رأي.. بشار جرار يكتب: خيارات دمشق بعد مواجهة طهران وواشنطن الأخيرة

الشرق الأوسط
نشر
6 دقائق قراءة
صورة للرئيس السوري بشار الأسد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين
Credit: ALEXEY DRUZHININ/AFP via Getty Images

هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN

لعالم التشريفات (البروتوكول) أسراره الاحترافية الخاصة، نال كاتب هذه السطور شرف الاقتراب منها بصفة الصحفي المرافق. ليس سرا أن الكلمة العليا هي دائما لرجال الأمن ومن ثم يتقاطر دور السياسيين والدبلوماسيين ومهن كثيرة أخرى تبدأ بصياغة الخبر ولا تنتهي بتحضير المائدة للرجل الأول وضيوفه أو مضيفيه.

استحضرت تلك المعاني وأنا أتابع الزيارة التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى سوريا لمناسبة رأس السنة الميلادية حسب التقويم الشرقي، ولم يكن الجنرال قاسم سليماني قد ووري الثرى بعد. برنامج الزيارة الحافل بعبق الرمزية التاريخية أكبر وأعمق من الرسائل السياسية التي تضمنتها خاصة في الجانب الروحي منها. لم تكن مجرد تبادل هدايا أيقونية بين بوتين ومضيفه السوري الرئيس بشار الأسد وإنما أظنها علامة فارقة لا بل ومفترق طرق تاريخي في مستقبل سوريا ولربما المنطقة.

صحيح أن الترتيب لزيارة بهذا الحجم وما أتبعها من زيارة إلى تركيا قد ينفي الصدفة عن تقاطعها مع قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تصفية سليماني ومرافقه في العراق نائب رئيس الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، لكن الأمر لا ينفي توجيه "رجاء" من بوتين للأسد بأن تنأى سوريا بنفسها عن تداعيات مواجهة دخلت مرحلة كسر العظم. ما من شك أن أي حديث جرى بين الرئيسين قد أحيط بأعلى درجات الكتمان لكني أتوقع -مجرد توقع- أن تكون رسالة بوتين الرئيسية للأسد في هذه الزيارة "الأيقونية": مبروك إدلب، دعك من طهران واترك لي شأن أنقرة.

وبصرف النظر عن صحة الشائعات "المغرضة" التي ربطت بين ملابسات تصفيات سليماني والمهندس ومن قبل عماد مغنية وسمير القنطار، فإنه ليس خفيا أن ثمة ارتباط بين الزعامات والمراحل التي يتولون قيادتها، تلك مسألة يثبتها تاريخ الدول والتنظيمات المسلحة. فلكل مرحلة رجالها.

لقد أظهر الرد المدروس بعناية على تصفية سليماني والمهندس ثلاث احتمالات إيرانية:

1. النظام الإيراني هو في حقيقة الأمر نمر من ورق آيل للتساقط من الداخل بفعل عوامل عدة من بينها العقوبات الاقتصادية وأن كل التصعيد كان مجرد ظاهرة صوتية للاستهلاك الداخلي.

2. أن الكلمة العليا في نهاية المطاف هي للدولة العميقة التي تعي عواقب الأمور وبالتالي عملت على تفادي انتحار النظام الذي يبقى بقاؤه هو الأولوية كما أوصى الخميني.

3. أن ثمة قرار إيراني بإحداث أو السماح بوقوع ما يبرر لها استدارة عن خيار التصعيد باتجاه الانسحاب إلى الداخل والانكفاء لضمان رفع العقوبات وتلبية مطالب المحتجين قبل استفحال المظاهرات وتحولها إلى انتفاضة تطيح بالنظام.

من باب أولى، فإن سوريا المنتصرة في حربها على الإرهاب أصبحت أمام استحقاق من الواضح أن القرار النهائي بخصوصه بيد الرئيسين الروسي والأمريكي. سوريا الآن لا حاجة لها والأهم لا طاقة لها ببقاء القوات غير السورية في البلاد وبخاصة إيران وميليشياتها ومن بينها الحشد وحزب الله.

إن التظاهرات الشعبية العارمة المحيطة بسوريا عن يمينها ويسارها ليست مصادفة، ومن غير المعقول المراهنة أكثر على صبر السوريين "القديسين في احتمالهم أذى الجحود ونكران الجميل" بعد سنين من ويلات الإرهاب والتأزيم الاقتصادي المدروس تارة عبر المحروقات وتارة أخرى عبر سعر صرف الدولار وتوفره في السوق المحلية.

إن استحقاق العملية السياسية لبعث سوريا الجديدة لا مكان فيه للقومية أو المذهبية الشوفينية والإقصائية، سوريا "البعث العربي الاشتراكي" ليست عصية على التغيير من الداخل بعد هذه الحرب الشرسة. الوطنية السورية تتصدر المشهد الآن، وثمة التفاف شبه تاريخي على من أنقذ سوريا من التشظي، وبالتالي لا بد من إعادة النظر بكثير من التحالفات والمقولات التي تجاوزتها الأحداث. فلا يعقل أن تحارب الدولة السورية الإرهاب السني بإرهاب شيعي ولا يستقيم منطق الوطن أولا مع تبعية مواطنيه لولاية فقيه عابر للحدود!

هذه فرصة الأسد الذهبية بالنأي عن النفس والعمل من أجل سوريا فقط، سوريا أولا وكفى. لن ينسى الأسد خيانة خالد مشعل وحماس له وهو ابن من خبر عن قرب غدر الإخوان المسلمين. لربما هي فرصة لطي صفحة التنظيمات و"المقاومة والممانعة" بكل تسمياتها. الكلمة العليا الآن للدولة العميقة التي أيقنت أن اللعب بالنار يحرق الدار وأهلها.  

المحب لسوريا يتمنى لها اتخاذ قرار علني في أسرع وقت يدعو في كل القوات الأجنبية إلى انتهاء الضيافة مع شكرا كبيرة و"حبة مسك" بالشامي الفصيح!