رأي.. حبيب الملا يكتب لـCNN: قراءة في وثيقة الخمسين الإماراتية

الشرق الأوسط
نشر
5 دقائق قراءة
حبيب الملا يكتب لـCNN.. قراءة في وثيقة الخمسين
Credit: Francois Nel/Getty Images

هذا المقال بقلم الدكتور حبيب الملا، الرئيس التنفيذي لمكتب "بيكر ماكنزي-حبيب الملا" للمحاماة في الإمارات العربية المتحدة. الآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN. 
 

تزامنا مع اقتراب الإمارات بالاحتفال بعيدها الخمسين صدرت مؤخرا وثيقة تتضمن 10 مبادئ ترسم آفاق المستقبل لدولة الإمارات وهي على مشارف المرحلة القادمة من مسيرتها. فما هو الجديد الذي تضمنته هذه المبادئ وما هي الأسس التي تسترشد بها وتبتغي تحقيقها؟

تنص الوثيقة في مقدمتها على أن المبادئ التي تضمنتها ينبغي على جميع الأجهزة الحكومية والتشريعية والشرطية والعلمية والأمنية وغيرها في الدولة الالتزام بها والاسترشاد بها في كافة قراراتها. ومثل هذا التوجه يدل على الأهمية القصوى التي توليها دولة الإمارات لهذه المبادئ باعتبارها خارطة طريق ترسم خطوات المستقبل في السنوات القادمة ومن هذا الجانب هي أشبه بدستور (ليس بالمعنى القانوني) تلتزم به أجهزة الدولة وهيئاتها.

وفي سبيل تحقيق الأهداف التي نصت وثيقة الخمسين قامت الحكومة بإصدار جملة من الحوافز تغطي الجوانب المختلفة التي تضمنتها الوثيقة.

ومن هنا كانت الحزمة الأولى من الحوافز التي استهدفت تعزيز تنافسية الإمارات في المجال الإقليمي والدولي وتعزيز جاذبيتها الاستثمارية وتعزيز مشاركة القطاع الخاص في النمو الاقتصادي المستهدف من خلال برامج عدة مثل برنامج القيمة الوطنية المضافة الذي يستهدف توجيه 42% من مشتريات الجهات الاتحادية والمحلية والشركات الوطنية نحو المنتجات الوطنية ورفع المشتريات من 33 مليار درهم إلى 55 مليار درهم في عام 2025. وكذلك تخصيص 5 مليارات درهم لدعم المشاريع الإماراتية الشابة. وأيضا تعزيز القطاعات الرئيسية التي يقوم عليها الاقتصاد الاماراتي مثل قطاع البترول والطيران والسياحة والصناعة حيث تم تخصيص مبلغ 5 مليارات درهم لتمويل القطاع الصناعي نحو الثورة الصناعية الرابعة ورفع مستوى إنتاجية هذا القطاع بنسبة 30%.

كما وضعت الإمارات هدفا قياسيا باستقطاب 150 مليار درهم من الاستثمارات الخارجية، وعلى الرغم مما يبدو من صعوبة تحقيق هذا الهدف ولكن الركائز الأساسية قائمة من بنية تحتية هي الأكثر تطوراً في المنطقة ومن تخفيف الإجراءات البيروقراطية إلى أقصى حد ممكن وسيمكن تحقيقه من خلال تطوير البنية التشريعية ومن خلال الشراكات الاقتصادية التي سيتم العمل عليها.

ومن العوامل الملفتة في جملة الحوافز التي تم إصدارها تعديلات موضوع الإقامة وإطلاق الإقامة الخضراء التي تسمح للأفراد بحرية العمل والبقاء دون أن يكونوا تحت رحمة صاحب العمل. وهذا النوع من الإقامة من شأنه أن يساعد على استقطاب المواهب والكوادر الشبابية خاصة وأن إحدى المستهدفات التي تم إطلاقها هي استقطاب عدد كبير من المبرمجين باعتبار أن البرمجة هي إحدى أهم ركائز الثورة الصناعية الرابعة. وينبغي في هذا المجال أن يتم التركيز على تأهيل الكوادر المواطنة باعتبار أن الكوادر المحلية هي الأكثر استقراراً في الدولة على المدى البعيد.

ومن المؤشرات الجيدة كذلك المرونة المستخدمة في قطاع العمل من خلال سهولة حركة الأفراد والسماح بالدوام الجزئي والسماح بالعمل الحر وربما تكون هذه بداية لإنهاء نظام الكفالة بشكل جذري.

ثم جاءت الحزمة الثانية من الحوافز والتي ركزت على التوطين وتسهيل توظيف المواطنين وتيسير دخولهم الى القطاع الخاص من خلال حوافز غير مسبوقة مثل دعم تكلفة توظيف المواطن في القطاع الخاص وتقديم علاوات للعاملين في القطاع الخاص أسوة بالعاملين في الجهات الحكومية ومساهمة الحكومة في صندوق التقاعد وفي برامج تدريبية في قطاعات متخصصة بهدف فتح أبواب القطاع الخاص أمام القوة العاملة المواطنة. ومن الحوافز المبتكرة التي قدمتها الحكومة السماح بالتفرغ الوظيفي للمواطنين العاملين في الحكومة الاتحادية من الراغبين في ممارسة العمل الحر مع التكفل بـ 50% من الراتب خلال تلك الفترة. وكذلك برنامج التقاعد المبكر للمواطنين من موظفي الحكومة الاتحادية الراغبين ببدء أعمالهم الحرة مع تقديم حوافز مالية معينة لهم.

الأمر الذي لا شك فيه أن هذه المبادرات طموحة جدا ومبتكرة في بعض توجهاتها وستحرك مياه راكدة وتحافظ على صدارتها وتشعل فتيل المنافسة من جديد في المنطقة في ظل سباق إقليمي للتصدر اقتصاديا. الأمر يتوقف الآن على القدرة على تنفيذ هذه المبادرات حتى تتمكن من تحقيق نتائجها.

لقد أثبتت دولة الإمارات من خلال وثيقة الخمسين ليس فقط ريادتها في المنطقة بل قدرتها على التجديد والابتكار والأخذ بزمام المبادرة لترسم طريقا لا لنفسها ولكن لدول المنطقة ككل.