رأي: بشار جرار يكتب عن خامس انتخابات إسرائيلية في 3 سنوات.. هل تُعيد نتانياهو؟

الشرق الأوسط
نشر
5 دقائق قراءة
رأي بشار جرار

هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.

كأي شخصية ميّالة إلى الحسم تتولد من حولها الانقسامات ومنها ما يتطور إلى عداوات. لكن السياسة في طبيعتها متحركة وأقوى محركاتها تبقى المصالح مهما تجملت بالشعارات الانتخابية.

لم يكن عبثًا تمحور الانتخابات الأخيرة في إسرائيل حول الموقف من أطول رؤساء الوزراء في تاريخها بنيامين نتانياهو -12 عاما دون انقطاع. وها هو رئيس الائتلاف الحكومي يتخذ موقفًا منسجمًا مع ولائه لليمين وللديمقراطية بمعاييرها الغربية. نفتالي بينيت الذي دعا الكنيست إلى حل نفسه، أعلن صراحة أنه لن يصوت على مشروع قانون يحظر على من تحوم حوله تهم فساد أو أحكام جنائية الترشح للانتخابات وتشكيل حكومة، وهو قرار استهدف بوضوح نتانياهو، ومن المستبعد حصوله على مصادقة الكنيست.

حزبيا يعلم نتانياهو – مؤيدوه ومعارضوه – أنه الأقوى في معسكر اليمين الذي ما زال غلاّبا في إسرائيل منذ رحيل رموز اليسار الكبيرة كيتسحاق رابين وشمعون بيريز.

بلغة الأرقام يمتلك اليمين في الكنيست الحالي 72 مقعدا، عشرون منها ناصبت نتانياهو العداء علانية، رافضين عودته إلى رئاسة الحكومة حتى وإن كان الثمن خسارة اليمين ودخوله ائتلاف مع خصومه ومنافسيه.

الأشهر الأخيرة من حكومة بينيت زادت من أهمية ما أظهرته الانتخابات الأخيرة، وهي القوة المتنامية لأصوات العرب الإسرائيليين. الانقسام والضعف الذي تميزت به حكومة الرأسين نفتالي بينيت – يائير لابيد شكّل عاملًا مشتتًا وأحيانا معطلًا لملفات حساسة في السياسة الخارجية لا بل وحتى الداخلية ذات التماس مع الجوار والحليف الأكبر أمريكا. من الأمثلة، تعامل الحكومة الإسرائيلية مع ملفات إيران، الاستيطان، حي الشيخ جراح، الحرم القدسي الشريف المعروف أيضا وفقا للأمم المتحدة بجبل الهيكل..

التوترات الأخيرة في قبة الصخرة والحرم، لاقت مواقف لافتة من داخل البيت الإسرائيلي الحكومي والتشريعي تمثّل بدعم نائب وزير في ديوان رئاسة الوزراء الإسرائيلية رئيس القائمة العربية الموحدة في الكنيست منصور عباس لموقف الأردن فيما يخص دور المملكة الأردنية الهاشمية في الوصاية على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس.

في حال عودة نتانياهو دون الرقم المطلوب –61 مقعدا - لتشكيل أغلبية تقيه ضغوطات الأحزاب الدينية والعربية، ستكون على الأرجح آخر حكوماته، مما يؤهله للمجازفة التاريخية كصانع سلام على غرار رابين الذي تعرّض للاغتيال وضاعت معه ما عرف بـ “وديعة رابين" التي قيل إنها كانت ستفاجئ الجميع باتفاق سلام مع سوريا يتضمن ترتيبات أمنية ودفاعية أميركية خاصة تضمن أمن إسرائيل بعد انسحابها ولو جزئيا من مرتفعات الجولان بما يوفر أرضية حلم لطالما اشترطه الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد بأن يضع قدميه على شاطئ طبرية.

نتانياهو يملك الآن بفضل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الجولان والقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل رغم معارضة عربية وإسلامية ودولية. فماذا سيجد سلفه جو بايدن أمامه بعد 3 أسابيع ليتحقق فيما يخص السلام الفلسطيني الإسرائيلي والعربي الإسرائيلي؟ يصل منتصف تموز المقبل قبل نحو ثلاثة أشهر من خامس انتخابات إسرائيلية في ثلاث سنوات. لن تكون فرصة للحسم قبل تشكيل الحكومة في حين الغموض مازال سيد الموقف في المقاطعة ب (رام الله) فلا أحد يدري كيف ستتم وراثة الرئيس الفلسطيني محمود عباس فصائليا (فتح) وتنظيميا (المنظمة) وسلطويا (السلطة)، فالحسم مطلوب داخليًا على الساحة الفلسطينية أيضا، ناهيك عن الواقع السياسي الذي خلّفه اتفاق غزة-أريحا أولا وانسحاب رئيس وزراء إسرائيل الراحل آرائيل شارون من غزة. تلك الانسحابات "من طرف واحد" سواء من القطاع أو جنوب لبنان، تبيّن أنها كانت تعدّ لما صار عليه الحال على الجانبين الفلسطيني واللبناني!!

الخلاصة، أن كثيرًا ممن اختلفوا مع ترامب ونتانياهو والذي كان محل لوم لاذع جراء تهنئته السريعة نسبيًا لبايدن، قد يضطرون للتعامل مع الشخصيتين بعد عامين. ولكم أن تتخيلوا حال "الأفق السياسي" لعملية السلام بمساراتها المدريدية كافة! لنتذكر أن في مؤتمر السلام "التأسيسي" العتيد كان إسحق شامير رئيسا للحكومة، ونتانياهو الناطق الرسمي باسمها في مؤتمر السلام الدولي الذي دعا إليه الرئيس الأمريكي الراحل جورج بوش الأب.

القطار لا ينتظر أحدًا كما قال وزير خارجيته المخضرم جيمس بيكر.. لا ينتظر أحدا بمن فيهم نظام الملالي في إيران الذي قطعًا سيسمع خطابًا مختلفًا في حال عودة ترامب ونتانياهو..