هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأميركية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
هو قطعا ليس بانقلاب لأنه لم يكن محاولة لتغيير نظام الحكم .. وهو ما انتهى حتى كتابة هذه السطور إلى "التوصية" بتحويل ملفات المتهمين من ١٤ إلى ١٦ متهما إلى محكمة أمن الدولة. ما ظننت غياب رقم محدد عن عدد الموقوفين افتقارا لدقة من صاغ البيان الذي تلاه نائب رئيس الوزراء، وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بقدر ما هو ابقاء الباب مفتوحا أمام إضافة المزيد من الموقوفين أو إطلاق سراح بعضهم وفقا لمخرجات التحقيقات الأمنية "المشتركة" بين الجيش والأجهزة الأمنية والتي نادرا ما تحدث كلما تداخل المدني بالعسكري في موضوع التحقيق أو شخوص المشمولين به.
"التأطير القانوني" لما جرى بحسب المؤتمر الصحفي الذي عقده الصفدي منفردا بعد تقديمه من قبل وزير الإعلام صخر دودين، برّر التوقيفات بما فيها ما يخص الأمير حمزة بن الحسين ولي العهد السابق، بأنها تلاقي "أوهام" مع أجندات خارجية حاولت "زعزعة الأمن والاستقرار" في المملكة. ولعلها سابقة، من ضمن عدة سوابق، ذكر "المعارضة الخارجية" بالاسم كجهة متآمرة. هذه المعارضة التي تقيم بالكامل في دول غربية أبرزها الدول التي سارعت بدعم سريع جلي وقوي غير مسبوق لشخص جلالة الملك عبدالله الثاني بالاسم دون عبارات فضفاضة يساء فهمهما أو يسمح بتوظيفها. كان استثنائيا الزخم العربي والدولي في بيانات واتصالات الدول الداعمة للملك وللأردن وهو أمر بديهي في النظم الملكية حيث عماد وعمود الأمن يتمثل باستقرار الحكم وانفراد رمزية الملك كونه الضامن لوحدة البلاد وسيادتها ودستورها وأمنها ورخائها.
بعيداً عن نظرية المؤامرة، ثمة تفسير لما جرى استقيه من تجربة شخصية لا أسمح لنفسي في الخوض فيها مكتفيا بإشارات تداولتها الصحافة ومراكز أبحاث منذ مولد النجل الأكبر للراحل العظيم الحسين عام ١٩٦٢. أحسنت الصحفية المرموقة -ولديها مكانة كبيرة في قلوب الأردنيين - الأستاذة رندة حبيب، عندما قامت بسلسة تغريدات ذكرت فيها بقضية ولاية العهد مع الحسين، حيث حالت المؤامرات والمحن والفتن التي كانت تعصف بالمملكة حينها دون إعلان عبدالله وليا للعهد، وعهد إلى أخيه الأمير الحسن بن طلال ولاية العهد ليقوم الحسين بعد عقود بردها إلى نجله الأكبر ، قيل حينها أنها بسبب أحجام الحسن عن تلبية رغبة الحسين بالوعد بتسمية أحد أنجال الحسين وليا للعهد عند تولي الحسن الحكم. هكذا تكرر المشهد بمقاربة أخرى عندما قال الحسين قبيل الرحيل إلى نجله الملك عبدالله "من أجل سلامتك الشخصية أنصحك بولاية العهد لحمزة" وأضاف "لكن الأمر يتعلق بك وحدك. كن حذراً" وفقا لما جاء في "فرصتنا الأخيرة: السعي نحو السلام في وقت الخطر".. كتاب ملك الأردن الحالي الذي صدر منذ عشر سنوات خلت.
كنت وكثيرون غيري، متوجسا مما بدا وكأنه رفض خفي للصدوع للإرادة الملكية السامية، كان ثمة إرهاصات لخطف الأضواء للأسف بادر إليها أو عززها مجموعة ممن وصفهم الحسين في رسالة تغيير ولاية العهد "الطفيليين" أولئك الذين لا يحبون ولا يوالون بصدق وإنما حبهم لأنفسهم ومصالحهم. ففي النظم الملكية الشعار هو "مات الملك – عاش الملك" ملك واحد لا ملوكا. هذه ليست جمهورية تسمح بمراكز قوى، ولا بحكومة ظل، حيث تعرف حكومات النظم الملكية بأنها "حكومة جلالة الملك" وليست حكومة أو حكومات الطامحين بالملك، ولا "مظلومية" في هذا الأمر بعد حسمه من صاحب الأمر وهو الملك.
وهنا وأقول إن كل من "أزعجه" استقلال الأردن السياسي ورفضه الإرهاب والتوسعية ليس ببريء عما حدث ولكن.. تبقى المشكلة في المقام الأول داخلية. ثمة صبر ربما زاد عن حده على التغاضي عمن استغل "الطلاقة في اللغة العربية الفصحى وطبقة الصوت" والشبه الجسماني في بناء "صورة" وارث الحسين. وكأن المسألة اختيار بين القائل بمقولة "الإبن سر أبيه" ومن قال منذ بواكير عهده وبثقة وهنا في واشنطن في الكونغرس تحديدا أمام قادة الحزبين الجمهوري والديمقراطي: أنا لست أبي.
القضية قضية إعلام، فهو المسؤول عن بناء الصورة والسردية أيضا، وكلاهما متلازمان متضافران. لقد آن الأوان لمراجعة كثير من الكوارث الإعلامية التي تسيء لصورة الأردن والملك وكثيرا ما تكون عن حب ودون سوء نية. إن ما حققه عبدالله الثاني من عبور آمن بالأردن – إرث الحسين الباني – من زلازل وبراكين سياسية في عقدين، كفيل بالتأسيس لعبور آمن بالمملكة الهاشمية نحو مئوية ثانية..