هذا المقال بقلم کاملیا انتخابی فرد، كاتبة وصحافية ورئيسة تحرير الاندبندنت باللغة الفارسية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأيها، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
عندما بدأ مهرجان شيراز للفنون (في إيران) في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات، جلب معه مزيجًا من الدهشة والاستياء من جهة، والإعجاب والفخر من جهة أخرى. في ذلك الوقت، عندما لم تكن هناك وسائط تواصل اجتماعي ولا إنترنت، كان وصول الرجل العادي إلى فعاليات المهرجان مقصورا على البث التلفزيوني الوطني والصحافة المطبوعة.
ومع ذلك، لم يكن لدى جميع الأسر أجهزة تلفزيون لمشاهدة المهرجان. كانت نسبة كبيرة من الناس - وخاصة في المدن الصغيرة والقرى – كانوا يطلعون على التطورات الاجتماعية والسياسية والاتجاهات من خلال حضور خطب الملالي المحليين.
في ذلك الوقت، أي قبل أكثر من 50 عامًا، قوبل تنظيم فعاليات ثقافية وفنية في إيران تحمل عناصر الحداثة الغربية بالاستياء والرفض من قبل الإسلام الراديكالي والتقليدي على حد سواء.
وصف آية الله الخميني مهرجان شيراز بأنه "مهرجان الفنون المبتذلة"!
لم تترك الثورة الإسلامية لعام 1978 أي شيء من مهرجان شيراز للفنون ولم تسمح بالموسيقى والفنون عمومًا، ولم تترك أي أمل لدى أولئك الذين كانوا يحلمون بتطور إيران وتقدمها ومسيرتها نحو مستقبل مزدهر. قتلت الثورة كل التطلعات في أولئك الذين كانت إيران تمثل بالنسبة إليهم مهدًا للفنون والجمال والتقدم ومثالًا لبلد ناجح في المنطقة. ما جلبته الثورة الإسلامية للشعب الإيراني كان الصمت وتدمير الإنجازات السابقة ومجتمعاً بلا فن. ما أعطته للمنطقة كان هدية من التطرف والتهديد ونهاية حلم إيران مزدهرة وتقدمية وتفسير متخلف من القرون الوسطى للإسلام والعقيدة الشيعية.
لم تحدث الثورة الإيرانية تحولًا عميقًا داخل البلاد فحسب، بل كان لها تأثير عميق على الاتجاهات السياسية والاجتماعية لدول الجوار أيضًا. أعادت الثورة الإسلامية تنشيط وتقوية الحركات المتطرفة بنفس الطريقة التي ألهمت بها برامج الشاه الثقافية والإصلاحية جيران إيران وجعلتهم يتابعون هذه البرامج باهتمام.
من الصعب تصديق أنه في السبعينيات تم بث أغاني غوغوش (مغنية شهيرة) على شبكات الإذاعة والتلفزيون في المملكة العربية السعودية. كانت هناك دور سينما في المملكة العربية السعودية، واستلهم جيران إيران من التغييرات والتقدم في إيران وحذو حذوها.
ومع وجود مهرجان شيراز في مخيلتي، حضرت مهرجان الموسيقى الشتوي الثاني في طنطورة في مدينة العلا في المنطقة الشمالية الغربية من المملكة العربية السعودية. مهرجان طنطورة هو حدث ثقافي يهدف إلى الجمع بين الموسيقى والفنون في الشرق والغرب وإلى مكافحة - على الأقل بالمعنى الثقافي - الحركات الأصولية والتطرف.
يعد مهرجان طنطورة الموسيقي في دولة دينية وتقليدية للغاية مثل المملكة العربية السعودية مشروعًا ضخمًا وفعالًا وإنجازًا يتماشى مع تطلعات الجيل الجديد بالتغيير والإصلاحات. إن مشاركة الفنانين والمغنين والموسيقيين العالميين المشهورين في مهرجان طنطورة، الذي يستمر شهراً، على مدار العامين الماضيين يدل على تقدير الفنانين العميق بأن هذه المنطقة تحتاج إلى دعم للتغييرات الإصلاحية. من المأمول أن يصبح هذا المهرجان مصدر إلهام للدول الإسلامية الأخرى بالطريقة نفسها التي نظرت بها هذه الدول إلى إصلاحات الشاه الراحل محمد رضا بهلوي على أنها تقدمية وجريئة.
في غضون ذلك، كان مهرجان طنطورة خلال اليومين الماضيين يستضيف - للمرة الأولى - فنانين إيرانيين لإثبات أن الأنشطة الثقافية والفنية لا تعترف بحدود. وفي الوقت الذي لا يُسمح فيه للمطربين الإيرانيين بإقامة حفلات في بلادهم، أتيحت لهم هذه الفرصة داخل هذه البلد الإسلامي الذي يعتبر من أكثر البلدان محافظة على التقاليد في العالم.
لأول مرة في تاريخ المملكة العربية السعودية، قدم مطربون إيرانيون عروضاً على الأراضي السعودية. وقد أكد الفنانون الإيرانيون الذين شاركوا في مهرجان طنطورة على أن وجودهم في المهرجان لم يكن لفتة سياسية بل لدعم الفكرة السامية المتمثلة في أن "الموسيقى بلا حدود" بهدف تقديم الموسيقى والثقافة الإيرانية إلى شعوب أخرى. قالوا إنهم سيرحبون بأي تغيير بناء من أجل تحسين المجتمع البشري.
إن المعاناة والحرمان والكوارث التي عانت منها شعوب هذه المنطقة خلال العقود الماضية كانت هائلة. لا توجد حدود للعنف والتطرف أيضا. يمكن أن ينتقل بسهولة من مكان إلى آخر عبر الحدود ويجلب معه الدمار والفقر والجهل.
الانفتاح والشجاعة والرؤية التي شارك بها المغنون الإيرانيون في المهرجان كانت رائعة. الفنانون سفراء لأولئك الذين يحبونهم ويؤمنون بهم. أولئك الذين غنوا في المهرجان كانوا نخبة المطربين الإيرانيين وممثلين عن مجموعة من الفئات العمرية والأذواق داخل المجتمع الإيراني. لقد كانوا صوت مجتمع يتوق إلى أن يسمعه الآخرون، مجتمع مليء بالأمل والتوق إلى للسعادة. سمع الإيرانيون هذا الصوت من دولة مجاورة ليست بعيدة عنهم.
من الصعب دائمًا بدء حركة جديدة وتشجيع التغيير في أي مجتمع. تواجه مثل هذه الحركات دائمًا وبشكل حتمي مقاومة من بعض الأفراد والجماعات والمنظمات. ومع ذلك، لا شك في أنه سيكون هناك أصوات وجماعات ستنضم تدريجياً لدعم حركة ثقافية تحتاجها المنطقة بشدة. إنه لشرف وسرور حقاً أن مطربين إيرانيين البارزين ومحبوبين كانوا بين ممثلي الدول الأخرى في طليعة الحركة التي تدعم هذه الإصلاحات وترفض الأصولية.