سلمان الأنصاري يكتب لـCNN عن جولة محمد بن سلمان: السعودية تشارك في رسم شكل النظام العالمي الجديد

الشرق الأوسط
نشر
7 دقائق قراءة
محمد بن سلمان
Credit: GettyImages

هذا المقال بقلم المحلل السياسي السعودي سلمان الأنصاري، مؤسس ورئيس لجنة العلاقات العامة السعودية الأمريكية (سابراك)، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.

أشعر بالاطمئنان أن ثمة قائد سعوي وعربي ومسلم في قوة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، على الساحة في هذه المرحلة المهمة من تاريخ المنطقة والعالم بكل ما يتمتع به من رؤية وعمق وحزم حيال التعامل مع المهددات السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والإيديولوجية التي تواجه المنطقة وشعوبها. كما لا يمكن التعاطي مع جولة الأمير محمد بن سلمان، التي شملت مصر والأردن وتركيا، بمعزل عن الأحداث السياسية والاقتصادية والأمنية الإقليمية والدولية.

إنها زيارة بعيدة عن خصوصية العلاقات السعودية مع الدول التي شملتها، فهي أيضًا تتزامن مع تطورات تحدث أو حدثت أو ستحدث في المستقبل تطال المشهد العالمي، بداية من التهديدات التي يمثلها امتلاك النظام الإيراني للسلاح النووي، وآثار الحرب الأوكرانية – الروسية، وملف الطاقة، وحتى موقف الولايات المتحدة من هذه التطورات وتحركاتها حيالها سلبًا أم إيجابًا، وهي جميعها على ما يبدو ملفات على طاولة القيادة في المملكة تخضع بشكل دقيق للمتابعة والتحليل.

إن جولة ولي العهد هي بمثابة تعبير عن ما تكنه دول المنطقة تجاه الأمير محمد بن سلمان، خصوصًا وأنها جاءت تلبية لدعوة تلقاها من قيادات تلك الدول، ما يعني أنه إضافة إلى ما يتمتع به من مكانة في المملكة ومنطقة الخليج، فهو أيضًا يتمتع بامتداد إقليمي قوي من دول تعد فعليًا إضافة إلى المملكة العربية السعودية هي محور ارتكاز الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والعالم، وهذا جانب على درجة عالية من الأهمية في رسم مستقبل المنطقة أو التعاطي معها من أي طرف من أطراف القوى العالمية. هنالك متغيرات كبرى في المنظومة الدولية؛ ويبدو بأن الرياض حريصة على أن تكون أحد أهم راسمي شكل وطبيعة النظام العالمي الجديد؛ فنحن في زمن إن لم تبادر فيه بصناعة التأثير فستصبح خاضع للمتغيرات المستحدثة من القوى العالمية الأخرى.

وأنا لا أرى أن التباين في بعض المواقف بين دول المنطقة قد يقوض التحالفات، فتاريخيًا لا توجد دولتان متطابقتان في كل المواقف والرؤى، وهذا الأمر تثبته تحركات القيادة في المملكة العربية السعودية ممثلة في خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وأي متابع للشأن السعودي يكتشف التميز السعودي في التعامل مع كل التباينات الدولية بالشكل والقدر الذي يضمن مصلحة الرياض ومصالح الأطراف الأخرى كذلك، وهذه نقطة تتميز بها السياسة السعودية خصوصًا في الوقت الحالي، أما موضوع تأثير العقائد السياسية للدول في تشكيل التحالفات من عدمه، فهو أمر ليس صحيحًا على طول الخط، وثمة شواهد تاريخية تكشف ذلك، منها على سبيل المثال لا الحصر شكل وطبيعة العقيدة السياسية لدول الحلفاء في الحرب العالمية الثانية 1945، فقد ضمت الولايات المتحدة ذات التوجه الرأسمالي الليبرالي، والاتحاد السوفيتي ذات التوجه الشيوعي الاشتراكي، وضمت فرنسا الجمهورية الثورية بطبعها، وبريطانيا الراسخة في النظام الملكي، ولم يمنع هذا التباين في الشكل والجوهر من نجاح اجتماع هذه الدول وتحالفها بل وانتصارها كذلك، ما أريد الإشارة إليه هنا أن التباينات في العقيدة السياسية للدول رأسمالية ليبرالية كانت أم شيوعية أم ثورية أم ملكية أم محافظة لا تمنع من الاتفاق والعمل المشترك على تحقيق أهداف الأطراف كافة، إن توفرت لديها الإرادة في ذلك.

ومن وجهة نظري فإن الدول الثلاث التي شملتها جولة ولي العهد، لكل منها شكل سياسي مختلف عن الآخر، الجامع بينها هو قدرة المملكة على التعامل مع هذه الاختلافات بقوة وحنكة، وهي بالمناسبة تعاملات ليست ضد أحد أو تهدد أحد، بل هي في صالح الأمن والاستقرار الإقليمي وتحقيق التنمية والازدهار لشعوب المنطقة بعد سنوات عجاف واجهت فيها المنطقة منذ 2011- وما زالت – خطر الإرهاب وانفلات جماعات الفاشية الدينية كجماعة الإخوان التي أرادت أن تنقل للمنطقة العربية تجربة الخميني في إيران 1979، وغيرها.

إن، المملكة الآن تقوم بدورها كدولة قائدة للعالمين العربي والإسلامي، ودولة مسؤولة عضو في مجموعة العشرين، للملمة حالة الفوضى التي تسببت فيها كل تلك الأحداث بالأخص منذ 2011 وحتى الآن في 2022، والذي كان النظام الإيراني محركًا رئيسًا لها ليس في منطقة الشرق الأوسط فقط بل في العالم أجمع، وتقوم المملكة كذلك بمواجهة حالة الانفلات في تكوين ونشر الجماعات والميليشيات المسلحة المؤدلجة مثل ميليشيا الحوثي الإرهابية في اليمن، وما ترتكبه من مجازر يومية بحق الشعب اليمني، وما تمثله أيضًا من تهديدات واضحة للأمن الدولي وممرات الملاحة الدولية، ومثل ما يفعله حزب الله من تغول في لبنان حد سلبه كل صور سيادة الدولة اللبنانية، ومثل ما يحدث في سوريا وغيرها، وهي جميعها أمور تتطلب جهودًا دولية لمواجهتها، ومن خلال متابعة التحركات السعودية على الساحة الدولية، فإن توجيهات الملك سلمان بن عبدالعزيز، لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، جميعها تصب في صالح مواجهة هذه الانفلاتات وتدفع نحو استقرار المنطقة والعالم.

وفي هذه الجولة برز لكل متابع أن المملكة العربية السعودية هي مركز صناعة وتوحيد القرار السياسي في منطقة الشرق الأوسط، بعد حالات التشرذم التي شهدتها المنطقة طوال أعوام ماضية، إضافة أيضًا إلى النتائج الإيجابية فيما يتعلق بالاتفاقات الاقتصادية الموقعة بين المملكة من جهة والدول الثلاث، مثل الاتفاقات مع مصر والتي بلغت نحو 14 اتفاقًا بقيمة 7.7 مليارات دولار، والاتفاق مع المملكة الأردنية في دعم البنية التحتية بها ومن بينها مشاريع بنحو 2.5 مليار دولار، وإعادة الزخم للعلاقات الاقتصادية السعودية – التركية مجددًا، وغيرها من النتائج التي تعود على الأطراف كافة بالفائدة.