تحليل: رئيس الصين في السعودية.. رسالة إلى الولايات المتحدة من حلفائها الخليجيين

الشرق الأوسط
نشر
9 دقائق قراءة

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- عندما يصل الرئيس الصيني شي جين بينغ، إلى العاصمة السعودية، الرياض في الساعات المقبلة، من المتوقع أن يستقبله القادة السعوديون بأبهة وأجواء مخصصة عادة للحليف الاستراتيجي الأهم للمملكة، وهي الولايات المتحدة الأمريكية.

وستشمل الزيارة التي تستغرق عدة أيام، انعقاد مؤتمرين يجمعان قادة من جميع أنحاء العالم العربي، كما سيتم توقيع عشرات الاتفاقيات التجارية والاقتصادية والعسكرية التي تصل قيمتها إلى عشرات المليارات من الدولارات.

وسوف يتعامل القادة السعوديون مع الزيارة بمزيد من الاهتمام، إذ من المرجح أن يتم إجراء رقصات السيف التقليدية في حفلات الاستقبال الفخم، وقد يمنح العاهل السعودي - أو ولي عهده القوي الأمير محمد بن سلمان - الزعيم الصيني بعض الأوسمة والميداليات، بهدف التأكيد على الشراكة العميقة بين بكين والرياض.

وسيذكرنا ذلك بطريقة التعامل غير المزخرفة، التي تلقاها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب خلال زيارته للرياض في عام 2017. إذ كانت تلك الزيارة أيضا، حدثا مصممًا بعناية للإبهار لمدة ثلاثة أيام، حتى لو كان في بعض الأحيان التصور مختلفا، حينما ظهر ترامب في صورة وهو يلمس كرة متوهجة.

وسيكون الترحيب بالرئيس شي على السجادة الحمراء بعيدًا كل البعد عن شكل الترحيب بزيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الرياض هذا الصيف، حيث استقبل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الرئيس الأمريكي بقبضة يده، ثم أحرجه علنا خلال اجتماع مائدة مستديرة متلفز، وأعلن عن زيادة محدودة في إنتاج النفط لا تلبي المطالب الأمريكية. وبينما أعلن الأمير محمد بن سلمان القرار، تحول تركيز التلفزيون السعودي الحكومي إلى بايدن الغاضب بشكل واضح، والذي بدا وكأنه قد فوجئ بما حدث. وبعد أشهر، ضاعفت المملكة العربية السعودية خفض إنتاج النفط.

ومن خلال إظهار التناقض الحاد مع زيارة بايدن، فإن رحلة شي إلى المملكة العربية السعودية تحمل رسالة ضمنية إلى الولايات المتحدة. على الرغم من مناشدات واشنطن المتكررة لحلفائها العرب في الخليج لرفض الجزرة التجارية التي تقدمها الصين، تستمر علاقة المنطقة مع بكين في التطور، ليس فقط في التجارة، ولكن أيضا في الأمن.

وحول الزيارة، قال عبد الخالق عبد الله المحلل الإماراتي والزميل الزائر في جامعة هارفارد لشبكة CNN، إن "الرسالة الأولى هي أن هذه سعودية جديدة، هذا خليج جديد، هذا واقع جديد، الواقع الجديد هو أن الصين تنهض وآسيا تنهض، وسواء قبلت الولايات المتحدة ذلك أم لا، علينا أن نتعامل مع الصين".

وبحسب ما قال دبلوماسي عربي رفيع المستوى لشبكة CNN في وقت سابق هذا الأسبوع، فإن القمة تمثل "علامة فارقة" في العلاقات الصينية- العربية، كما تمثل انتصارا دبلوماسيا كبيرا لمحمد بن سلمان.

فلسنوات تم تجميده من قبل الغرب بعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول عام 2018، والآن سيعقد محمد بن سلمان، اجتماعات مع شي، وما لا يقل عن 14 من القادة العرب الآخرين.

وفي الوقت نفسه، بالنسبة للصين، تمثل الزيارة فرصة لتوسيع بصمتها الجيوسياسية في الفناء الخلفي السابق للولايات المتحدة، كما تحتاج بكين أيضا إلى المزيد من النفط السعودي، حيث بدأت مؤخرا في تخفيف إجراءات مكافحة وباء كورونا.

وقبل عقدين، كان قادة الصين أشخاصًا غير مرغوب فيهم في المملكة العربية السعودية المعادية للشيوعية. وفي ذلك الوقت، كانت الولايات المتحدة أكبر مستهلك للنفط من السعودية، واليوم، تستهلك الولايات المتحدة جزءا بسيطا فقط من النفط السعودي، في حين أن الصين هي أكبر شريك تجاري للمملكة العربية السعودية، إذ تجاوزت الصادرات السعودية إلى الصين 50 مليار دولار العام الماضي، وهو ما يمثل أكثر من 18٪ من إجمالي صادرات المملكة.

وأدت العلاقة المتغيرة إلى تحول في مواقف الولايات المتحدة تجاه حلفائها العرب، ففي عام 2016، عندما وقعت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما اتفاقا نوويا تاريخيا مع إيران، قامت واشنطن بإبعاد حلفائها العرب في المنطقة، أعداء إيران القدامى، عن عملية التفاوض بشأن الاتفاق، كما بدأ التردد فيما يتعلق بتسامح الولايات المتحدة مع أسلوب الحكم الاستبدادي في الخليج، وسجله السيئ في مجال حقوق الإنسان، وتضاءل الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، وقد كان هذا التواجد الأكبر في العالم.

وعلى نحو متزايد، بدأ قادة الخليج يتحدثون علنا عن شرق أوسط ما بعد أمريكا. وقال مسؤولون إن دول الخليج ستضطر إلى شق طريقها دون ضامنها الأمني الرئيسي، الولايات المتحدة. ويبدو أن هذا الموقف قد عجل بموجة تطبيع العلاقات مع إسرائيل بدعم من ترامب، والمعروفة باسم اتفاقيات أبراهام، على الرغم من استمرار شعبية القضية الفلسطينية بين الجماهير العربية. كما أدى إلى تقارب على مضض بين السعودية وإيران، واستعادة كاملة للعلاقات بين أبو ظبي وطهران.

وعلى مدار العام الماضي، يبدو أن دول الخليج العربية عززت سياستها المستقبلية، وبينما ساروا على مدى عقود على قدم وساق مع نهج السياسة الخارجية للولايات المتحدة، إلا أنهم خرجوا مؤخرا عن الخط، كما أوضح قادة دول الخليج أن العلاقات المتنامية مع روسيا ستبقى ولن تتأثر، بعد أن شنت روسيا الحرب على أوكرانيا هذا العام، مما أعاق جهدا دوليا لعزل موسكو. وفي بعض الأحيان، بدا أن قادة الخليج يعملون مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن سياسة النفط.

وفيما يتعلق بالصين، قلل الخليج من التحذيرات العديدة من الولايات المتحدة بشأن الشراكات المتنامية مع بكين والشركات الصينية، وفي العام الماضي، اتهم المسؤولون الإماراتيون، الولايات المتحدة بـ"التنمر" عليهم، لمطالبتهم بإغلاق منشأة صينية على الأراضي الإماراتية، عندما هددت الولايات المتحدة بعدم عقد صفقة تاريخية لبيع طائرات مقاتلة من طراز F-35 إلى الإمارات العربية المتحدة، إن أتمت الإمارات صفقة 5G مع شركة التكنولوجيا الصينية العملاقة هواوي، في حين تابعت أبو ظبي تنفيذ الاتفاقية.

وتتطور العلاقة مع الصين عسكريًا أيضًا، مما يثير استياء الولايات المتحدة. وقال المحلل السعودي علي الشهابي: "السعودية، بالطبع، ليست غير مبالية بالولايات المتحدة التي لا تزال شريكا رئيسيًا، لكن المملكة تعلمت بطريقة صعبة، أن الولايات المتحدة لا يمكن الاعتماد عليها باستمرار للحصول على الدعم، ويجب على المملكة أن تتغلب على هذا الواقع وأن تطور علاقات رئيسية متعددة في عالم متعدد الأقطاب بشكل متزايد، هذه عملية بدأت منذ بضع سنوات ولا رجوع فيها". وأضاف أن "زيارة (شي) ستكون زيارة دولة تتوج هذه العلاقة المتنامية مع الصين".

وعندما زار ترامب الرياض عام 2017، كانت هذه أول رحلة خارجية له كرئيس، وبدا كأنه يشير إلى تحول في مسار إدارة أوباما التي فكت ارتباطها بالمنطقة، فقد كانت أمريكا تقف في زاوية الخليج العربي مرة أخرى، وكان عرب الخليج يحتضنونه بأذرع مفتوحة، مما وضع أسس لعلاقة مفعمة بالنشاط بين الرياض وإدارة ترامب.

وبينما كان محمد بن سلمان يشدد قبضته على المعارضة والتي بلغت ذروتها بمقتل خاشقجي، كان دعم ترامب للأمير الشاب ثابتا. وبدا أيضًا أن ترامب، ولو جزئيًا على الأقل، يلبي مطالب المملكة بالانسحاب من اتفاق أوباما النووي مع إيران، وفرض سيل من العقوبات على إيران على الرغم من التزام طهران من جانبها بالاتفاقية.

ولكن بعد ذلك في عام 2019، أمطرت الصواريخ التي أطلقها المتمردون الحوثيون اليمنيون المدعومون من إيران، منشآت النفط في السعودية، مما أوقف ما يقرب من نصف إنتاج المملكة النفطي.

ولم تأت إدارة ترامب لإنقاذ حليفها، ورأت دول الخليج العربية، أنه لم يعد من الممكن الاعتماد على الولايات المتحدة لضمان أمن المنطقة، بغض النظر عمن يجلس في المكتب البيضاوي.

وبينما يستعد شي للوصول، قال المحلل الإماراتي عبد الخالق عبد الله: "إذا كانت أمريكا في حالة مزاجية للسعي إلى علاقة أفضل، فيجب أن تكون أكثر التزاما، وإذا لم نحصل على هذا، فقد يكون الوقت قد حان لكل منهما للتخلي عن الآخر، تدريجيا وببطء.. الكرة في ملعب واشنطن".