كيف تؤثر المواجهة المتصاعدة بين أمريكا والصين على الشرق الأوسط؟

الشرق الأوسط
نشر
10 دقائق قراءة
تحليل تمارا قبلاوي

لندن، المملكة المتحدة (CNN)-- في عام جلب تغييرا عميقا في كثير من أنحاء العالم، بدا أن الشرق الأوسط الذي عصفت به الصراعات يطوي صفحة أخيرا، فقد أسفرت جهود دبلوماسية عن رأب صدع خلافات طويلة. والعراق تحول من بؤرة عنف في المنطقة إلى مركز تقدم، فعلى سبيل المثال، توسط في محادثات نادرة بين الخصمين القديمين السعودية وإيران.

وبعد الضربات الساحقة لجائحة كورونا و4 سنوات من الاضطرابات العالمية خلال رئاسة دونالد ترامب، أظهرت العديد من دول الشرق الأوسط علامات على أن هذا المستوى من الصراع لا يمكن أن يستمر ببساطة.

ولكن مع اقتراب العام من نهايته، ومع تسارع الزوبعة الدبلوماسية، ظهر صدع جيوسياسي آخر، فقد أصبحت منطقة الشرق الأوسط ساحة لمعركة سياسية واقتصادية بين الولايات المتحدة والصين، رغم المحاولات المستمرة من المنطقة للابتعاد عن هذا التنافس القوي.

وفي تعليقات تظهر مدى القلق الذي يتسبب فيه هذا التنافس لقادة الشرق الأوسط، أعرب مسؤول إماراتي رفيع المستوى في وقت سابق من هذا الشهر عن شعور ببعض اليأس  بشأن المواجهة بين الولايات المتحدة والصين.

وقال أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات، في تصريحات لمعهد "دول الخليج العربية بواشنطن": "ما نشعر بالقلق منه هو هذا الخط الرفيع بين المنافسة الحادة والحرب الباردة الجديدة"، وأضاف: "لأنني أعتقد أننا سوف نتأثر سلبا بهذا، لكن لن تكون لدينا القدرة بأي طريقة على التأثير في هذه المنافسة، بشكل إيجابي".

وأكد قرقاش تقارير تفيد بأن الإمارات، وهي حليف إقليمي رئيسي للولايات المتحدة، أغلقت منشأة صينية بسبب مزاعم أمريكية بأن الموقع كان يستخدم كقاعدة عسكرية.

وأوضح أن الإمارات لم توافق على توصيف واشنطن للموقع. لكن لم ترغب ببساطة في إثارة غضب حليف استراتيجي.

وتواصلت شبكة CNN مع وزارة الخارجية الصينية للتعليق، دون رد بعد.

لكن الولايات المتحدة لن تربح دائما المعركة من أجل النفوذ في دولة الإمارات. فبعد أيام من تصريحات قرقاش، قررت أبوظبي على ما يبدو التوقف عن مسايرة أمريكا. وعلقت صفقة بمليارات الدولارات لشراء طائرات أمريكية طراز F-35، وهي أول صفقة من نوعها مع دولة عربية.

وكانت الولايات المتحدة قد جعلت الصفقة مشروطة باستبعاد الإمارات لشركة هواوي الصينية من شبكة اتصالاتها.

وزعمت واشنطن أن تكنولوجيا هواوي تشكل خطرا أمنيا على أنظمة أسلحتها، خاصة بالنسبة للطائرة التي تسميها الولايات المتحدة بـ "جوهرة التاج".

ولم توافق أبوظبي على ذلك، وقال مسؤول إماراتي إن "تحليل التكلفة والفائدة" كان وراء قرار التمسك بشركة هواوي على حساب طائرات F-35.

وبينما حاول المسؤولون الأمريكيون التقليل من الموقف وأصروا على أن الصفقة لم تنته، كان لدي أبوظبي لهجة جديدة بأنها لا تنوي أن تذعن دائما لمطالب الولايات المتحدة بشأن الصين، وأنها ترفض أفكار واشنطن عن أن الصفقات التجارية الصينية ستار لنشاط عسكري سري.

إنه حدث يمكن أن يمهد المسرح، ليس فقط للقوى الخليجية، ولكن للمنطقة بأكملها، بأن تتجاوز العلاقات التجارية الصينية المتنامية بسرعة الخصومات الجيوسياسية القديمة، ويمكن أن يضع نهاية للهيمنة الأمريكية طويلة الأمد.

مسرح المنافسة

هزت التوترات الجيوسياسية منطقة الشرق الأوسط منذ أن قسمت القوى الاستعمارية الغربية منذ أكثر من قرن المنطقة الغنية بالموارد إلى مناطق نفوذ.

لكن المنطقة نادرا ما شهدت عنفا على مستوى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما أدت حروب متزامنة في أربع دول مختلفة -سوريا واليمن وليبيا والعراق- بالإضافة إلى العنف المستمر منذ فترة طويلة في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، إلى تحويل العالم العربي لحمام دم.  

لقد كانت فترة تزامنت مع تحول سياسي بالغ الأهمية إذ كانت الولايات المتحدة تخفض من أولوية الشرق الأوسط بالنسبة لها، وتركز على الصين.

وكانت الفوضى اللاحقة غير مسبوقة ويبدو أنها أثارت التوقعات بفراغ قوة كبير بعد موقف واشنطن.

ويبدو أن موجة الجهود الدبلوماسية الإقليمية التي جاءت بعد ذلك -في بعض الأحيان متسرعة واعتباطية- كانت تتوقف على خروج متصور للولايات المتحدة من المنطقة.

وطوال كل ذلك، كانت الصين، التي ذات يوم كانت مكروهة أيديولوجيا من قبل القوى القوية مثل المملكة العربية السعودية، تعمل في ظلال الشرق الأوسط.

وأقامت بكين شراكات اقتصادية واسعة النطاق مع الرياض وطهران، وعززت موطئ قدمها في الاقتصادات التي كانت بالفعل تعد شركاء تجاريين أقوياء، مثل الإمارات العربية المتحدة، والتي في طريقها لأن تصبح محور ارتكاز لشبكات الاتصالات الخاصة بها.

بكين التي اعتادت على استهدافها باتهامات ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان، وعدت بالتزام الصمت تجاه أولئك الموجودين في الشرق الأوسط، والابتعاد عن نزاعاتها.

لقد جعلت الصين الشرق الأوسط جزءا رئيسيا من مبادرة الحزام والطريق، وهو مشروع بنية تحتية ضخم يربط شرق آسيا بأوروبا (قناة السويس المصرية هي الرابط البحري الوحيد للمشروع).

والأهم من ذلك كله أنها قدمت فرصة لتحوط رهانات المنطقة في حالة خروج الولايات المتحدة.

وقال جوناثان فولتون، كبير الزملاء غير المقيمين في المجلس الأطلسي: "لديك هذا السيناريو حيث تبدو هذه القوة الإقليمية خارج الإقليم وكأنها ستغادر ومن ثم لديك الصين، شريك تجاري كبير"، وأضاف: "تبدو المنطقة وكأنها مسرح منافسة، ويبدو أن هذه الطريقة هي ما ستؤول إليه الأوضاع".

ويجادل المحللون بأنه إذا أرغمت واشنطن المنطقة على الاختيار بين الولايات المتحدة والصين، فإن الإجابة ستكون بدون تفكير أن أصدقاء الولايات المتحدة في المنطقة يكرهون إثارة حفيظة القوة العظمى، خاصة وأن وجودها العسكري في الشرق الأوسط لا يزال واسع النطاق.

ولكن في النهاية، قد لا يكون أمام المنطقة خيار سوى اتخاذ الجزرة الصينية حتى لو كان ذلك يعني تعريض نفسها للعصا الأمريكية.

وأرجع فولتون انجذاب المنطقة نحو الصين إلى "قانون الطبيعة"، وأضاف: "هذا ما ستكون عليه الأمور على الأرجح خلال القرن القادم".

الولايات المتحدة بحاجة إلى "نقود حقيقية على الطاولة"

يتمثل الضعف الرئيسي في موقف الولايات المتحدة بشأن نفوذ الصين في الشرق الأوسط في أن واشنطن لا تقدم بدائل لصفقات بكين المغرية.

يمكن للولايات المتحدة أن تحاول إجبار الإمارات، على سبيل المثال، على الانسحاب من صفقة هواوي، لكنها لا ترغب في منحها خيارًا ثانيًا تنافسيًا.

وفي بداية التدهور المالي للبنان في عام 2020، ضغطت الولايات المتحدة على بيروت لمقاومة التحول إلى بكين من أجل الاستثمار في البنية التحتية اللبنانية المتدهورة، حيث أصدرت السفيرة الأمريكية دوروثي شيا تحذيرات تلفزيونية حول مخاطر "مصائد الديون" الصينية.

وخضعت حكومة رئيس الوزراء اللبناني السابق حسان دياب للضغوط، في حين رفضت الولايات المتحدة إلى حد كبير حكومته، التي اعتقدت أنها مدعومة من حزب الله، وكان التعاون الغربي مع الاقتصاد المتعثر ضئيلا أو معدوما.

وقالت تين هينان القاضي، الزميلة المشاركة في مركز أبحاث تشاتام هاوس: "لقد اشتدت الضغوط الأمريكية في السنوات الأخيرة، وخاصة منذ بدء مبادرة الحزام والطريق في عام 2013، ومع ذلك، في السياسة الدولية، لا يمكنك الضغط على الدول إلا عندما يكون لديك قوة كبيرة والوسائل لتقديم صفقة أخرى".

وأضافت: "إذا كانت الولايات المتحدة تريد حقا الضغط على الدول والفوز بما يسمى بالحرب الباردة الجديدة، فسيتعين عليها الابتعاد عن الخطابة، والبدء في طرح مشاريع حقيقية، وبعض النقود الحقيقية على الطاولة".

وقال فولتون إن الولايات المتحدة لا يمكن أن تدعى حسن الخلق فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان أو بشأن التجسس الذي تتهم الشركات الصينية مثل هواوي بممارسته، فعلى سبيل المثال، الفضائح الأخيرة التي تحيط بفيسبوك تضعف هذا الموقف.

وأضاف: "كنا نراقب ما يفعله فيسبوك وبعد إدوارد سنودن الذي أبلغ عن مخالفات من الصعب عليهم أن يقولوا إنه يمكنك الوثوق بنا لأننا أهل ثقة إذا فعلنا ذلك لأسباب ليبرالية وفعلوا ذلك لأسباب استبدادية، فهذه ليست قضية يجب طرحها هنا".

وفي غياب البديل التنافسي الغربي للتعاون الصيني فلا جدوي للحديث، فجذور الصين ستتعمق في المنطقة وستتوسع بسرعة وستختار البلدان التي تورطت في صراعات مهدرة إلى حد كبير خيارات تخدم مصالحها الاقتصادية.

وكما أوضحت أبوظبي المخاوف بشأن الوقوع في وسط التوترات المتصاعدة بين القوى الكبرى، فإن الرغبة في الصراع تتلاشى بسرعة.

وقال: "على الرغم من أن الولايات المتحدة في الوقت الحالي، مع نفوذ ضئيل للغاية، تجبر البلدان على الاختيار بين الولايات المتحدة والصين، فإن حقيقة أن البلدان لديها المزيد من الخيارات، والمزيد من القروض التي يمكن أن تأخذها من مجموعة متنوعة من الخيارات أمر جيد".

وأضاف: "وجود المزيد من البدائل على الساحة العالمية يمكن أن يكون شيئا جيدا للمنطقة واستقرارها".