هذا المقال بقلم بيتر بيرغن محلل الأمن القومي في CNN، والآراء الواردة أدناه تعبر عن وجهة نظره.
نيويورك، الولايات المتحدة الأمريكية (CNN)-- قبل عقدين من الزمن، في 19 مارس 2003، أمر الرئيس جورج دبليو بوش بغزو الولايات المتحدة للعراق. كان بوش وكبار المسؤولين في الإدارة قد أخبروا الأمريكيين مرارًا وتكرارًا أن الديكتاتور العراقي صدام حسين كان مسلحًا بأسلحة الدمار الشامل وأنه متحالف مع القاعدة.
أدت هذه المزاعم إلى اعتقاد معظم الأمريكيين أن صدام متورط في هجمات 11 سبتمبر. في العام 2001، بعد عام من الحادي عشر من سبتمبر، قال ثلثا الأمريكيين إن الزعيم العراقي ساعد الإرهابيين، وفقًا لاستطلاع مركز بيو للأبحاث، رغم عدم وجود دليل مقنع على ذلك. ولم يكن بحوزته أسلحة الدمار الشامل التي زعم المسؤولون الأمريكيون وجودها.
هزمت القوات الأمريكية والبريطانية قوات صدام في غضون أسابيع، ولكن نشبت حركة تمرد ضد الغزاة استمرت لسنوات. عثرت قوات العمليات الخاصة الأمريكية في 13 ديسمبر 2003 على صدام مختبئًا في حفرة بحجم رجل واحد في شمال العراق.
قرر مكتب التحقيقات الفيدرالي أن جورج بيرو، العميل اللبناني الأمريكي الخاص في منتصف الثلاثينيات من عمره والذي يتحدث العربية، هو الشخص المناسب لاستجواب صدام. كانت أخلاقيات العمل لبيرو مثيرة للإعجاب: كان يصل إلى صالة مكتب التحقيقات الفدرالي الرياضية في وسط مدينة واشنطن العاصمة الساعة السادسة صباحًا للتمرين، حتى يتمكن من بدء العمل في الساعة السابعة صباحًا في مكتبه، الذي كان مليئًا بكتب تاريخ الشرق الأوسط.
لم يكن يمكن أن تكون المخاطر أكبر بالنسبة لمكتب التحقيقات الفيدرالي. تعرض بيرو لضغوط هائلة ليحصل من صدام على الحقيقة بشأن أسلحة الدمار الشامل العراقية وعلاقاته المزعومة بالقاعدة. اشتهر مدير وكالة المخابرات المركزية، جورج تينيت، بأنه قال لبوش إن قضية امتلاك صدام لأسلحة دمار شامل هي "ضربة قاضية".
تم تقديم حرب العراق للأمريكيين على أنها "نزهة". وبدلاً من ذلك، كان المئات من الجنود الأمريكيين قد قُتلوا بالفعل في العراق بحلول وقت اعتقال صدام.
استجوبت وكالة المخابرات المركزية صدام أولاً، وبعد ذلك على مدى سبعة أشهر، تحدث بيرو معه لساعات عديدة في اليوم، مع عدم السماح لأي شخص آخر بدخول غرفة الاستجواب. اكتشف من الديكتاتور العراقي أنه لا توجد أسلحة دمار شامل وأن صدام كان يحتقر أسامة بن لادن، زعيم القاعدة.
أكدت مناقشات الديكتاتور مع بيرو أن حرب العراق كانت الخطيئة الأصلية لأمريكا في فجر القرن الحادي والعشرين - حرب خاضتها بافتراضات خاطئة، صراع أسفر عن مقتل الآلاف من القوات الأمريكية ومئات الآلاف من العراقيين.
كما أضرت الحرب بمكانة أمريكا في العالم ومصداقية الحكومة الأمريكية بين مواطنيها. حتى التاريخ الرسمي للجيش الأمريكي في العراق خلص إلى أن الفائز الحقيقي في حرب العراق لم يكن أمريكا. كانت ... إيران.
بعد استجواب صدام، صعد بيرو إلى مناصب رفيعة في مكتب التحقيقات الفيدرالي، وتقاعد في يوليو كعميل خاص مسؤول عن مكتب ميامي الميداني. وهو الآن يكتب كتابًا عن استجواباته المطولة للديكتاتور العراقي لـ Simon & Schuster.
مع اقتراب الذكرى العشرين لبدء حرب العراق، تحدثت إلى بيرو حول ما يعتبره البعض أنجح استجواب في تاريخ مكتب التحقيقات الفيدرالي وتوابع الغزو الأمريكي للعراق، والتي لا تزال محسوسة حتى اليوم.
تم تحرير المحادثة بشكل طفيف من أجل الوضوح.
بيتر بيرغن: أخبرني كيف بدأ كل هذا.
جورج بيرو: تلقيت مكالمة عشية عيد الميلاد، حوالي الساعة الخامسة مساءً، من مسؤول تنفيذي كبير في قسم مكافحة الإرهاب. وأبلغني أنه تم اختياري للتو لاستجواب صدام حسين نيابة عن مكتب التحقيقات الفدرالي.
بيرغن: ماذا كان رد فعلك؟
بيرو: ذعر. في البداية -لأكون صادقًا- كان أمرًا مرعبًا أن أعرف أنني الآن سأستجوب شخصًا كان على المسرح العالمي لسنوات عديدة. بدت كمسؤولية كبيرة نيابة عن مكتب التحقيقات الفدرالي. ذهبت إلى Barnes & Noble واشتريت كتابين عن صدام حسين حتى أتمكن من تحسين فهمي عنه وكل الأشياء التي ستكون مهمة في تطوير استراتيجية الاستجواب.
لقد زرت العراق مرة واحدة، كأول عنصر من أفراد مكتب التحقيقات الفيدرالي هناك، وبدأت في تطوير فهمي للثقافة العراقية وحزب البعث، الذي كان يقوده صدام.
ولد صدام في 28 أبريل 1937 في قرية صغيرة تسمى العجوة (بالقرب من تكريت). كانت طفولته صعبة للغاية حيث لم يكن لديه أب، وتزوجت والدته من عمه الذي أصبح زوج والدته. نشأ صدام وعائلته في فقر مدقع، وفي البداية لم يتمكن من الذهاب إلى المدرسة، لكن تلك الطفولة شكلت الرجل الذي أصبح صدام.
غرست فيه طفولته رغبة عميقة في إثبات خطأ الجميع عنه وعدم ثقته بأحد، بل الاعتماد فقط على غرائزه. انضم إلى حزب البعث عندما كان شابًا، وكانت إحدى مهامه الأولى اغتيال رئيس الوزراء آنذاك. فشلت محاولة الاغتيال وأجبر صدام على الفرار من العراق. لكن عند عودته، كان يُنظر إليه على أنه رجل قوي، صورة كان يروج لها طوال حياته المهنية.
في أول لقاء لي مع صدام، في غضون 30 ثانية، عرف شيئين عني. أخبرته أن اسمي جورج بيرو وأنني كنت مسؤولاً، وقال على الفور: "أنت لبناني". أخبرته أن والديي لبنانيان، ثم قال: "أنت مسيحي". سألته إذا كانت هذه مشكلة، فقال كلا مطلقًا. لقد أحب اللبنانيين، وهم أحبوه. عندها قلت، "حسنًا، رائع. سوف نتعايش بشكل رائع." (كان صدام مسلما سنيا، في حين أن معظم العراقيين من المسلمين الشيعة).
بيرغن: كم استمريت مع صدام؟ وبالطبع، كنت تتواصل معه باللغة العربية، أليس كذلك؟
بيرو: حوالي 7 أشهر. في البداية، كنت أراه في الصباح. كنت أترجم لطاقمه الطبي. وبعد ذلك، كانت الاستجوابات الرسمية مرة أو مرتين في الأسبوع لعدة ساعات. مع مرور الوقت، بدأت أقضي المزيد والمزيد من الوقت منفردا معه لأنني تمكنت من التواصل معه مباشرة وبسرعة كبيرة. بعدها زدت ذلك ليصبح ما بين خمس وسبع ساعات كل يوم، وجهًا لوجه، ساعتين في الصباح، وساعتين بعد الظهر، ثم جلسة استجواب رسمية أو اثنتين في الأسبوع.
وتحدثنا عن كل شيء. في الشهرين الأولين خاصة، كان هدفي هو جعله يتحدث فقط. أردت أن أعرف ما يقدره في الحياة وما يحب وما يكره وكيف يفكر. لذلك تحدثنا عن كل شيء من التاريخ والفن والرياضة إلى السياسة. كنا نتحدث عن أشياء كنت أعرف أنه لن يكون لديه أي تحفظات أو تردد في الحديث عنها.
سألني الناس عن أول استجواب أجريته مع صدام قائلين: ماذا كان الموضوع؟ كانت غالبية الحديث في تلك المناقشة الأولى حول روايته المنشورة لأنني كنت أعرف أنه لن يكذب بشأن ذلك. وكنت قد بحثت في الكتاب ودرسته.
بيرغن: هل كانت رواية جيدة؟
بيرو: لا، لقد كانت رواية رهيبة، "زبيبة والملك".
بيرغن: ما هي الحبكة؟
بيرو: كانت زبيبة امرأة عربية جميلة، وكانت متزوجة من رجل عجوز فظيع. طبعا زبيبة تمثل العراق، والرجل العجوز يمثل الولايات المتحدة. أنقذ الملك، الوسيم والمندفع، زبيبة من بؤسها، وعاشا في سعادة دائمة. بالطبع، يمكنك تخيل من كان الملك. ...
الشيء الرئيسي الذي يمكن أن يعزز نتيجة الاستجواب هو الخبرة في الموضوع. من الصعب للغاية أن تكذب على خبير في موضوع ما. الآن، عندما تضيف ذلك من خلال إستراتيجية ونهج استجواب جيدين، فأنت بذلك تزيد من احتمالية نجاحك في الاستجواب. بصفتي عميل في مكتب التحقيقات الفيدرالي وخاصة بصفتي محققًا، كنت على علم أنني أريد أن أعرف كل ما يمكنني عن صدام لأن التناقضات هي مؤشرات على الخداع.
أردت أن أفهم صدام وأن أعرف صدام كما عرف نفسه. لأعطيك مثالاً: قرار صدام بغزو الكويت في العام 1990. لقد أجريت مقابلات مع جميع "المعتقلين ذوي القيمة العالية" الآخرين، وتحدثنا تحديداً عن هذا القرار. وكان هناك اجتماع حاسم قرر فيه صدام غزو الكويت. كنت أعرف مكان جلوس الجميع في غرفة الاجتماعات، وما الذي فعله صدام، وأين وضع حتى حزام سلاحه، وكيف وضعه.
لذلك، عندما كنت أتحدث إليه، كنت أطرح هذه التفاصيل الصغيرة لتعزيز مدى معرفتي ومدى صعوبة تحريف الحقائق أو الكذب بشأنها. يضع ذلك قدرًا هائلاً من الضغط على المحتجز عندما يواجه خبيرًا في الموضوع لأنه يجب أن يفكر مليًا قبل نسج أي نوع من الأكاذيب التي قد تنجح.
بيرغن: في ذلك الوقت، كانت وكالة المخابرات المركزية تدير "برنامج الاستجواب القسري". هل كنت على علم ببرنامج الاستجواب الموازي هذا، أم اكتشفته لاحقًا؟ وما رأيك في ذلك؟
بيرو: اكتشفت ذلك لاحقًا، وبالطبع لم أستخدم مطلقًا "تقنيات الاستجواب المحسّنة" كما أشير إليها. إنها ضد دستور الولايات المتحدة وسياسة مكتب التحقيقات الفيدرالي، وذلك يتعارض حقًا مع القيم الأساسية لمكتب التحقيقات الفيدرالي. لذلك، بالنسبة لي، لم يكن ذلك خيارًا لأنني لم أستخدمها مطلقًا، ولا أعرف كيفية استخدامها، ولا أريد ذلك. أشعر أنها تتعارض مع ما نحن عليه كدولة وما نمثله.
ما كان في صالحي، أنه قال لي مساعد مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، قسم مكافحة الإرهاب، "كن مستعدًا لقضاء عام مع صدام حسين." لذلك، لم يكن علي التسرع في هذه العملية. القيمة الاستخباراتية للمعلومات التي أردناها من صدام لم تتضاءل بمرور الوقت. كانت قيمة سواء حصلنا عليها في اليوم الأول أو بعد 365 يومًا. كان الأمر يتعلق بالحصول عليها. الأمر مختلف عما يحدث عندما تستجوب إرهابيًا، وهناك تهديد أو مؤامرة، وأنت تحت عقارب الساعة وهدفك هو منع هجوم ما. لذلك، بالطبع، سيكون أسلوبك مختلفًا.
ما أردنا معرفته مدفون في رأس صدام، وكان استراتيجيًا. وكان علينا جعله يشاركنا ذلك. لذا، كان تطوير استراتيجية استجواب فعالة طويلة الأمد هو المفتاح حقًا.
بيرغن: بعد الحادي عشر من سبتمبر، اعتقد العديد من الأمريكيين أن صدام كان متورطًا شخصيًا فيه. هل تحدث عنها؟
بيرو: كما تتذكر، كان هناك مسؤولون داخل وزارة الدفاع قد ادعوا قبل غزو العراق بأنه كان متورطًا عمليًا في هجمات 11 سبتمبر، وكان علينا تحديد ما إذا كان ذلك أمرًا واقعيًا أم لا. كانت هذه ثاني أعلى أولوياتنا. كانت أولويتنا برنامج أسلحة الدمار الشامل في العراق. والثانية مدى العلاقة بين القاعدة والعراق.
أخبرني صدام أنه لا يحب أسامة بن لادن ولا يؤمن بأيديولوجية القاعدة لأنها تهدف إلى إقامة دولة إسلامية في العالم العربي. حسنًا، لم يكن لدى صدام رغبة في تسليم السلطة أو التنازل عن أي شيء لشخص آخر. كان صدام يمزح عن أسامة بن لادن قائلاً: "لا يمكنك أن تثق في أي شخص له لحية كهذه."
وأكد المعتقلون العراقيون الآخرون عدم وجود علاقة عملياتية مع القاعدة. أود أن اقول إنه في أحسن الأحوال، كان كل منهما يقدم ما يريده الآخر، لكن لا يوجد أي التزام تجاه الآخر. أخبرني صدام أنه كان من الضروري معرفة ما الذي تركز عليه القاعدة، وبعد ذلك إذا كان بإمكانه التلاعب بها، فستكون هذه فائدة إضافية.
بيرغن: صدام كان علمانيًا، أليس كذلك؟
بيرو: أراد صدام أن يعتبر من أعظم القادة العرب المسلمين في التاريخ. كان يعتقد أنه ثالث أعظم محارب في تاريخ العرب والمسلمين.
بيرغن: هناك مع صلاح الدين؟
بيرو: نعم، كان النبي محمد، ثم صلاح الدين رقم 2، ومن ثم فهو رقم 3. لذلك، لكي يتم الاعتراف بصدام كهذا النوع من القادة والمحاربين العظيمين، يجب أن يُنظر إليه على أنه متدين. لكنه كان علمانيًا جدًا. فقد روج للقومية العربية مقابل المنظور الإسلامي. كان أكثر تركيزًا على الجانب العربي للعراق مقابل الجانب الإسلامي للعراق.
بيرغن: طارق عزيز وزير خارجيته مسيحي أليس كذلك؟
بيرو: نعم. كان طارق عزيز نائباً لرئيس الوزراء، في وقت من الأوقات، وزيراً للخارجية. كان كلدانياً، أي كاثوليكي، ولم يجبره صدام على التحول أو أي شيء من هذا القبيل. كان معظم موظفيه في قصوره والمواقع الرئاسية مسيحيين.
بيرغن: أسلحة الدمار الشامل: كيف تم تناول ذلك، وماذا قال؟
بيرو: عندما تم اختياري لاستجواب صدام، ذهبت إلى وكالة المخابرات المركزية في لانغلي (فيرجينيا). التقيت مسؤولين من الوكالة، وخاصة أولئك الذين يركزون على العراق وصدام. سُمح لي بمراجعة التقارير السابقة عن استجوابات وكالة المخابرات المركزية لصدام، وكان واضحًا جدًا بالنسبة لي أن صدام كان مترددًا وغير راغب في الحديث عن أسلحة الدمار الشامل والقاعدة، خاصة في البداية. كان شديد الحذر.
لذا، بالنسبة لي، لم أكن لأتحدث عن أسلحة الدمار الشامل أو القاعدة حتى شعرت أن صدام يمكن أن يكون صادقًا ومستقبلًا ومستعدًا لمناقشة الموضوع. ليس من المنطقي طرح شيء ما عندما تعلم أنه لن يرغب في تقديم إجابات صادقة أو الانخراط في الموضوع.
لقد وضعنا أسئلة أسلحة الدمار الشامل و(القاعدة) جانبًا، وكان التركيز الأولي هو تطوير علاقة ستكون حاسمة مع مرور الوقت وعندما يصبح من الضروري طرح تلك الموضوعات الصعبة أو الحساسة.
في عيد ميلاده السابع والستين، عندما كان في السجن وكنت أستجوبه، أتيحت الفرصة للشعب العراقي ليُظهر للعالم، والأهم من ذلك له، كيف كان يشعرون تجاهه. وقد فعلوا، وكانت كراهية عارمة.
كان العراقيون يحتفلون ليس بإجبارهم على الاحتفال بعيد ميلاد صدام، وفي ذلك اليوم شاهد ذلك في التلفاز. وقد كان لذلك أثر معنوي كبير عليه، وأثر عليه طوال اليوم. لقد جعله ذلك يشعر بالاكتئاب، وفي نهاية اليوم، كان الأشخاص الوحيدون الذين اهتموا بأن هذا اليوم هو عيد ميلاده واستغرق الأمر وقتًا ليعرفوا ذلك حقًا، هم عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي.
أعدت أمي بعض البسكويت منزلي الصنع، وأحضرته له، وتناولنا الشاي.
لقد استقطبت معنوياته، وكان ذلك جزءًا من عملية البحث باستمرار عن طرق مختلفة لتقوية هذه العلاقة لأنه قد جاء الوقت الذي قال فيه، "لا أريد الإجابة على أي أسئلة"، لكنه قال بعد ذلك، "لكن ما زلت أريد التحدث معك." ووصل الأمر إلى النقطة التي تمكنت فيها من أن أقول له، "اسمع، إذا كنت لا تريد أن تخبرني بشيء، فلا بأس، لكن لا تكذب علي. إنه أمر غير محترم."
لذلك، لم أقم بطرح الأمر المتعلق بأسلحة الدمار الشامل إلا بعد حوالي خمسة أشهر من الاستجواب.
بيرغن: وماذا قال لك؟
بيرو: إذن، ما قاله لي هو أن العراق، بالطبع، لم يكن لديه أسلحة الدمار الشامل التي كنا نشك في امتلاكه. كان صدام قد ألقى خطابا نقديا في يونيو العام 2000، وهو خطاب قال فيه أن العراق لديه أسلحة دمار شامل، والكثير من الناس أرادوا معرفة السبب - إذا لم يكن لديه أسلحة دمار شامل، فلماذا ألقى ذلك الخطاب؟ لذلك أرادوا مني أن أسأله عن الخطاب، وبحثت عن طريقة أو فرصة لطرح الموضوع وأكون قادرًا على إجراء محادثة صريحة معه حول الخطاب دون أن يدرك أنني كنت أستجوبه بشأن أسلحة الدمار الشامل.
وعندما أخبرني عن ذلك الخطاب، لم يكن أكبر أعدائه الولايات المتحدة أو إسرائيل. كانت إيران أكبر عدو له، وأخبرني أنه يحاول باستمرار تحقيق التوازن أو التنافس مع إيران. كانت أكبر مخاوف صدام أنه إذا اكتشفت إيران مدى ضعف العراق، فلن يمنعهم شيء من غزو جنوب العراق والاستيلاء عليه. لذا، كان هدفه إبقاء إيران في مأزق.
بيرغن: في تلك الفترة التي سبقت الغزو الأمريكي، كان يدّعي أنه يمتلك أسلحة دمار شامل أو كان غامضًا بشأنها لردع الإيرانيين عن غزو العراق. هل هذا ما تقوله؟
بيرو: بالتأكيد. لأن هذا كان أكبر تهديد له. لم تكن الولايات المتحدة، لقد كانت إيران، وكان يتعمد التضليل أو الغموض حيال ذلك. إذا كنت تتذكر ما قبل الحرب، فقد توصلت كل وكالات المخابرات حول العالم إلى نفس النتيجة التي مفادها أن العراق كان يمتلك أسلحة دمار شامل بسبب مواقف صدام، وبعض تصريحاته الغامضة وتاريخه السابق في استخدام الأسلحة الكيماوية والبيولوجية ضد شعبه وأيضًا تطوير برنامج أبحاث الأسلحة النووية. وقد عمل ذلك لصالحه عندما يتعلق الأمر بإيران.
بيرغن: وبالطبع، خلال ثمانينيات القرن الماضي، خاض العراق وإيران حربًا استمرت قرابة 8 سنوات قتل فيها مئات الآلاف من الجانبين. لذا كان ذلك يُشعره بقلق شديد حتى أكثر من الأمريكيين، أليس كذلك؟
بيرو: بالتأكيد، لأنه إذا كنت تتذكر، في البداية، كان الإيرانيون يحققون مكاسب كبيرة، على الرغم أنه تم تطهير الجيش الإيراني، على الأقل القيادة. لقد كانوا قادرين على الاستيلاء على بعض الأراضي العراقية في البداية خلال المرحلة الأولى من الحرب، وبعد ذلك كان الطريق مسدودًا.
وما كان نقطة تحول، أنه في العام 1987، كان العراق قادراً على إطلاق النار وضرب عمق طهران، لكن لم يتمكن الإيرانيون من الرد لأنهم لا يملكون قدرة الأسلحة التي يمتلكها العراق. لذلك لم يتمكنوا من تقديم نفس النوع من الرد. وهذا ما جعل طهران تجثو على ركبتيها وأجبر آية الله الخميني على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
لم يستطع صدام السماح للإيرانيين بإدراك أنه فقد تلك القدرة بسبب العقوبات الأمريكية وعمليات التفتيش على الأسلحة في العراق. لقد "خدع" عدوه الأكبر بالاعتقاد بأنه لا يزال قوياً وخطيراً كما كان خلال الإطار الزمني من 1987 إلى 1988.
سألت صدام: لو رُفعت العقوبات ماذا كنت ستفعل؟ قال: "كنا سنفعل ما يتعين علينا القيام به أو ما يجب علينا القيام به لحمايتنا". وهذه كانت طريقته في القول بأنه كان سيعيد تشكيل برنامج أسلحة الدمار الشامل الخاص به بالكامل.
بيرغن: هل فوجئ بالغزو الأمريكي؟
بيرو: لا، لم يتفاجأ عندما حدث ذلك. في البداية، لم يعتقد أننا سنغزو. إذا نظرت إلى غالبية العام 2002، فقد كان لديه انطباع بأننا سنقوم بضربات جوية، كما فعلنا في العام 1998، حملة القصف الأمريكية المسماة "ثعلب الصحراء"، والتي كانت عبارة عن غارات جوية استمرت أربع أيام، وكان قادرًا على المقاومة.
لهذا السبب بقي متحديًا حتى سبتمبر 2002، عندما أدرك أن الرئيس بوش ينوي غزو العراق. لذلك، غيّر موقفه أو وضعه وسمح لمفتشي الأسلحة بالدخول إلى العراق لمحاولة منع ذلك. ومع ذلك، أخبرني أنه بحلول أكتوبر أو نوفمبر 2002 على الأرجح، أدرك أن الحرب كانت حتمية، ثم بدأ في إعداد نفسه وقيادته وجيشه للحرب.
بيرغن: هل تعتقد أنه فوجئ بمدى السرعة التي أسقطت بها الولايات المتحدة نظامه؟
بيرو: أخبرني أنه طلب من قادته العسكريين الاستعداد لأسبوعين من الحرب التقليدية، ثم في تلك المرحلة، توقع اندلاع حرب غير تقليدية أو أن يبدأ التمرد، وهذا سيكون نوعًا أكثر صعوبة من حرب للولايات المتحدة.
بيرغن: حسنًا، اتضح أن هذا صحيح تمامًا. ... جزء كبير من استجوابك أصبح أساس محاكمة صدام، أليس كذلك؟ لقد تعمقت في جرائمه ضد شعبه، واستخدمت تلك الأدلة في النهاية في المحكمة ضده وأدت إلى محاكمته وإعدامه في النهاية. هل هذا صحيح؟
بيرو: هذا صحيح. لذلك، كان هدفنا الأساسي هو جمع المعلومات الاستخباراتية، والإجابة على السؤالين الرئيسيين اللذين أوصلانا إلى الحرب، ولكن أيضًا جمع أي دليل من شأنه أن يكون مفيدًا لمقاضاته في نهاية المطاف لأن الجميع أدرك، في مرحلة ما، أن صدام كان عليه أن يواجه العدالة على هذه الفظائع المروعة التي كان مسؤولاً عنها.
لذلك، ركزنا أيضًا على الأحداث التاريخية: تحدثنا عن غزو الكويت وقتل الأكراد بالغاز. لقد قدم صدام اعترافات انتقادية، ولم يقتصر الأمر على صدام فقط، بل قام بذلك جميع القادة الآخرين.
لذلك، تمكنا من جمع كل هذا النوع من الأدلة، وكنت محظوظًا بما يكفي لأن يُطلب مني تجميع التقرير الذي كان أساس محاكمة صدام. حددنا وتعرفنا على الشهود الذين نجوا من تلك الهجمات الذين كانوا على استعداد للسفر والمثول أمام المحكمة أمام صدام والإدلاء بشهاداتهم على جرائمه واستعدنا الوثائق والتسجيلات التي تدعم القضية.
بيرغن: السؤال الكبير بعد 20 عامًا هو، هل كان الأمر يستحق كل هذا العناء؟ عندما تنظر إلى العراق، هناك حرب أهلية قتل فيها مئات الآلاف من الناس. لم يكن للقاعدة أي وجود في العراق في عهد صدام، ولكن بعد الغزو الأمريكي، ظهر فرع قوي للقاعدة يعرف باسم القاعدة في العراق، والذي تحول في النهاية إلى داعش. ثم هناك انتشار للطائفية التي كانت موجودة دائمًا في الشرق الأوسط، ولكنها بلا شك تضخمت بفعل حرب العراق وامتدت إلى سوريا وأصبحت جزءًا من تلك الحرب الأهلية.
كان صدام انسانا فظيعا. إنه أحد أكثر الرجال دموية في أواخر القرن العشرين. ومع ذلك، في الوقت نفسه، حافظ على عدة أشياء في العراق، الذي كان لديه نظام تعليمي فعال وسكان متعلمون نسبيًا، لكن كل ذلك اختفى بسبب الغزو الأمريكي. فما تعليقك على كل هذا؟
بيرو: هذا سؤال صعب للغاية. صدام هو أحد أكثر الديكتاتوريين وحشية في عصرنا، وكان مسؤولاً عن بعض أفظع الأعمال الوحشية في التاريخ. لكن من ناحية أخرى، أخبرني أنه ليس لدينا أي فكرة عن مدى صعوبة حكم العراق، لكننا سنكتشف ذلك من خلال إزاحته.
ثم تسأل نفسك، هل كان الأمر يستحق ذلك؟ بصفتي عميلًا لمكتب التحقيقات الفيدرالي، لحسن الحظ، لم أكن في وضع يسمح لي بالتفكير في ذلك أو التركيز عليه. كانت وظيفتي الاستجواب.
من ناحية أخرى، ما يحبطني أكثر هو أنه كانت هناك فرص رئيسية في بداية الحرب وإخفاقات كبيرة من جانبنا، ولو لم نقم بذلك، أتساءل كيف كان سيبدو العراق اليوم.
بيرغن: وما هي تلك الإخفاقات؟
بيرو: بالنسبة لي، كان أحد أكبر الإخفاقات تفكيك الولايات المتحدة للجيش العراقي.
بيرغن: لماذا؟
بيرو: كان الجيش العراقي أكبر رب عمل في العراق في العام 2003. لقد أتينا وفككنا الجيش تمامًا، كما هو الحال في أي بلد، يعتمد الجندي على راتبه ومزاياه للبقاء على قيد الحياة، ولدى معظمهم عائلات والتزامات ومسؤوليات.
لم ندرك تأثير هذا القرار، وفصلنا الجميع. لم نفكر في كيفية تأثير ذلك على الوضع في البلد عندما تنظر إلى قوة عاملة لديها مجموعة مهارات فريدة وتدريب لا يمكن تحويله إلى أشياء أخرى كثيرة. ونتيجة لذلك، أصبحوا ساخطين وغاضبين، وكان ذلك في البداية أساس التمرد الذي واجهناه في عامي 2003 و2004.
كان لدينا إطار زمني قصير للغاية للاستفادة حقًا من الإطاحة بصدام حسين قبل أن ينظر إلينا الشعب العراقي كقوة محتلة. أعتقد أنه كان لدينا نافذة ستة أشهر، وارتكبنا أخطاء جسيمة.
بيرغن: الآن بعد أن أصبحت مواطنًا عاديًا: هل لديك تفكير في مكان العراق الآن وكيف يمكن أن يبدو مستقبله؟
بيرو: لست متفائلاً كثيراً بشأن مستقبل العراق، لأن ما يحتاجه العراق هو زعيم يضع العراق في أولوياته. كان هذا هو الشيء الوحيد الذي فعله صدام: لقد وضع العراق أولاً، بطريقة ما، ووحّد الجميع معًا. عندما تنظر إلى مدى الانقسام، وحتى يأتي شخص ما لا يهتم بخلفيتك الدينية أو العرقية ويفكر في العراق كدولة واحدة، فإن المستقبل سيكون تحديًا.
بيرغن: في النهاية، تم إعدام صدام من قبل الحكومة العراقية التي يهيمن عليها الشيعة في ديسمبر 2006. تم بث شريط فيديو على التلفزيون الحكومي يظهر أنه قبل لحظات من إعدام صدام، سخر منه الحراس الذين أحضروه إلى غرفة الإعدام، وهم يهتفون باسم رجل دين شيعي مشهور. هل رأيت ذلك؟ ما كانت رد فعلك؟
بيرو: نعم. لقد رأيت ذلك، حيث تم بثه على كل قناة إخبارية حول العالم. وسأكون صريحًا، لم أستمتع به، وقد رأيته مرة واحدة فقط، والسبب في عدم استمتاعي به، هو انتزاعه من شرعيته، أليس كذلك؟ أعدم صدام بناء على إدانته بالجرائم التي ارتكبها بحق الشعب العراقي. ومع ذلك، عندما تنظر إلى كيفية إعدامه: بدا الأمر وكأنه انتقام.
بيرغن: وبالنسبة للأشخاص الذين لم يروا هذا الشريط لإعدام صدام، ما الذي تعتقد أنه كان خطأ في ذلك؟
بيرو: لقد تحدثنا أنا وهو عن إعدامه الوشيك لأنه كان يعلم أنه سيُدان ويُعدم، بصرف النظر عن نوع الدفاع الذي رفعه أو أي شيء من هذا القبيل. لذلك، بالنسبة له، كانت محاكمته وإعدامه لإصلاح صورته أو استردادها. أراد أن يتغلب على صورة أنه يتم سحبه من حفرة حيث تم أسره من قبل الجنود الأمريكيين، ويبدو أشعثًا، ووصفه البعض بأنه جبان لأنه لم يقاوم أو يقاتل. لذلك، بالنسبة له، كانت محاكمته وإعدامه هما ما أراد استخدامهما لمحو ذلك وإعطاء شيء آخر للناس لتذكره به.
عند إعدامه، عندما تم إحضاره، كان أولئك الذين ينفذون الإعدام يسخرون منه. استهزأوا به، وسخر منهم، وصلى. لم يكن بحاجة إلى المساعدة على الحبل، ولم يرتدِ قناعًا لتغطية وجهه. لقد ظهر متحديًا جدًا، بمعنى ما، قوي جدًا أو شجاع. وهذا ما يتذكره الناس، خاصة بين السنة في العالم العربي.
بيرغن: والآن أنت تكتب كتابًا، كيف تقوم بتجميع ذلك معا؟
بيرو: بموافقة المكتب، أكتب كتابًا عن التجربة. هدفي هو السماح للقارئ بالحصول على مقعد داخل الاستجواب والشعور وكأنه جالس هناك يشاهده عن كثب، ليس فقط حول ما قاله صدام لأن بعضًا من ذلك متاح بالفعل، ولكن المزيد عن التجربة نفسها، والتحديات، ولعبة الشطرنج التي لعبها هو وأنا.
حصلت أيضًا على نظرة داخلية للمجلة التي احتفظ بها وتمكنت من رؤية أفكاره وتصوراته عندما كان في السجن. أخبرني صدام أنني تعرفت عليه أكثر من ولديه لأنني قمت بقضاء وقت معه أكثر من ولديه. لذلك، سيكون كل ذلك في الكتاب لإعطاء القارئ نظرة ثاقبة ليس فقط عن الديكتاتور الوحشي، ولكن أيضًا الجوانب الأخرى لصدام حسين.