بيروت، لبنان (CNN)-- وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، "السيدة فيروز" بأنها "أيقونة، ولها مكانة خاصة في قلوب الفرنسيين"، بعد لقاءٍ "استثنائي" مع الفنانة اللبنانية الكبيرة، استهل به زيارته الخاصة إلى لبنان، احتفاءً بالذكرى المئة لتأسيسه.
وتوجهت الأنظار إلى"الرابية" شمال شرقي بيروت، حيث افتتح ماكرون زيارته للبنان، مساء الاثنين، بموعدٍ مُرتقب على "فنجان قهوة" أعلن عنه قبل أيام مع "جارة القمر" فيروز.
وكانت ريما الرحباني، ابنة فيروز، في استقبال ماكرون أمام المنزل بحسب ما رصدت وسائل إعلام لبنانية خلال بثٍ مباشر، واستغرق اللقاء قرابة الساعة والربع، حظي خلاله بهدية منها، بدا أنها لوحة فنيّة.
وبعد اللقاء، صرحّ الرئيس الفرنسي لتلفزيون "الجديد" بأنه التزم أمام "السيدة فيروز"، وأمام اللبنانيين بـ"الإصلاح، وأن يكون لبنان أجمل"، لكنه رفض الكشف عما قالته له.
كما قُوبل ماكرون بهتافاتٍ غاضبة من متظاهرين احتشدوا أمام منزل فيروز، رفعوا أصواتهم عاليًا أمام الرئيس الفرنسي، بشعارات "ثورة"، وأخرى رافضة لرئيس الوزراء اللبناني المُكلف حديثاً، مصطفى أديب، ليردّ عليهم بأنّ: "الطبقة السياسية اللبنانية هي من أسمته، وليس أنا".
ورُغم الغضب الذي قوبل به ماكرون من المتظاهرين، إلا أن رمزية لقائه مع فيروز طغت على تعقيدات المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي اللبناني، الذي يشهد تطوراتٍ صعبة منذ عامٍ تقريبًا، وصولاً إلى المأساة التي خلفها انفجار مرفأ بيروت، حيث كان صوت فيروز وهي ترنم أغنيتها الشهيرة "من قلبي سلامٌ لبيروت" في خلفية صور ومقاطع فيديو استعادت لحظات الانفجار المُروّعة وتداعياتها، تناقلها اللبنانيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي خلال الفترة الماضية.
ويبدو من نافل القول الإجابة على سؤالٍ مُفاده، لماذا اختار ماكرون زيارةٍ فيروز، وسط هذه الظروف، احتفاء بالذكرى المئوية للبنان، وقبل لقائه أيٍمن ساسته، باستثناء استقبالٍ رسمي سريع من الرئيس اللبناني لضيفه على أرض المطار.
ولطالما اُعتبرت "السيدة فيروز" رمزًا لوحدة لبنان، الذي أنشدت حبها له بـ"شماله وجنوبه وسهله وجبله"، "جبلاً للغيم للأزرق"، و"وطناً للحرية"، لم تنحز يومًا لأي من فرقائه السياسيين، وطالما نأت بنفسها عن حروبهم، لتكون سفيرة اللبنانيين إلى النجوم، حملت صوتهم وحنينهم لوطنٍ مشتهى، وجمعت شملهم لأجيال على امتداد أصقاع الأرض، حتى آخر صلاة أطلقتها بمناسبة عيد الفصح الفائت وسط قيود التباعد الاجتماعي التي فرضتها أزمة كورونا.
فيروز لم تفارق لبنان في محنته خلال فترة الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، كما لم تحي حفلاً واحدًا على أرض وطنها طيلة تلك السنوات الدامية، في إشارة واضحةٍ منها لعدم الانحياز لأي طرف، بينما بقي صوتها يبعث الأمل على جانبي جبهات القتال، إلى أن لمت شمل اللبنانيين، وداوت جراحهم، في حفلٍ أحيته بساحة الشهداء وسط بيروت، بعد انتهاء الحرب في 1994.
اسمها الحقيقي نهاد حداد، من مواليد 21 نوفمبر تشرين الثاني 1935، اكتشف موهبتها المؤلف الموسيقي محمد فليفل في أربعينيات القرن الماضي، حينما كان يبحث عن أصواتٍ جميلة يضهما لكورس الإذاعة اللبنانية، ومنحها المغني والملحن حليم الرومي المدير الموسيقي للإذاعة آنذاك اسمها الفني "فيروز"، الاسم الذي أصبح أيقونة للغناء في لبنان والعالم العربي، بوصفها نجمة وشريكة أعظم الأعمال الموسيقية والمسرحية للأخوين رحباني (الراحلين زوجها عاصي، وشقيقه منصور).
صوتٌ لم يخفت بريقه أو أثره في وجدان اللبنانيين أو العرب منذ خمسينيات القرن الماضي، غنى للحب والإنسانية والحنين والأوطان، بكلمات أهم الشعراء كنزار قباني، والأخطل الصغير، وسعيد عقل وطلال حيدر... وألحان مؤلفين موسيقيين مرموقين كالموسيقار المصري الراحل محمد عبد الوهاب، فيلمون وهبي، وغيرهم وصولاً إلى تجربتها الموسيقية شديدة الخصوصية، مع ابنها المؤلف الموسيقي زياد الرحباني.