هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأميركية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
سعدنا وما "هرمنا" يا تونس الخضراء، يا مهد ثورة الياسمين التي كانت قبل عقد حلما بربيع حقيقي لا دماء ولا سواد فيه. أسعدنا قيس سعيّد رئيس تونس، الريادية في حقوق المرأة والأسرة، بثاني قرار تاريخي يتخذه بعد إنقاذ البلاد من براثن استحواذ جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية على السلطة. لا يساورني شك بأن الضمير في السعد هنا يعود لكل من أيد إنقاذ تونس ومن قبل مصر من براثن اختطاف بعد القوى الانتهازية لحق الناس الطبيعي في الاحتجاج السلمي على القمع والفساد بكل أشكاله ومسمياته وفي كل مكان دون ازدواجية معايير وانتقائية الدول والنظم.
كان لوقع صيحات ذلك التونسي في مستهل ما عرف بالربيع العربي صدى كبيرا عندما صاح باكيا "هرمنا"، ليعود بعد سنوات بصدى أكبر مقرا بأننا "ندمنا" بعد تفشي الإرهاب والفوضى في بلاد ذلك "الربيع الدامي الأسود" ! لعله يسعد الآن كما سعد الكثيرون من المحيط إلى الخليج عربيا، وكذلك إسلاميا وشرق أوسطيا. فالمرأة ما زالت الأولى مقاما والأولى رعاية إن أردنا بناء أسرة صحية ومجتمع سوي ودولة راقية.
ظلم فادح لحق بالمرأة في مشرقنا عبر التاريخ، وقد كانت من قبل رأسا لإمبراطوريات وأيقونة لحضارات... من كليوبترا المصرية إلى زنوبيا السورية، مرورا بإستر اليهودية وديهيا الأمازيغية. نقول أسعدنا قرار سعيّد عندما عهد بأمانة المسؤولية الأولى من بعده، ومعه عمليا، إلى حرة من حرائر تونس الخضراء، تونس الحبيب بورقيبة "ربنا ينعمه" كما يقولون بالتونسية. نجلاء بودين رمضان هي الأولى عربيا، ومازالت في المقدمة إسلاميا وأوسطيا وكعالم "نامي"، إن ذكرنا باحترام وتقدير من سبقوها في شرف الخدمة، خدمة بلادهم بصرف النظر عن أي مواقف سياسية "سجالية"، كرئيسة وزراء الهند الراحلة "الشهيدة" أنديرا غاندي التي قضت باغتيال آثم، ورئيسة وزراء باكستان بيناظير بوتو، ورئيسة وزراء إسرائيل الأولى والوحيدة حتى الآن الراحلة غولدا مائير.
تعمدت ذكر هذه الأسماء الكبيرة للدلالة على أمرين: تاريخية قرار سعيّد وقد ضمن ذلك بمجرد اتخاذه القرار. وتاريخية المتاح بين يدي القيروانية نجلاء، سليلة من أرسو قواعد ما اعتبر أول جامعة في العالمين العربي والإسلامي. الدكتورة نجلاء المختصة بعلوم طبقات الأرض – الجيولوجيا – مؤتمنة ليس من قبل مواطنيها فقط، بل من قبل محيطيها الجغرافي والثقافي (الحضاري) على سبر أعماق مفاصل الحكم في تونس الخضراء تونس الياسمين. التوقعات والآمال كبيرة بحجم ما مرت به تونس والمرأة في هذه المنطقة من ظلمات لا تقف عند حدود السياسة والاقتصاد، بل تتخللها إلى ما هو أكثر عمقا وأبعد أثرا، وهو الإطار الثقافي والاجتماعي لأي فعل سياسي وحتى اقتصادي.
قد رد سعيّد الاعتبار للمرأة التونسية بعد ذلك الاعتداء الآثم الذي اقترفه نائب إسلامي بحق عبير موسى، أقوى الأصوات وأعلاها في التصدي لراشد الغنوشي رئيس مجلس النواب المعزول وجماعته. كان صادما ضرب نائبة حرة (لكم ولطم وركل) تحت قبة البرلمان، بيدي وقدمي زميل لها لم يفهم قيما سامية كثيرة تشمل الزمالة والمواطنة ومن قبلهما الحضارة. هذه ليست أخلاق من يريد الإصلاح والفلاح..
المهام كبرى والآمال أكبر، رسالة التكليف تم تأمينها بشفافية هجومية استباقية على قوى التعطيل والتشكيك، عندما تعهد الرئيس التونسي بحماية الرئيسة المكلفة من "أي ابتزاز من أي كان" في اختيار حكومة أرادها أن تكون "متجانسة".
يسجل للرئيس سعيّد قرارا سابقا بتعليق عمل عقيلته السيدة إشراف شبيل في القضاء، الأمر الذي يشير إلى حسن استعداده للمواجهات الكبرى كما اتضح من تدخله في الوقت المناسب لإنقاذ تونس من اختطاف لا يبقي لها دولة وليس فقط جمهورية.
"يعيشك" تونس.. لا أجدني بحاجة إلى ترجمتها من التونسية الدارجة إلى العربية الفصحى. تحيا تونس... وكل الموفقية لأول رئيسة وزراء في "بلاد العرب أوطان"..