هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
أسارع فأقول ذاك احتمال ما غاب أبدا عن خيارات واشنطن حتى عندما تغير سيد البيت الأبيض. من أبرز مسوغات عكس إدارة جو بايدن قرار سلفه دونالد ترامب بإدراج الحوثيين على لائحة الإرهاب كان "لفرز وتشجيع" بعض قيادات "الحوثيين" على الجنوح إلى السلم وإنجاح وساطات عديدة مباشرة وغير مباشرة أقواها الوساطة العمانية ومن بينها مساع سلمية حثيثة لم تبخل بها السعودية والإمارات والكويت.
أما بعد، وهي الديباجة المعروفة في التخاطب "الخطابي" في اللغة العربية التي من أكثر ما يتقنها العرب الأقحاح أهلنا في اليمن بجناحيه الشمالي والجنوبي، فإن "أما بعد" السياسية يبدو أن الكيل قد طفح بها في انتظار التجاوب المأمول من تلك "القيادات" الحوثية.
حفلت صفحة الحوثيين في الفصل الجديد الذي دشنته الخارجية الأمريكية في عهد الوزير أنتوني بلينكن بانتهاكات خطيرة أتوقف عند 3 منها لدلالاتها الحمراء. فقبل يومين من عيد الشكر الأمريكي والذي تعطل فيها عادة الكثير من مؤسسات القطاعين الخاص والعام في الولايات المتحدة، اضطرت السفارة الأمريكية في صنعاء إلى "إدانة اعتقال الحوثيين وإساءة معاملتهم لعشرات المواطنين اليمنيين وأفراد عائلاتهم لمجرد أنهم عملوا كموظفين لدى الحكومة الأمريكية في اليمن". ذكرت الإدانة الرسمية الأمريكية بأن أولئك كانوا يعملون لدى الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية والتي بدأت تقديم خدماتها وعونها للشعب اليمني من سنة 1959.
قبل ذلك بيومين، أتت الإدانة أكثر حدة على لسان المبعوث الأمريكي إلى اليمن تيم ليندركينغ الذي ضمّن بيانه الصادر عن دائرة الشرق الأدنى في الوزارة بمطالبة بلينكين "الحوثيين الذين اقتحموا مجمّع السفارة بمغادرتها والإفراج عن جميع المحتجزين وعدم التعرض لهم ولأسرهم بأي أذى أو تهديد".
ما سبق أمر محرج لإدارة ما زالت تعاني من تداعيات الانسحاب الكارثي من أفغانستان حيث ما زال حتى الآن مدنيون يحملون الجنسية الأمريكية أو الإقامة (الغرين كارد) عالقين خوفا من طالبان وداعش بنسختيهما المتحورتين طالبان 2021 وداعش خراسان.
ومما زاد من دراماتيكية المشهد إعلاميا، تلك الصور التي سرّبتها قوات التحالف العربي لقناة "العربية"، والذي يظهر بالصورة والتعليق المكتوب المرافق له على الشاشة أن مطار صنعاء تحول إلى "ثكنة عسكرية" لتجارب "الحرس الثوري الإيراني والحوثيين" ليس فقط على رصد وإسقاط طائرات مدنية وإنما أممية أيضا وتابعة للأمم المتحدة على وجه الخصوص.
3 انتهاكات لا تخص أي منها قوات التحالف العربي مما يظهر حقيقة الخطر الذي يتهدد الأمن الإقليمي في حال استمرار السكوت عن تمادي الحوثي.
في المقابل سكوت بريطانيا مثلا عن حماس ومن قبلها سكوت ألمانيا عن حزب الله أدى في نهاية المطاف إلى ما لا بد منه وهو إعلان هذين "فصيلين تنظيمين إرهابيين". ما عاد مقبولا خداع الذات بوجود فارق بين الجناح السياسي والعسكري لأي تنظيم. تماما كما كان الحال بالنسبة للجيش الجمهوري الإيرلندي ال (آر آي إيه) والجناح السياسي (شين فين). حتى هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) المشهود لها بالحرفية كانت تمنع قبل اتفاق "الجمعة العظيم" بث حتى صوت جيري آدمز الزعيم السياسي للشين فين. كان أحد أعضاء فريق الإنتاج في كل نشرة إخبارية مكلف بقراءة تصريحه حتى لا يسمع الناس صوت آدامز وبالتالي التأثر بمضمون ما يقول!
البداية قد تكون مع الحوثيين وليس "الإصلاح" (تنظيم الإخوان المسلمين- اليمن). ربما ما سرّع القرار البريطاني بحظر حماس هو الحملة الأمنية الإسرائيلية في الضفة الغربية - والتي لا نعرف إن كانت بتنسيق السلطة الفلسطينية أم لا- وأسفرت عن إلقاء القبض على أكثر من 50 عنصرا وضبط كميات كبيرة من المتفجرات والأحزمة الناسفة المعدة للاستخدام من قبل عناصر حماس، وفقا لما أعلنته الصحافة الإسرائيلية. بعد تقييد وإغلاق منابر إعلامية إخوانية مصرية في تركيا، قد يضيق الخناق على "إخوان اليمن" والذين تطابقت أهدافهم ووسائلهم مع عدوهم "نظريا" وحليفهم عمليا "الحوثي" من حيث التطرف الديني ومحاولة فرض دولة دينية على شعب عرف تاريخيا -ومنذ فجر الرسالة المحمدية- بنقاء سريرته واعتداله.
تقتضي "الحكمة" لحاق واشنطن بلندن وبرلين، فتلحق "الإصلاح" والحوثي بحماس وحزب الله. فلا مناص من إعادة إدراج الحوثيين على الأرجح على لائحة الإرهاب الأمريكية لنية يمنية خالصة أو على الأقل لغايات الضغط على طهران في الجولة الوشيكة من مفاوضات إيران في فيينا. في المحصلة لن تطول الأمور، شهران أو عامان على أبعد تقدير ويتم العودة إلى قرار ترامب في حال عدم التوصل الى اتفاق شامل مع إيران.