بشار جرار يكتب عن إبداء الأمير الأردني حمزة الرغبة بالتخلي عن آخر ألقابه الملكية: تراجع أم مراجعة؟

الشرق الأوسط
نشر
6 دقائق قراءة
الأمير حمزة بن الحسين والأميرة نور يحضران حفلا في عمان في 25 مايو 2004 للاحتفال بالذكرى 58 للاستقلال عن بريطانيا
الأمير حمزة بن الحسين والأميرة نور يحضران حفلا في عمان في 25 مايو 2004 للاحتفال بالذكرى 58 للاستقلال عن بريطانياCredit: Salah Malkawi/Getty Images

هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.

لا يخفى على أحد، من سرتهم أنباء "الفتنة" في الأردن. عام انصرم، وشهر انقضى على الفتنة و"الصلحة" حيث رسالة الأمير حمزة للملك عبد الله الثاني الودية بما حملت من صيغ الإقرار بـ “الأخطاء" والاعتذار العلني عليها، مما سر خاطر الأردنيين ومحبي الأردن. فلم كانت الرجعة؟ أ تراجع كان أم مراجعة؟ هل في الأمر غلبة لما أريد تصويره بالنزعة الصوفية أم أن الأمر كان ومازال سياسيا محضا وشخصيا أيضا؟ من الناحية الدستورية لا يملك الأمير -أي أمير- من أمره شيئا فيما يخص منح الألقاب أو استردادها، فذك حق حصري وميزة وعطية من عطايا الملك وحده.

في الملكيات خصوصا، ونظم الحكم التاريخية عموما، لا تصل الأمور إلى حد الإفصاح عن الخلاف أو التصدي له أو لأي طموح إلا في الضرورة القصوى. الشفافية في هذه الأمور هي بمثابة الملاذ الأخير. ومما يزيد تعقيد الأمور، أن للخلاف في هذه المسائل أبعاد شخصية وأسرية ووطنية وهي فيما يخص الهواشم مسألة أكثر حساسية لأسباب دينية وتاريخية. يستحضر الناس وليس بالضرورة الأطراف المعنية مباشرة بالقضية، يستحضرون التاريخ كشاهد على ذلك القرار إقبالا أم امتناعا أو تخليا..

وليسمح لي القراء الكرام بالإشارة إلى تجربة شخصية عرفتها كإعلامي يوم قرر العاهل الأردني الراحل العظيم الحسين بن طلال تغيير ولاية العهد عام ١٩٩٩. يومها كان القرار صادما مشحونا بالعواطف الجياشة وكان في أحد أبعاده يتضمن مشاعر عميقة مركبة إزاء "قرة عينه" وولي عهده الأمين الأمير الحسن الذي ضرب أروع الأمثلة في أن صدع للأمر الملكي السامي ولرغبة الأخ الأكبر وعميد آل البيت بعد 3 عقود من تحمل أمانة ولاية العهد والتي كانت دستوريا لأكبر أنجال الحسين وهو عبد الله الثاني، ملك الأردن الحالي.

لمست – ولا أذيع سرا بذلك – اندفاع البعض عن نبل مقصد أو (سوء تقدير أو نية)، بتوظيف الشبه الجسدي والصوتي ورعايته بتفاصيل أخرى إلى حد التقمص. ثمة إصرار على تمييز حمزة عن سائر أنجال الحسين فيما يخص التشابه وبالتالي تولي الحكم من بعد الحسين وهو ما يخالف وصية الحسين وإرادته الملكية التي تبقى محكومة بالدستور من حيث انتقال ولاية العهد لأكبر أنجال الملك.

حتى ساعة كتابة هذه السطور، تجاهل الديوان الملكي الهاشمي بيان الأمير حمزة. وككل مرة، صمت مسؤولون حاليون وآخرون سابقون عما جرى بانتظار توجيه أو توجه من قبل المراجع العليا للدولة. وفي مسألة على هذا القدر من الحساسية، تقتضي الأصول، الانتظار ودون سؤال ما يقرره الملك شخصيا. سبق وأن كشف جلالته في رسالته العلنية العام الماضي مدى الألم الذي أحس به جراء تلك "الفتنة".

لا يسمح المحب لنفسه الدخول علانية في تسوية خلاف الأسرة – أي أسرة، لكن الأمر مختلف كليا عندما تكون القضية بالفعل فتنة ثمة من يصر على "إيقاظها". فمن يكون "محراك الشر" في تلك الفتنة؟ هل من عاقل يحب حمزة أو عبد الله الثاني أو الهواشم أو الأردن، يريد رفض "المسار العائلي" الذي حمى الأمير من تبعات قانونية شملت أحد الأشراف (سليل أم هاشمية من أب غير هاشمي) ورئيسا سابقا للديوان الملكي الهاشمي.

محاكمة حمزة -لا قدر الله- أمام محكمة أمن الدولة لا تعني سوى التأزيم، ومغادرته البلاد وتغريده خارج السرب بمعارضة أكثر حدة وصدامية – لا سمح الله – ستشكل سابقة في غاية الخطورة. مجرد إعادة تغريد الملكة نور والدة الأمير حمزة ببيانه يعيد الفتنة إلى بداياتها الأولى وقد تلقفتها أسماء حقيقية ووهمية معروفة بعدائها للأردن وطنا وشعبا وليس نظاما وأسرة فقط.

نذكر استقبال العاهل الأردني في البيت الأبيض كأول زعيم عربي يلتقي الرئيس الأميركي جو بايدن. نذكر كلمته بأن للملك "صديق في واشنطن". حفاوة بالغة وحميمية كبيرة عبرت عنها جميع أركان الدولة ومؤسسات الحكم في أمريكا، ناهيك عن الإفصاح عن دور السفارة الأميركية في عمان في كشف خيوط المؤامرة والتنسيق مع دائرة المخابرات العامة في الأردن لوأد الفتنة في مهدها. فما الذي يريده من يحرض سمو الأمير على تضمين بيانه ما ينم عن نية تعميق الخلاف وتأزيمه؟

نسأل الله حمايتنا مما يسمى "لحظة التخلي" وهي لدى الصوفيين -في الأديان السماوية كافة- تعني تخلي الله عن الإنسان فيكله إلى نفسه ومن يظن أنه معه. للأردن قصة مع نيسان (إبريل) عشناها ١٩٨٩ حيث استغلت بعض القوى ما سماه الحسين "توترات اقتصادية اجتماعية". أخذ الحسين زمام المبادرة، قطع الطريق عليهم جميعا – داخليا وخارجيا – وأعلن "استئناف الحياة الديمقراطية البرلمانية" فانتهت "هبة نيسان" بخير وسلام.

هذه الفتنة، ستنتهي ككثير من فتن وأزمات سابقة، ربما بأدوات أكثر حزما ومرونة والأهم بإعلام أكثر صدقا ومبادرة.. التجاهل والصمت يكون أحيانا بمثابة تخلي، تخلي عن تحمل مسؤولية المواجهة. فالمعركة مازالت معركة وعي، هي وحدها الكفيلة بالتصدي للأوهام.