السعودية.. تغيير محمد بن سلمان لصورة المملكة يجري سريعًا والخطر يكمن في وقت الوصول للجوهر

الشرق الأوسط
نشر
11 دقيقة قراءة
gettyimages-524106106.jpg
Credit: Gettyimages

تحليل من إعداد نك روبرتسون، ضمن نشرة الشرق الأوسط البريدية من CNN. للاشتراك في النشرة (اضغط هنا)

لندن، المملكة المتحدة (CNN)-- تصدرت المملكة العربية السعودية عناوين الأخبار مؤخرًا، هذه المرة لمحاولة إيجاد مكانها في عالم الرياضة.

إنها تنفق أموالاً طائلة. في إعلان صدم عالم الرياضة الثلاثاء الماضي، أعلنت رابطة PGA Tour للغولف التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرًا لها عن اندماجها مع منافستها LIV Golf المدعومة سعوديًا وبطولةDP World Tour التي ترعاها دبي (المعروفة سابقًا باسم الجولة الأوروبية)، منهية بذلك نزاعًا سيطر على لعبة الغولف للمحترفين للرجال في العام الماضي. وأصبحت أنباء الشراكة حديث الجميع في عدة عواصم وملاعب في جميع أنحاء العالم.

في غضون ذلك، رحب الدوري السعودي للمحترفين بالفائز بالكرة الذهبية اللاعب الفرنسي كريم بنزيما، ليلحق بزميله الذي انضم سابقًا للدوري السعودي نجم كرة القدم البرتغالي كريستيانو رونالدو، الذي يُقال إنه يحصل على 200 مليون دولار في الموسم.

ربما تكون آخر مرة أبدى فيها الكثير من الناس هذا القدر من الاهتمام بالمملكة عام 2018 عندما قُتل الإعلامي جمال خاشقجي على يد عملاء الحكومة السعودية في القنصلية السعودية بإسطنبول.

ربما يكون انقلاب لعبة الغولف بتلك الشراكة هو الإنجاز الرياضي الملكي حتى الآن لولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

لقد حصل بالفعل على مكان في حلبة الفورمولا 1، واستضاف جميع مباريات الملاكمة بالإضافة إلى تنظيم سلسلة من الأحداث الموسيقية العالمية والإقليمية لإبهار الجماهير المحلية التي كانت تعتبر كل هذا بعيدًا عن الواقع بالنسبة لهم.

لم يكن أي من هذا ممكنًا قبل أن يتسلم محمد بن سلمان السلطة.

لقد أكسبته سرعة وحجم تغييراته شعبية بين العديد من شباب البلاد وهو أمر غير متوقع بقدر ما هو نادر في تاريخ السعودية.

تُبنى الشهرة في الرياضة على لحظات التألق. على عكس السياسة حيث يتم كسبها ببطء. عادة قد تستغرق القرارات سنوات لتنضج وتعود بالفوائد، أما بالنسبة لمحمد بن سلمان فالأمر مختلف.

إنه في عجلة من أمره. في الواقع، عزز سلطته من خلال هز الحرس القديم في عام 2017، وكان العديد منهم منافسين محتملين على السلطة.

تم احتجاز أكثر من 200 من أفراد العائلة الملكية ورجال الأعمال في فندق ريتز في الرياض في ذلك العام بسبب مزاعم بالفساد. وكانت النتيجة أنه أصبح لأفراد العائلة الملكية الذين كانوا في السابق يتسمون بالحيوية وكثرة الكلام والذين يتمتعون بأصول ملكية قوية، تأثير أقل بكثير اليوم وفرصة ضئيلة لاكتسابه.

ويمكن القول إنه بين بعض الشركاء الغربيين لمحمد بن سلمان، لا يزال يُنظر إليه على أنه محاور يحتمل أن يكون خطيرًا.

بالنسبة لهم، يُنظر إليه على أنه مسؤول عن إرسال الفريق الذي قتل وقام بتقطيع وحرق خاشقجي، الذي كان ينتقد إصلاحات محمد بن سلمان عالية السرعة. ونفى محمد بن سلمان أي تورط شخصي في مقتل خاشقجي لكنه تحمل المسؤولية كاملة كزعيم للبلاد.

شوه مقتل خاشقجي سمعة محمد بن سلمان، وربما عرقل طموحات والده الملك سلمان له لتحديث المملكة.

في عام 2015، عندما تولى الملك سلمان العرش، كانت الأمة متحجرة، وكان ديوانها الملكي وبيروقراطيتها متسمة بالغرور والصلابة، وبحسب روايات العديد من السعوديين "فاسدة للغاية".

سيطرت الشرطة الدينية المحافظة على الشوارع وتم منع النساء من قيادة السيارات. كانت البلاد عالقة في أزمة زمنية ثقافية منذ أن أصيب حكامها بالذعر عندما اقتحم متطرفون مسلمون الحرم المكي في عام 1979، فقد خشي أفراد العائلة الملكية على مستقبلهم وقاموا بتهدئة الإسلاميين من خلال منح علماء الدين المحافظين دورًا ضخمًا في إدارة المملكة.

لاعب إقليمي مختلف

بحلول الوقت الذي تولى فيه الملك سلمان الحكم كان القرن الحادي والعشرون يمر على المملكة العربية السعودية دون الاستفادة منه.

كانت المملكة الخليجية الأكبر والأقوى مختلفة ثقافيًا، ومتأخرة لعقود عن جيرانها في مجال الأعمال والتنمية، بأقل من مستوى قدراتها بشكل يرثى له.

كان ذلك إلى أن قام الملك سلمان بتمكين محمد بن سلمان، ليس ابنه البكر، بل ابنه المختار لإصلاح الأمر.

تعتبر بطولة LIV Golf أحدث مثال، ليس فقط بخصوص نيته القيام بذلك، ولكن ما مر به قبل تحقيق ذلك.

قام منذ وصوله إلى السلطة بإبعاد الشرطة الدينية بين عشية وضحاها تقريبًا، وتقليص مساحة الدين في الحياة العامة واستبدالها بنوع جديد من القومية السعودية.

سُمح للنساء بالذهاب إلى ملاعب كرة القدم مع الرجال، وأقيمت حفلات العيد الوطني في الهواء الطلق في الشوارع مع الموسيقى والرقص، والتي لم يُسمع بها قبل عهد محمد بن سلمان.

لم تتوقف التغييرات عند هذا الحد، فقد سمح التحرر للرجال والنساء غير المتزوجين بالجلوس معًا في المقاهي، والعمل في المكتب نفسه، والتسوق في المتاجر معًا. نشأت أحياء جديدة في الرياض لتلبية نمط حياة جديد.

نشأت مجمعات مكتبية حديثة للغاية تنتشر فيها النوافير وأشجار النخيل، وأغرت المقاهي على جانب الطرق، التي بدت وكأنها دبي، الشباب إلى مغادرة منازلهم.

يعتبر محمد بن سلمان مهندس أسلوب حياة جديد وأكثر حرية بالنسبة للكثيرين، لكن أولئك الذين يتخطونه ويسألون على وسائل التواصل الاجتماعي مشككين في قراراته يخاطرون باحتمال اختفائهم. حتى القلة التي تم إطلاق سراحها بعد ضغوط دولية، مثل لجين الهذلول، خرجوا من السجن، ولكن لا يمكنهم مغادرة البلاد وتم تحذيرهم بالاحتفاظ بأفكارهم لأنفسهم أو المخاطرة بالعودة إلى السجن.

لكن رغم الحواف القاسية، هناك قوة ناعمة تعمل. بدأت المملكة العربية السعودية مؤخرًا في بناء دوري لكرة القدم متميز إلى أبعد الحدود مع نجوم أوروبيين باهظي الثمن.

يريد محمد بن سلمان أن يأخذه العالم على محمل الجد تمامًا كما يبدو أن العديد من مواطنيه يفعلون الآن.

لقد فهمت موسكو وبكين الرسائل، أصبح الرئيس الصيني شي جين بينغ شريكًا جيوستراتيجيًا وثيقًا بشكل متزايد، ويستفيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الوقت الحالي على الأقل، مع خفض محمد بن سلمان إنتاج النفط، متجاهلاً مخاوف الولايات المتحدة من أن أسعار النفط المرتفعة تساعد موسكو على دفع ثمن حربها في أوكرانيا.

كما شرع ولي العهد في مسار دبلوماسي إقليمي ودولي يهدف إلى جعل المملكة لاعبًا أكبر على الساحة العالمية. قادت المملكة العربية السعودية جهودًا لإخراج سوريا من العزلة وحاولت التوسط في صراعات مثل تلك الموجودة في السودان وحتى في أوكرانيا. بدأ محمد بن سلمان بإصلاح العلاقات مع خصومه السابقين، من تركيا ونظام الرئيس السوري بشار الأسد إلى المتمردين الحوثيين في اليمن وحتى العدو اللدود إيران. الفكرة السائدة أنه يحتاج إلى ضمان الاستقرار لكي تنجح خططه الاقتصادية.

فيما يتعلق بالنفط، فقد جعل المملكة العربية السعودية لاعباً أكثر جرأة. بعد أن كان يستجيب سريعا لدعوات الولايات المتحدة لفتح الصنابير وخفض الأسعار، تتجاهل المملكة الآن تلك الطلبات، مخاطرة بإلحاق الضرر بشراكتها المستمرة منذ عقود مع واشنطن. الرسالة هي أن المصالح السعودية تأتي أولًا. وتتمثل هذه المصالح في جلب أكبر عدد ممكن من دولارات البترول للمملكة حتى لا تقع في عجز بالميزانية أو ترى مشاريعها العملاقة تفشل.

ما هو الأفضل لشعبه

يريد محمد بن سلمان مثل بوتين وشي، ما يعتقد بأنه الأفضل لشعبه، يعني ذلك أن النموذج القديم للوصول إلى الطاقة بأسعار معقولة في مقابل الضمانات الأمنية الغربية التي نقلت المملكة العربية السعودية إلى طريق ثقافي مسدود لم يعد خيارًا موجودًا.

الإدراك هو كل شيء. انتقال دور أمريكا إلى آسيا، وفشلها في عام 2011 في الوقوف إلى جانب الحلفاء المخلوعين خلال الربيع العربي، والآن دعمها لأوكرانيا وما يعتبره معظم الخليجيين أن الهيمنة الغربية المضللة تفوح منها حروب فاشلة في العراق وأفغانستان، كل ذلك يساعد في شحذ مسارات محمد بن سلمان نحو علاقات جديدة حيث لديه بعض الدعم أيضًا.

تريد الولايات المتحدة زيادة إنتاج النفط ودعم أوكرانيا والتطبيع مع إسرائيل.

لكنها في شوارع الرياض وجدة حيث تكمن أكبر التحديات المحتملة لمحمد بن سلمان.

الساعة تقترب من رؤية 2030، وهي إعادة تصور جريئة وصاخبة لحياة المدينة مدعومة بالصناعات غير النفطية. إنها ليست طريقة جديدة للعيش فحسب، بل إنها تأمين العمل الضروري لتلبية احتياجات العدد الضخم للسكان الشباب في البلاد. تقل أعمار ثلثي السعوديين عن 35 عامًا، وقد أصبحوا أخيرا قادرين، جزئيًا بفضل محمد بن سلمان، على تذوق ما استمتع به معاصروهم في العالم الخارجي لسنوات.

يقول المسؤولون السعوديون إن رؤية 2030 لمدينة جديدة على البحر الأحمر ومشروع ضخم آخر -المربع الجديد- في العاصمة الرياض قد لا تتحقق ولو حتى جزئيًا، لكنها تهدف إلى إلهام البلاد والمستثمرين.

هذه مغامرات كبيرة لإبقاء الناس في العمل، وبالتالي يكونون سعداء في حياتهم وأقل عرضة لتحدي حكم محمد بن سلمان الأوتوقراطي.

غالبًا ما يتم تحقيق خطط بهذا الحجم على مدى أجيال بدلاً من عمر جيل حي بالفعل ويتوق لمستقبل ذي معنى.

محمد بن سلمان في عجلة من أمره، هو يعلق الاستقرار على مزيج من الطموح والترياق للشعب. تجري عملية تغيير الصورة على قدم وساق، ولكن كلما استغرق الأمر وقتًا أطول للوصول للجوهر، زاد خطر الفشل.