رأي.. بشار جرار يكتب: عراق العبور الآمن.. محادثات الكاظمي مع بايدن وأركان إدارته والكونغرس

الشرق الأوسط
نشر
5 دقائق قراءة
لقاء بايدن والكاظمي في البيت الأبيض
Credit: SAUL LOEB/AFP via Getty Images

هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأميركية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.

الكلام سيبقى عراقيًا وإن تحدثنا عبر هذه السطور عن الجوار آسيويًا وإفريقيًا، والعابر متوسطيًا وأطلسيًا. العراق كان تاريخيًا وما زال استراتيجيًا، العقدة والحل لكثير من القضايا حتى وتحت الغزو المباشر والاحتلال غير المباشر.

أذكر برنامجا موسيقيا كنت أتابعه قبل عقود من السلام مع إسرائيل عبر أثير نهر الأردن. كان يعده لتلفزيون إسرائيل (القطاع العام) إسرائيلي من يهود العراق متخصص بالموسيقى الشرقية وتحديدًا العراقية. أتذكر تماما جملة لازمته في وثائقية خاصة بالموسيقى و"المقامات" العراقية عبر نظم عدة وحقب تاريخية متباعدة كان الرابط فيما بينها ذاك اللحن الحزين "حرامات" وقد وصفه بالبكائي، تارة على الحال الحاضر، وتارة على ما قد مضى من أيام يحن إليها العراقي.

كلما وقع تفجير إرهابي استهدف دار عبادة، عرسًا وحتى مأتمًا وجنازة، تذكرت تلك الألحان الشجية وما رافقها من تعليق: أهو قدر العراقيين، أم ماضي آن الأوان للعبور منه إلى مستقبل لا أحزان فيه. الناظر في "التايم لاين" العراقي في الوطن والمهجر لا تخفى عليه حقيقتان تبشران بالخير: الشباب صار الأكثر حضورًا وتأثيرًا، وهم من فئة عمرية نشأت ما بعد إسقاط أو سقوط نظام صدام، بمعنى عهد تحول فيه قمع الدولة المركزية والحزب والقائد الأوحد الحاكم إلى جزر لا تقل فتكا وفسادا باسم "التحرير" تارة و"المقاومة" تارة أخرى.

أما الحقيقة الثانية، فتتمثل باعتماد لغة الأرقام عوضًا عن "الإنشائيات" وأسلوب الانتقاد الساخر عوضًا عن "البكائيات واللطمات". وأسارع هنا إلى التوضيح بأن تلك العقلية الأخيرة "السلبية"، ليست حكرًا على العراق أو على طائفة أو مذهب ما. انظر إلى حال "بلاد العرب أوطاني" وترى ما يكفي من الشواهد.

عشرات الأحزاب والفضائيات والمواقع الإعلامية نشأت مع بناء العراق الجديد، عراق ما بعد صدام، عراق حاول التحالف الدولي بقيادة أمريكا أن يبني - بمساعدة المعارضة العراقية - دولة قانون ومؤسسات، دولة مواطنة. عقدان من الزمان ويبدو أن "المهمة ما زالت غير منجزة". وعلى غرار مقولة الرئيس جو بايدن عند إعلانه الانسحاب من أفغانستان قبل حلول الذكرى العشرين لاعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، جاءت محادثاته مع رئيس وزراء العراق، رجل المخابرات القوي، مصطفى الكاظمي، لتشير إلى خلاصة مشابهة: المهمة نجحت في إسقاط طالبان وطرد القاعدة في أفغانستان، تماما كما نجحت في إسقاط صدام والقضاء فيما بعد على داعش.

التغيير الكبير والأهم استراتيجيًا هو أن مهمة أمريكا لم تعد تغيير النظم وبناء الأمم، تلك صارت مهمة الأفغان والعراقيين أنفسهم. لهذا فإن العنوان الأبرز لمحادثات الكاظمي كانت إنهاء الدور "القتالي" للقوات الأمريكية في العراق واقتصارها على دورين لا ثالث لهما: التدريب والمشورة.

نجح الرئيس بايدن مرة أخرى بإظهار تميز إدارته عن إدارتي أوباما الأولى والثانية. لعل أبرز ما حققه فيما يخص العراق هو وضعه وجميع الساحات التي توغلت فيها إيران إقليميًا في مواجهة مع الرأي العام فيها والدولي في آن واحد.

"التدريب والمشورة" ليست احتلالا يبرر "المقاومة"، مما يسهل اختراقا دبلوماسيًا إقليميًا يتمثل بانسحاب إيراني يتبع الأمريكي. ففي واشنطن، أسقط بايدن والكاظمي الورقة من أيدي نظام ملالي وكل "ولائي" يبرر الخروج عن القانون باسم "المقاومة".

الكاظمي في وضع لا يحسد عليه، فأمامه قبل وبعد الاستحقاق الانتخابي بعد شهرين، مهام تتجاوز قضايا عقدين، من فوضى سلاح، وازدواجية الولاء، والفساد "المقنن والمشرعن".

التحدي الأكبر سيكون تعامله كرئيس وزراء وكرجل مخابرات سابق مع المليشيات عموما و"الحشد الشعبي" خصوصًا. فالمسألة تبقى أولا وأخيرا، هل العراق دولة أم لا؟ هل تعود "البوابة الشرقية" كما كانت تعرف إبان الحرب العراقية الإيرانية كناية عن صدها لتصدير "الثورة" الخمينية؟ يبدو أن مشروع "الشام الجديد" والقمة العراقية المصرية الأردنية في بغداد التي سبقت لقاءي العاهل الأردني عبد الله الثاني ابن الحسين والكاظمي مع بايدن في البيت الأبيض يؤشر بوضوح إلى إرادة وطنية وعربية وأمريكية لـ"عبور آمن" يسترد فيه العراق سيادته وأمنه ورفاهه.

نشر