم جواز الاعتداء على السواح لأنهم أبرياء.
ورغم احترامي وتقيدي المنضبط بعدم استخلاص أي نتائج قبل انتهاء الجهات الأمنية المختصة من التحقيق مع "المتهم" وهو في نظري مجرم وضحية في آن واحد، إلا أنني واثق إلى حد اليقين بأن جملة من الأخطاء الكارثية ساهمت في تكرار هذه الحوادث الإرهابية.
والد الغزي الجرشيّ لم يكن دبلوماسيا مرموقا كوالد النيجيري الذي قام بنفسه بالتبليغ عن ابنه مسبقا محذرا من بلوغ تطرفه حد القيام بعمل إرهابي لكن للأسف لم تؤخذ تحذيراته على محمل الجد. ولثقتي بأجهزة الأمن في الأردن أرجح أنه لو قام الأب بتبليغ الأجهزة الأمنية في جرش عن ولده لكان وجد ضابطا حانيا يتفهمه كأب وبالتالي كان بالإمكان العمل بالآية الكريمة "ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعا".
ما أريد قوله هنا، إن خط الدفاع والأمان الأول عن الفرد والأسرة والمجتمع هما مثلث متساوي الأضلاع قاعدته التربية النفسية والعقلية والروحية السليمة الرافضة للعنف والتطرف والتعصب والجمود والإقصاء والاستقواء والعنصرية.
أما الضلعان المتقابلان فهما المرشد والرقيب الأسري بمعنى الأم والأب والأخوة والأقارب والجيران وزملاء الدراسة والعمل من جهة، ومن جهة أخرى رزمة من القوانين والإجراءات الاستباقية التي تتعامل مع ظاهرة الإرهاب من باب الوقاية قبل أن تصل الأمور إلى الحاجة لاستخدام القوة الجراحية الاستئصالية لسحق الإرهاب.
لن أذيع سرا إذا ما قلت إن التجربة المهنية على مدى عقود من العمل في بيئات عالية التوتر كبيئة العمل الإخباري المركزي والميداني قد علمتنا كيفية استشعار ورصد الشخصيات القلقة أو المتطرفة حرصا على انسيابية العمل وكفاءة إنتاجيته. كان من ضمن المعايير المعروفة والشفافة في رصد أهلية الزملاء رؤساء ومرؤوسين الانتباه إلى مسائل تتعلق بالصحة النفسية والعقلية والتي تشمل فيما تشمل الهندام (الهيئة العامة للفرد) والنشاطات الاجتماعية بما فيها منصات التواصل الاجتماعي.
كثير من هؤلاء الإرهابيين المجرمين نتاج ما سكتنا عنه في مناهج التربية والتعليم عموما والدينية خصوصا، كما أنهم نتاج تقصيرنا كمؤسسات وأفراد بدورنا الوقائي.
لا تقوى كل أجهزة الأمن في الدنيا على التعامل مع سليب العقل والضمير ما لم تجفف منابع الإرهاب بلا هوادة وأضعف الإيمان إطلاق حريات الصحافة والتعبير والانتقاد البناء الملتزم بآداب الحوار حتى نقول للأعور "أعور في عينه" فالطبيب هو من يحسن تشخيص الداء.
آن الأوان للأردن وكثير من البلاد التي ابتلاها الله بمحنة الإرهاب عابرا أو مستقرا أو مصدرا أن يفقأ دمّل ثقافة الإرهاب قبل أن تصل الأمور حد الغرغرينا. آن الأوان أن تحظر الأحزاب أو الجماعات أو الأبواق التي تدافع عن الإرهابيين الأوائل سيد قطب وعبد الله عزام فهذا الأخير هو المرشد الروحي لابن لادن زعيم القاعدة الذي سار على خطاه حسن وعبد المطلب. آن الأوان لتغيير قوانين رعاية دور العبادة ومحاربة الجرائم الالكترونية فلو التفت أحد لما كان يبثه المجرم من منشورات على الفيسبوك لأمكن تدارك المصيبة قبل وقوعها.
ومن المؤسف حقا قيام بعض المنددين بالجريمة بالتعليق المبرر لاعتداءات الطعن بحق المدنيين من بلاد أو ديانات أخرى. بماذا اختلفوا عن إرهاب طاعن السواح؟ تلك مسؤولية الإعلام بشقيه الأهلي و -من باب أولى - الرسمي أن يتصدى لهذه الازدواجية في المعايير. فـ "ملة الإرهاب واحدة" كما قالها يوما الحسين بن طلال ملك الأردن الراحل.