هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
بشرى خير ونزلة صاعقة. كان خبر الاتفاق الثلاثي الصيني السعودي الإيراني في بكين الجمعة بمثابة بشرى نجاح وساطة دولية كبرى، لم تغب عنها بشكل أو بآخر موسكو وواشنطن، ونجاح وساطتين إقليميتين هما بغداد ومسقط.
وإن كان من شبّه "اتفاقات إبراهيم" بزلزال جيوسياسي في الشرق الأوسط، فإن ما نشهده في حال تطبيق الاتفاق سيكون بمثابة تسونامي جيوسياسي. دخول بكين كضامن لإنهاء أربعة عقود من التوتر الذي صار عنيفا على الأقل بالوكالة بين السعودية وإيران منذ نحو عقدين، في أربع ساحات عربية، أقربها جغرافيا اليمن والعراق، وسياسيا سوريا ولبنان.
هذه هي الساحة الشرق أوسطية الثانية التي تخسرها واشنطن والغرب عموما، بعد النفوذ الروسي في سوريا، المحرج لإدارة البيت الأبيض الذي تسببت "بضعفها" بأجواء أشبه ما تكون بعام ١٩٣٦ بحسب رئيس مجلس النواب الأمريكي، كيفين مكارثي في مقابلة مع فوكس نيوز الأحد. مكارثي صار بعد تسلمه مطرقة المجلس من نانسي بيلوسي التي استفزت التنين الصيني بزيارتها إلى تايوان في أواخر خدمتها، صار أقرب أكثر فأكثر إلى يمين الحزب، وإلى جناح الرئيس السابق دونالد ترامب الذي حذر مرارا من سياسات الرئيس جو بايدن وسلفه باراك حسين أوباما. أوباما خسر الحرب لصالح روسيا في سوريا وأوكرانيا، والآن بايدن يخسرها لصالح الصين، وقد صارا حليفين أكثر التصاقا بعد حرب أوكرانيا، خلافا لما أراده الناتو من "ردع مزدوج" لروسيا والصين معا.
تماما كما فشلت سياسة "الاحتواء المزدوج" التي اتبعها الحزبان الجمهوري والديمقراطي مع حكام إيران منذ تسلم خميني السلطة في طهران عام ١٩٧٩ قادما على متن إيرباص فرنسية من باريس. البيت الأبيض بطبيعة الحال، استبق مخاوف الجميع داخليا وخارجيا، واعتبر على لسان الجنرال جون كيربي الاتفاق الصيني بأنه ثمرة "ضغوط واشنطن" ودعمها للسعودية التسليحي والعسكري لردع إيران والحوثيين.
من الطبيعي أن تعظّم بكين وموسكو الاتفاق، وترحب به بحذر وشيء من التشكيك واشنطن وحلفاؤها أوروبيا وأطلسيا، لكن العبرة كما قال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان هي في "الالتزام بما تم الاتفاق عليه". فتح "صفحة جديدة" ليس على غرار مصالحات "تبويس اللحى" وإنما "إجراءات بناء ثقة" متبادلة في مقدمتها ما نص عليه الاتفاق: "احترام سيادة الدول" و "عدم التدخل في الشؤون الداخلية" و "تعزيز السلم والأمن الإقليمي والدولي". مثلث متساوي الأضلاع هو في حقيقة الأمر خط أحمر عريض يشطب حروب الوكالة وحروب الاستنزاف والتي تشمل الميليشيات والإرهاب والمخدرات.
روسيا كسبت جولة في سوريا وتعمل جاهدة لكسبها في أوكرانيا، فيما غاب الحل السياسي عن الساحتين. الصين الآن تطرح نفسها كبديل والأهم كضامن لأكثر الملفات الأمنية والاقتصادية والسياسية تشابكا في الإقليم، وهو الملف الإيراني الذي يقترب من ساعتي صفر لا أحد يعرف استحقاقهما: البرنامج النووي والانتفاضة التي بدأت نسوية شبابية وصارت شعبية شاملة في إيران.
السؤال الكبير: هل نجحت لغة الوساطة بعيدا عن العقوبات الاقتصادية وتهديدات استخدام القوة، أم أن بكين تورطت كما تورطت روسيا فيما أرادت واشطن إعادة الانتشار فيه وإعادة الاشتباك عليه إقليميا ودوليا.. لن يطول أمد الانتظار، والمؤشرات الأولية العملية عربيا في المرصاد، ومنها إنهاء حرب اليمن، انهاء الاستعصاء والاستحواذ الأمني والسياسي في لبنان، ووقف حرب الاستنزاف بالسموم المسماة المخدرات.
الرابحون كثر، وفي مقدمتهم أطراف الاتفاق الثلاثي، لكن لا عزاء للخاسرين الذين تورطوا في حروب الوكالة. لن نذكرهم بالاسم فـ "سيماهم في وجوههم"، في خطاباتهم التي استدارت مئة وثمانين درجة بمجرد إشهار الاتفاق!