هذا المقال بقلم الصحفي والكاتب الأردني باسم سكجها، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس وجهة نظر شبكة CNN.
ببساطة، يمكننا القول إنّ اصطياد الجنرال الايراني قاسم سليماني كان سهلاً، وأمكن تنفيذه في أيّ وقت قبل الآن، ومنذ سنوات، ولكنّ القرار الأمريكي بتصفية على هذا المستوى كان على الدوام صعباً، فقتل ذلك الرجل، سيعني الدخول في معارك مفتوحة، لها أوّلها وليس لها آخرها، غير أنّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خرج على كلّ المألوف فقتله بقرار شخصي منه، ولسان حاله وتغريداته تقول: أنا أمريكا، وأمريكا أنا!
لم يفهم أحد هذا التهوّر في القرار الرئاسي، إلاّ بعد تنفيذ الضربة الإيرانية الانتقامية لقاعدتين أمريكيتين في العراق، حيث وصلت الصواريخ البالستية إلى أهدافها بشكل شبه دقيق، وليس معروفاً ماذا دمّرت من أهداف، ولكنّ المتّفق عليه من الضارب والمضروب أنّها لم تخدش جسد أحد، فقد دخل الجنود إلى الملاجئ بأريحية، وخرجوا منها وكأنّ شيئاً لم يكن.
صحيح أنّ العالم بأسره حبس أنفاسه مع "العملية الاستعراضية الثأرية"، وأنّ أغلب التحليلات أكّدت أنّنا ذاهبون إلى حرب عالمية "ثالثة"، وهناك من قال "رابعة"، وبدا وكأنّنّا نعيش على "كفّ عفريت"، ولكنّ الصحيح أكثر أنّ مجرّد خروج دونالد ترامب معلناً في البيت الأبيض أنّ ردّه على الردّ سيكون بمزيد من العقوبات الاقتصادية مع دعوته إلى "مائدة المفاوضات"، وخروج القادة الإيرانيين وهم يحتفلون بالقول إنّ بلادهم استكملت عملية "الثأر"، فقد تنفّس العالم الصعداء، وكأنّ شيئاً لم يكن!
من الصعب تفسير ما حدث بأنّه أتى صُدفة، ومن الصعب أكثر تفسيره بأنّ هناك تفاهماً ضمنياً منذ اللحظة الأولى، ولكنّه من السهل القول إنّ الطرفين شعرا في لحظة المواجهة المحتملة بأنّهما سيخرجان منتصرين إذا تمّ الاحتواء، ويستطيع وزير الخارجية الأمريكية الاحتفاء بأنّه صاحب مقولة "التصعيد ثمّ الاحتواء"، ويستطيع القادة الإيرانيون الاحتفال بقصف قاعدة أمريكية وللمرّة الأولى بصواريخ انطلقت من أراضيهم، وكان الله بالسرّ عليماً.
ليس هناك من خاسر بين الطرفين الأصيلين في تلك المواجهة السريعة، ولكنّ هناك خاسرين كثيرين في ساحتها، فقد جرت فصولها كلّها في المنطقة العربية، بدءاً التصعيد الإيراني بإعطاب السفن وقصف أرامكو والمطارات، مروراً بتصفية جنرال إيراني له رمزيته، وانتهاء حتى الآن بقصف أكبر قاعدة أمريكية في العراق، لم تُستعمل فيها أيّ وسيلة للتصدي للصواريخ بما فيها الباتريوت، والمعادلة الحقيقية كانت على شكل صاروخين أوديا بحياة عدّة قيادين، قوبلت بخمسة عشر صاروخاً لم تخدش جسد أحد.
حتّى الردود الإيرانية التي توعّدت بها، إضافة إلى ما جرى في العراق، (ويبدو أنّها مجرّد تهديدات) فهي في الجغرافيا العربية ومن خلال أذرع عربية، أمّا الردود الأمريكية المفترضة فهي كذلك بعقوبات على العراق والمطالبة بمبالغ باهظة كأسعار للقواعد التي تُطالب بالخروج منها، وأهمّ من ذلك كلّه هو التلويح بترك تنظيم الدولة - داعش، يسرح ويمرح في الأرض العربية، في رسالة واضحة: قلّعوا شوككم بأظافركم!
ما نقوله هو: هناك رابحان واضحان، هما المتخاصمان: واشنطن ترامب، وطهران المتعبة، وثمّة خاسرون كثيرون هم نحن العرب بجغرافيتنا وناسنا، أمّا الحديث عن الآتي فلم يعد في علم الغيب، ولا سبيل لمواجهته إلاّ بعقل عربيّ راجح راشد لا يشتري الأسلحة ببذخ غير مجد، ومن ثم يرضخ للتهديدات شرقاً وغرباً، ولا يحارب سوى نفسه بنفسه، وللحديث بقية!