"الموت يطاردنا قصفًا أو جوعًا".. سكان غزة يبحثون عن "العيش" بين الأنقاض

الشرق الأوسط
نشر
10 دقائق قراءة
"الموت يطاردنا قصفًا أو جوعًا".. سكان غزة يبحثون عن "العيش" بين الأنقاض
Credit: Gettyimages

تقرير من إعداد عبير سلمان ونادين إبراهيم، ضمن نشرة الشرق الأوسط البريدية من CNN. للاشتراك في النشرة (اضغط هنا)

أبوظبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- رجل يحمل 6 قوارير من زيت الطهي فيما يكافح خلال المشي عبر الأنقاض. تجري فتاتان صغيرتان بينما تحمل كل منهما أكوامًا من الورق الأبيض، يُستخدم لإشعال النار للتدفئة والطهي. تتجادل مجموعة من الرجال، ويضربون بعضهم بعضًا بينما يتنافسون للعثور على كيس من الدقيق أو بعض الشاي أو حتى بطانية منسية.

هذه هي المشاهد من مدينة دير البلح بوسط غزة، حيث دمرت غارة جوية إسرائيلية، الاثنين الماضي، ليس فقط المنازل والشوارع، ولكن أيضا مخبز البركة في الحي، واحد من عدد قليل من المخابز التي لا تزال قائمة في القطاع.

ردًا على أسئلة CNN حول المخبز، قال الجيش الإسرائيلي، الثلاثاء، إنه "في تناقض كبير مع هجمات حماس المتعمدة على الرجال والنساء والأطفال الإسرائيليين، يتبع الجيش الإسرائيلي القانون الدولي ويتخذ الاحتياطات الممكنة للتخفيف من الأضرار التي تلحق بالمدنيين".

وتقع دير البلح وسط القطاع، وهي منطقة تتعرض لقصف إسرائيلي متزايد. كما دعت إسرائيل الفلسطينيين في بعض أجزاء جنوب غزة إلى المغادرة، وأصدرت خرائط رقمية قال السكان لشبكة CNN إنها إما مربكة أو لا يمكنهم الوصول إليها بسبب نقص الكهرباء والاتصال بالإنترنت. وكان الجيش الإسرائيلي قد شجع في وقت سابق من الحرب سكان غزة على الانتقال إلى الجزء الجنوبي من القطاع من أجل سلامتهم، في حين التزم بضرب حماس "أينما كانت".

ووقعت الغارة في دير البلح خلال الليل، بحسب السكان، وبحلول الصباح كان الرجال والنساء والأطفال يحفرون بين الأنقاض. لكن هذه المرة، لم يقم السكان بالحفر للعثور على أحبائهم. كانوا يبحثون بشدة عن الغذاء والإمدادات الأساسية الأخرى.

مع دخول الحرب بين إسرائيل وحماس أسبوعها التاسع، بدأت تظهر علامات انهيار النظام الاجتماعي، مع ظهور تقارير عن عمليات نهب يقوم بها أشخاص يكافحون من أجل البقاء. منذ 9 أكتوبر/تشرين الأول، منعت إسرائيل وصول المياه والغذاء والكهرباء إلى القطاع الذي يسكنه أكثر من مليوني فلسطيني.

وقتل أكثر من 15899 شخصا في غزة منذ أن بدأت إسرائيل حملتها هناك، وفقا لوزارة الصحة التي تسيطر عليها حماس في غزة.

وفي أواخر أكتوبر/ تشرين الأول، حذرت الأمم المتحدة من أن النظام قد ينهار حيث كان آلاف الفلسطينيين اليائسين يأخذون المواد الأساسية مثل الدقيق ومستلزمات النظافة من المستودعات. وقال توماس وايت، مدير شؤون وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) بغزة، في ذلك الوقت: "الناس خائفون ومحبطون ويائسون".

وقال أحد السكان لشبكة CNN، الاثنين، وهو يقف خلف حشد من الناس الذين يبحثون عن الإمدادات تحت الأضرار: "إنها فوضى". وأضاف أن دارا للأيتام تعرضت للقصف أيضا.

وقال كامل الراعي، وهو ساكن آخر يعيش في الشارع منذ عام 2006 والذي دمر منزله في الغارة، لشبكة CNN إن الجوع دفع سكان غزة إلى مثل هذه الإجراءات اليائسة.

وقال: "انظر إلى الناس"، في إشارة إلى حشد الفلسطينيين الذين يحفرون بين الأنقاض، مضيفا: "هذا كله من الجوع".

ويحتاج جميع سكان غزة إلى مساعدات غذائية، بحسب برنامج الأغذية العالمي، مضيفًا أنه في بداية الأزمة الحالية، كانت منظمة الإغاثة تعمل مع 23 مخبزًا.

لكن النظم الغذائية تنهار. وقالت وكالة الأمم المتحدة على موقعها على الإنترنت إن آخر مخبز كان يعمل معه برنامج الأغذية العالمي تم إغلاقه لأنه لم يكن لديه وقود أو غاز.

وقال إبراهيم دبور، وهو أحد سكان دير البلح، إن فرن البركة كان يخفف معاناة الناس من خلال توفير الخبز الذي هم في أمس الحاجة إليه. وأضاف أن "المخبز يجب أن يكون خارج العمليات العسكرية".

وقال دبور لـ CNN: "قصف (المخبز) يجب أن يعتبر إرهابًا بصراحة".

وبعد يوم من إعلان الجيش الإسرائيلي عن توسيع عمليته البرية، قال إنه ضرب حوالي 200 هدف لحماس في قطاع غزة. وشملت أهدافه مدرسة في مدينة بيت حانون شمال شرق البلاد، والتي ادعى الجيش الإسرائيلي أنها تحتوي على "بنية تحتية إرهابية"، بما في ذلك ممرات أنفاق مليئة بالأسلحة والمتفجرات، ومركبة تحمل أسلحة ومنشأة لتخزين الأسلحة.

وقال الجيش الإسرائيلي إن البحرية الإسرائيلية قصفت أيضا عددا من الأهداف خلال الليل، "للمساعدة في تعزيز القوات البرية".

وتأتي هذه الضربات في أعقاب استئناف الحملة العسكرية الإسرائيلية ضد حماس بعد انهيار الهدنة بين الجانبين. وأوضحت إسرائيل أن مرحلتها التالية ستشمل كامل المنطقة، بما في ذلك أجزاء من جنوب غزة، حيث يلجأ آلاف النازحين الفلسطينيين الفارين من القتال في الشمال.

وبينما حذرت الولايات المتحدة إسرائيل من ضرورة تقليل الخسائر في صفوف المدنيين في الجنوب، فإن إسرائيل عازمة على تدمير حماس بعد الهجوم الذي شنته الجماعة المسلحة في 7 أكتوبر/تشرين الأول، والذي قتلت فيه حوالي 1200 شخص في إسرائيل واختطفت حوالي 240 آخرين.

منشورات ومكالمات هاتفية للإخلاء

وبينما يستجيب سكان غزة في كثير من الأحيان لنداءات إسرائيل للإخلاء، يقول الكثيرون إنهم أينما ذهبوا، فإن الموت يطاردهم، سواء كان ذلك بسبب الغارات الجوية أو الجوع.

وأسقط الجيش الإسرائيلي منشورات متكررة على مدينة خان يونس الجنوبية في الآونة الأخيرة أيام، واصفا المنطقة بأنها "منطقة قتال" وطلب من السكان "الإخلاء فوراً".

وفي يوم الأحد، طلب الجيش الإسرائيلي مرة أخرى من السكان إخلاء عدة مناطق جنوب شرق خان يونس، وأمر السكان بالتحرك جنوبا. وقد تم تحديد جنوب غزة منطقة آمنة عندما كانت إسرائيل تنفذ عمليتها في الشمال، مما دفع أكثر من مليون شخص إلى الانتقال إلى هناك من الشمال.

وتكررت التعليمات على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث نشر الجيش الإسرائيلي، الجمعة، خريطة جديدة لغزة، تقسم القطاع إلى مئات البلوكات المرقمة التي أطلق عليها "مناطق الإخلاء".

وقال منتقدون إن الخريطة مربكة وغير دقيقة.

وقال ساري باشي، مدير البرامج في هيومن رايتس ووتش، على منصة "إكس"، تويتر سابقًا، تعليقًا على صورة الجيش الإسرائيلي لإحدى الخرائط، التي تقسم الأحياء إلى بلوكات: "الجيش الإسرائيلي يطلب مرة أخرى من الناس في خان يونس الفرار. (مجددا، الخريطة تتعارض مع التعليمات المكتوبة (ما قصة البلوكات 55؟ 38-46؟)". وأضاف باشي: "إنهم يعلمون أنه لا يوجد مكان آمن للذهاب إليه ولا طريقة آمنة للوصول إلى هناك".

لكن القليل من الفلسطينيين تمكنوا من الاستفادة من خريطة إسرائيل. البعض لم يطلع على المنشورات، في حين يقول أولئك الذين قالوا إنهم لا يملكون الطاقة الكهربائية ولا الإنترنت لمسح الباركود، لأن إسرائيل قطعت كليهما.

وقالت إسرائيل إنها ستستخدم الخريطة لإرشاد الناس إلى مكان الإخلاء.

تتضمن المنشورات التي أسقطتها إسرائيل رمز الاستجابة السريعة، والذي عند مسحه بهاتف ذكي يظهر خريطة لقطاع غزة، مميزة على شكل شبكة توضح ما تقول إسرائيل إنها مناطق آمنة وغير آمنة للمدنيين.

والعديد من سكان غزة الآخرين، الذين يعيشون في فقر، لا يملكون هواتف ذكية.

وقال خليل أبو مراحل: "ليس هناك كهرباء، ولا يوجد إنترنت"، مضيفاً أنه منذ إجلائه من مدينة غزة، اعتمد هو والعديد من الأشخاص الآخرين على المنشورات وأجهزة الراديو في المستشفيات أو الكلام الشفهي للحصول على الأخبار.

وقال لـCNN: "لقد مر وقت طويل منذ آخر مرة استخدمنا فيها فيسبوك".

وبصرف النظر عن المنشورات، يُطلب من السكان في كثير من الأحيان إخلاء مناطق معينة من خلال تلقي مكالمة هاتفية من الجيش الإسرائيلي، حسبما قالوا لشبكة CNN، في إشارة إلى عمليات الإجلاء المبكرة من الشمال.

وقد نزح حوالي 1.9 مليون شخص، أي أكثر من 80% من إجمالي سكان غزة، داخليًا في جميع أنحاء قطاع غزة منذ 7 أكتوبر، وفقًا لوكالة الأونروا، التي تقدر أن ما يقرب من مليون شخص لجأوا إلى مرافق في وسط وجنوب غزة، بما في ذلك خان يونس ورفح.

وقالت سالي عصام، وهي نازحة فلسطينية تقيم حاليا في دير البلح: "لم يعد لدينا إنترنت منذ 50 يوما.. الله وحده يعلم إلى أين بعد دير البلح".

نشر