رأي.. بشار جرار يكتب عن "تطبيع بين السعودية وإسرائيل": تمام السلام على خير

الشرق الأوسط
نشر
7 دقائق قراءة
رأي بشار جرار
رأي: بشار جرار يكتب عن "تطبيع بين السعودية وإسرائيل".. تمام السلام على خير
Credit: FAYEZ NURELDINE/AFP via Getty Images

هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.

مضى أسبوع على مقابلة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان التي سبقها وتلاها كلام ما كان بعضه من على منبر الأمم المتحدة، وما زالت الصورة غير واضحة فيما يخص اتفاق تطبيع يرجح إن تم، فإنه سيكون من نصيب الإدارة الأمريكية المقبلة، بقت أم تغيرت..

"هو أقرب كل يوم"، ردا على سؤال تتابعيّ حول اتفاق تطبيع بين السعودية وإسرائيل، لمذيع فوكس نيوز، الصحفي المخضرم بريت بير. خلافا لما تردد عن قطع المفاوضات التي أطلقتها وترعاها واشنطن منذ مدة من الواضح أنها ليست قصيرة، فإن كل يوم تمر فيه تلك المفاوضات تحرز تقدما، بحسب إجابة قائد السعودية الشاب، في كنف الملك سلمان بن عبد العزيز، الرجل الذي خدم عن قرب ملوكا سبقوه في التعامل مع ملفات السلام والقضية الفلسطينية، زهاء ثلاثة أرباع القرن.

أبرز أولئك الملوك، فهد وعبدالله، وقد كانا السبّاقين في مبادرات لا تقتصر على ما يعني المصالح السعودية الوطنية، مبادرة فهد عندما كان وليًا لعهد الملك خالد الذي تولى الحكم خلفا للملك فيصل، كانت مبادرة عربية، تبلورت بقرار اعتمادها في قمة بيروت كمبادرة عربية -لا سعودية- للسلام. وقد تعاملت إدارات سعودية متعاقبة وكذلك عربية، مع إدارات من الحزبين، من الرئيس الأسبق (الديمقراطي) جيمي كارتر (عراب كامب ديفيد، أول اتفاق سلام بين العرب وإسرائيل) والرئيس الراحل (الجمهوري) رونالد ريغان، والحالي الرئيس جو بايدن (ديمقراطي) الذي بدا منه خلال الحملة الانتخابية وبدايات رئاسته ما لا ينطبق على حاله منذ القمة التي حضرها في الرياض قبل عامين، ثلاثيا مع السعودية، والقادة العرب والقادة الخليجيين. لم تعد السعودية "منبوذة" كما هدد وتوعّد، بل موضع ما وصفته رسمات فناني الكاريكاتور الأمريكيين وسواهم، بـ "المتسول طلبا لودّ ولي العهد السعودي.

لكن -وباختصار- فإن رمزية اتفاق تطبيع -أي اتفاق- لن يكون الأول لا شرق أوسطيا ولا عربيا ولا إسلاميا ولا خليجيا ولا حتى سعوديا. تركيا و-إيران قبل الخميني-، سبقت بما هو أكثر من التطبيع إلى ما يعني عمليا التحالف العسكري والتكامل الاقتصادي (انظر تصريحات الرئيس التركي الأخيرة في نيويورك) وكذلك التطبيع في عدد من الدول العربية والفلسطينيين الذي أبرموا اتفاقات سلام فيها تطبيع اقتصادي بلغ حد التكامل لا مجرد التعاون، انظر إلى قطر خليجيا، ومرة أخرى الفلسطينيين كمنظمة بجميع فصائلها، حتى حماس وحزب الله وبكل ارتباطاتهما بالحرس الثوري الإيراني، قامتا بالتطبيع الذي تسارعت خطاه على أمل اتفاق إيران الجديد مع إدارة بايدن، وعلى هامش تداعيات الضمان الصيني للاتفاق الإيراني السعودي. التطبيع لبنانيا، حاصل برسم الحدود المائية والتفاهم حول حقول الغاز البحرية، والآن التقدم جار فيما يخص الحدود البرية، على قدم وساق.. حتى سعوديا، كانت المؤشرات الجلية في التطبيع، بشكل أولي وتدريجي عبر مبادرات حوار الأديان ومن بينها اليهودية، ثم تلك الفيديوهات الرائجة عبر منصات التواصل الاجتماعي بين "مؤثرين" غير رسميين من الجانبين، يؤكدون قرب السلام وليس مجرد التطبيع بين السعودية وإسرائيل. فتح الأجواء بين البلدين أمام الطيران المدني الإسرائيلي والتجاري الدولي تم في عهد إدارتي دونالد ترامب السابقة وبايدن الحالية. فيما موقف الرياض الداعم لجميع ما أثمرت عنه اتفاقات إبراهيم خاصة الإمارات والمغرب، تشير بوضوح إلى أن الهدف هو السلام الإقليمي لغايات تنموية لا مجرد تطبيع مرحلي أو منفرد..

في المقابل، ثمة إشارات لافتة قبل مقابلة الأمير محمد فيها الكثير الذي ستجلّيه السنوات ولربما الأشهر المقبلة. لمَ خلت كلمة الرئيس الفلسطيني في الأمم المتحدة، من الإشارة للوصاية الهاشمية والرعاية الأردنية للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس؟ لمَ خلت مقابلة ولي العهد السعودي من استخدام مصطلح "دولة" عند الحديث عن شرط تحقيق العدل للفلسطينيين واستردادهم حقوقهم؟ لم حذّر العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني من "القفز" على حقوق الفلسطينيين في المشاريع التنموية القائمة أو المستقبلية في الشرق الأوسط؟ ماذا تعني إشارة ملك الأردن إلى ما يمكن فهمه احتمال أو قرب تشكّل أو تشكيل "قيادة" جديدة للفلسطينيين؟ الأهمية تكمن هنا في فهم السياق لا اجتزائه، فكل ما جرى على مدى قرن، وليس منذ اتفاق غزة أريحا أولا، وفي ظل الانقسام الفلسطيني والاحتراب الذي ما زال عصيا على المصالحات كلها حتى في ظلال أستار الكعبة في اتفاق مكة بين حماس وفتح قبل سنوات، كل ذلك من شأنه الدفع ذاتيا، وليس بالضرورة تحفيزيا أو رعويا، بقيام من أو ما، سيرث الوضع الراهن في أراضي السلطة الفلسطينية.

في ضوء اللاءات الأردنية، واستمرار الرفض العربي الرسمي أو الظاهريّ لصفقة القرن، فإن الأحوال قد تتغير في حال عودة ترامب والتي هي الأخرى تبدو "أقرب" كل يوم في حال نجاته، قضائيا وسياسيا.

الرابح في كل ما تقدم، هو ذلك الذي لا يعاني من ضغوط على الإطلاق، أو ذلك الذي يستطيع مقاومتها وتوظيفها لصالح بلاده. وهذا تماما ما يعني تمام السلام أو التطبيع على خير، هل يحقق سيادة الدول المعنية به أم لا؟ لم يتغير شيء منذ فهم جوهر الصراع وقدرات أطرافه قبل زهاء قرن، منذ عهد الملك المؤسس للمملكة الأردنية الهاشمية، عبدالله الأول بن الحسين بن علي، الذي نصح العرب بقبول قرار التقسيم الأممي، الذين يتفاوضون ويتناحرون الآن على ما هو أقل، منه بكثير، وبتآكل يزداد كل يوم أكثر..