أتلانتا، الولايات المتحدة الأمريكية (CNN)-- لقد برزت إيران كواحدة من أكثر الداعمين ماليا لحركة "حماس" سخاءً، حيث توفر للجماعة المسلحة الموارد الحيوية التي تحتاجها لتنفيذ عملياتها. لكن المحققين في الولايات المتحدة وجميع أنحاء العالم، حددوا مصدر دخل آخر تستغله حماس: المانحون البعيدون عبر الإنترنت الذين يقدمون الدعم بالعملات المشفرة.
علمت شبكة CNN، أنه حتى قبل أن تشن حماس هجوما مفاجئا على إسرائيل خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، كان مسؤولو وزارة العدل في العاصمة الأمريكية واشنطن، يتابعون تحقيقا جنائيا في استخدام الجماعة المسلحة للعملة المشفرة من خلال غاسلي أموال مزعومين.
وأصدر محامو وزارة العدل الأمريكية تفاصيل بسيطة عن قضية غسيل الأموال- مع إغلاق معظم ملفات المحكمة- لكن تلك التي تم الكشف عنها علنا، تظهر أنها تنبع من حسابات العملات المشفرة المرتبطة بحركة حماس، التي صادرتها الحكومة الأمريكية قبل 3 سنوات.
وجاء في ملف للمحكمة في مايو/أيار الماضي، أن القضية "مستمرة" وأوقف قاض الإجراءات في قضية مدنية ذات صلة حتى الشهر المقبل، للسماح بمواصلة القضية الجنائية دون تدخل.
وبشكل منفصل، بلغت قيمة العملات المشفرة التي استولت عليها إسرائيل بسبب صلات مزعومة بحماس وجماعة فلسطينية مسلحة أخرى عشرات الملايين من الدولارات، وفقا لمحللين تحدثوا إلى CNN.
ويمثل استخدام حماس للعملة الرقمية مجرد واحدة من الطرق العديدة التي سعت بها الحركة- التي صنفتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي "منظمة إرهابية"- إلى جمع الأموال مع التهرب من العقوبات.
وقال يايا فانوسي، المحلل السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وهو الآن زميل كبير مساعد في "مركز الأمن الأمريكي الجديد": "لا توجد طريقة تمويل واحدة لحماس أو غيرها من المنظمات الإرهابية". وأضاف: "إنهم انتهازيون ومتكيفون، وإن الجهود المبذولة لمنعهم هي لعبة مستمرة بين القط والفأر".
ومع ذلك، ظهرت بعض الدعوات للتبرع على مرأى من الجميع.
واستخدمت حماس وجماعات أخرى مصنفة إرهابية "فيسبوك" ومنصة "إكس"، المعروفة سابقا باسم تويتر، لنشر عناوين محفظتهم المشفرة علنا، وإخبار الناس بكيفية التبرع، بحسب تقرير صدر عن وزارة الأمن الداخلي الأمريكية، العام الجاري.
ووصفت اتهامات موجهة ضد رجل من نيوجيرسي في عام 2019، نشر على إنستغرام أنه "تبرع بمبلغ 100 دولار لحماس". واعترف الرجل، المتهم أيضا بإرسال حوالي 20 دولارا من عملة البيتكوين إلى الحركة، لاحقا بأنه مذنب بإخفاء محاولاته لتقديم الدعم المادي لحماس.
وبينما سعت الحكومات إلى مراقبة مثل هذه المعاملات، أعلنت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحماس، في إبريل/ نيسان الماضي، أنها ستتوقف عن جمع الأموال بعملة البيتكوين لحماية المانحين، حسبما ذكرت "رويترز".
ولكن من الواضح أن حماس لم توقف مثل هذه الجهود تماما، إذ أعلنت السلطات الإسرائيلية، الثلاثاء الماضي، تجميد حسابات إضافية بالعملات المشفرة، يُزعم أن الحركة استخدمتها لجمع التبرعات خلال الصراع، هذا الأسبوع.
وبصرف النظر عن عملة البيتكوين، فإن محافظ العملات المشفرة التي قالت السلطات الإسرائيلية إنها مرتبطة بحماس، تشمل عملات إيثر، وريبل، وتيثر وغيرها، وفقا لأمر صادر من الحكومة الإسرائيلية.
ومن غير الواضح حجم الأموال التي تلقتها حماس بالعملات المشفرة، ولكن هناك أدلة على أنها جمعت مبالغ كبيرة. ووفقا لديمتري ماتشيخين، الرئيس التنفيذي لبرنامج تحليلات العملات المشفرة BitOK، تلقت عناوين العملات المشفرة المرتبطة بحماس والتي استولت عليها السلطات الإسرائيلية ما يقرب من 41 مليون دولار بين عامي 2020 و2023، حسبما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية لأول مرة.
ويُزعم أن حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، كانت تحتجز 94 مليون دولار أخرى، وفقا لشركة Elliptic، وهي شركة تحليلات أخرى. ومع ذلك، أشارت الشركة إلى أنه من غير الواضح ما هو الجزء من تلك الأصول الذي ينتمي مباشرة إلى الحركة.
وقال أردا أكارتونا، الباحث بشركة Elliptic، لشبكة CNN، إن حماس وكتائب القسام التابعة لها، هما من بين "أنجح المبادرين في جمع الأموال من خلال الأصول المشفرة حتى الآن من حيث المبلغ الذي تم جمعه".
وأشار أكارتونا إلى أن تتبع العملات المشفرة المرتبطة بكتائب القسام كان معقدا بسبب اعتمادها على عناوين العملات المشفرة "لمرة واحدة" التي يتم إنشاؤها لكل متبرع فردي، وعمليات تبادل الأموال غير المشروعة، التي تحول العملات المشفرة إلى أموال نقدية بشكل مجهول دون سجلات.
وقال أكارتونا: "سيبحث المجرمون دائما عن البديل التالي الأفضل لمواصلة أنشطتهم". موضحا كيف تظهر طرق جديدة لجمع الأموال مع إغلاق إجراءات الإنفاذ للآخرين.
ومن بين الممولين الرئيسيين لحماس إيران، التي قدمت ما يصل إلى 100 مليون دولار سنويا للجماعات الفلسطينية، بما في ذلك حماس والجهاد الإسلامي في الأراضي الفلسطينية، بحسب تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية اعتبارا من عام 2021. وأشار التقرير إلى أن حماس قامت بجمع الأموال في دول الخليج العربي الأخرى، ومن جمعياتها الخيرية.
وقد أوضحت إفصاحات وزارة الخزانة الأمريكية الطريقة التي تلقت بها حماس في بعض الأحيان الأموال الإيرانية من خلال ممولين مقيمين في تركيا ولبنان. على سبيل المثال، قام عميل مالي مقره لبنان بدور "الوسيط" بين الحرس الثوري الإيراني وحماس، ومع حزب الله اللبناني، لضمان تحويل الأموال، وفقا لتقرير صدر عام 2019.
وبشكل منفصل، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على 9 جهات في عام 2018 بسبب ما وصفته الوزارة بالتورط في شبكة استخدمت من خلالها إيران الشركات الروسية لتزويد سوريا بالنفط، مقابل قيام سوريا بإرسال التمويل إلى الحرس الثوري الإيراني، الذي قام بإرسال التمويل بعد ذلك إلى حماس وحزب الله.
واستخدمت إيران تكتيكات مختلفة لتمويل الجماعات المصنفة إرهابية بما في ذلك حماس، مثل شبكات الشركات الوهمية، والمعاملات التي يخفيها كبار المسؤولين، واستخدام المعادن الثمينة للتهرب من العقوبات، حسبما جاء في تحذير لوزارة الخزانة الأمريكية عام 2018.
وقد أشادت طهران بتوغل حماس الأخير في إسرائيل ونفت تورطها.
وبالإضافة إلى ذلك، تجمع حماس الأموال من خلال الضرائب غير الرسمية والتهريب، بحسب تقرير صادر عن خدمة أبحاث الكونغرس الأمريكي في شهر مايو/أيار.
وحاولت شبكة CNN التواصل مع ممثلي حماس للرد على هذه المزاعم لكنها لم تتلق أي رد.
والمحققون الحكوميون ليسوا الوحيدين الذين يتتبعون الشؤون المالية لحماس.
فالمحامي آشر بيرلين، الذي يمثل عائلة إسحق وينستوك، وهو أمريكي يبلغ من العمر 19 عاما قُتل على يد مسلحي حماس خارج القدس، عام 1993، قام أيضا بمراقبة أصول الحركة.
وحصلت عائلة وينستوك على حكم قانوني بقيمة 80 مليون دولار تقريبا ضد حماس في عام 2019، لكن لم يكن لديها سوى طرق قليلة يمكن تخيلها لتحصيل هذا المبلغ.
وتغير ذلك في ذهن بيرلين بعد أن أعلنت وزارة العدل الأمريكية ما وصفه المسؤولون في عام 2020 بأنها حملة قمع غير مسبوقة، ضد ثلاث حركات اعتمدت على "العملات المشفرة ووسائل التواصل الاجتماعي لجمع الأموال لحملاتها الإرهابية"، ومن بينها كتائب القسام التابعة لحماس.
وتمكن المحققون من الاستيلاء على 150 حسابا بالعملة المشفرة "قامت بغسل الأموال من وإلى" حسابات حماس، بحسب بيان صحفي لوزارة العدل الأمريكية.