هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأميركية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
خيرا، لن يكون الحصاد إلا خيرا على الأقل في نظر المؤمنين من أحفاد إبراهيم. من هذا الخير الذي غرس بذاره البابا فرنسيس في العراق، أتوقف عند 4 زوايا أراها متناظرة متساوية. تلك الزوايا إنسانية، روحية، رعوية وسياسية.
إنسانيا، هزّني من الأعماق كأب وكإبن سورية كردية، لقاء البابا بوالد آلان الكردي ذاك الطفل الأيقوني الذي لقي حتفه ببحار الاضطهاد والإرهاب والقمع والفقر التي قذفت أمواجه بجسده الغضّ السوري الكردي إلى شواطئ تركيا على البحر الأبيض المتوسط.
روحيا، كان لصلاة البابا الذي جاء إلى العراق حاجا، معاني عظيمة بلغت ذروتها بزيارة مدينة أور التاريخية، مسقط رأس جدنا إبراهيم الذي عبر البراري والوديان إلى وحدانية الخالق وربوبيته في نصوص مقدسة وتاريخية نرى شواهدها في تراث الديانات الإبراهيمية. من أور العراق ولد إبراهيم ومن أعالي أورسالم، أورشليم، القدس، تحقق الفداء مرتين إحداها أجمع عليها جميع الأحفاد وهي فداء الله لولد إبراهيم الحبيب بكبش، وأخرى -اختلفوا عليها- تحقق عبر المسيح صلبا وفداء وقيامة كما يؤمن بها المسيحيون كافة وليس الكاثوليك وحدهم الذي يرأس كنيستهم البابا الذي تسمى بفرانسيس مؤسس الرهبنة الفرنسيسكانية وحراس الأراضي المقدسة الذين أتشرف بالتخرج من مدارسهم هناك على رأس أحد جبال عمّان "ربة عمّون" عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية.
من الإنسانية والروحية، أتوقف مليا عند الزاوية الرعوية التي لم تتوقف عند قداس كنيسة سيدة النجاة في كرادة مريم ببغداد التي اكتوت بنار الإرهاب، ولم تنته بقدّاس أربيل عاصمة كردستان العراق في ختام الزيارة البابوية، بل تجلت أعظم معانيها في زيارة البابا إلى النجف الأشرف حيث زار راجلا بيت المرجع الأعلى للشيعة في العراق آية الله علي السيستاني. رغم أن اللقاء بالنسبة للمشاهدين كان صامتا إلا أنه ذلك الصمت الوقور البليغ. لعل ما أنطق اللقاء الذي دام نحو ثلاثة أرباع الساعة (مع الترجمة)، تلك الصورة الرباعية لأيادي الرجلين المتقابلتين "المتناظرتين" محبة واحتراما، علّ أتباعهما يقتديان بهما.
أخيرا وليس آخرا كما يقال، تجلت الصورة السياسية في نظري بتقبيل البابا العلم العراقي. صورة رافقتها الكثير من التأويلات، حتى عرفت من المركز الكاثوليكي للإعلام مشكورا أنها قبلة إجلال لشهداء ساحة التحرير وتضميد لجراحات المنتفضين بوجه الفساد والظلم والقهر بكل أشكاله.
وليسمح لي "الأحبة" الذين أساءوا للبابا الحاج ومضيفيه في العراق الحبيب السليب برسالة عتاب: ما هذا الكم المرعب من الجهل والكراهية وسوء الأدب في التعليقات المرافقة لما تناقلت منصات التواصل الاجتماعي من بث مباشر أو مقاطع متداولة من زيارة الحج البابوية؟ لعله من واجب الجميع، تحقيق معنى آخر من معاني الحصاد وهو فرز ما شاب طرح سنابل القمح من زيوان.
إن كسر الخبز يتطلب كسر الصمت، فما بالك إن كانت الطريق بين أور وأورشليم محفوفة بما هو أكثر فتكا من الزيوان؟