هذا المقال بقلم الدكتور حبيب الملا، الشريك المدير، مكتب حبيب الملا ومشاركوه. الآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
تعد الحريات الشخصية ومن ضمنها حرية التعبير أمرًا مقدسًا في الثقافة الغربية. فقد ضحى أسلافهم بحياتهم من أجل أن يكون للإنسان الحق في التعبير عن رأيه دون خشية الاعتقال. وتعد حرية التعبير اليوم جزءًا من حقوق الإنسان الطبيعية وفقًا للمواثيق الدولية. كما أنها واحدة من أهم ركائز الديمقراطية الحديثة (على الرغم من حقيقة أن حرية التعبير في الغرب تعتريها قيود إذ لا تشمل انتقاد مواضيع معينة مثل إسرائيل أو إنكار الهولوكوست).
مؤخرًا نشرت صحيفة محلية في الإمارات تقريرًا فحواه وملخصه أن مجرد كتابة مراجعة سلبية أو تقييم سلبي أو إبداء ملاحظة سلبية تجاه مقدم خدمة على وسائل التواصل الاجتماعي في الإمارات قد تؤدي بالشخص إلى الحبس او التغريم. وبصرف النظر عن مضمون التقرير أو صحة الآراء التي وردت فيه، فإن هذا العنوان الصاخب وليمة سهلة لوسائل الإعلام العالمية تستخدمه كمؤشر (سلبي) على القيود على حرية التعبير في دولنا. وبينما تنفق جهات الترويج السياحي مبالغ طائلة للترويج لصورة الدولة باعتبارها وجهة سياحية وملاذ استثماري، تقوض مثل هذه المقالة كل تلك الجهود.
إن الزعم بأن أي تعبير عن عدم الرضا عن خدمة في مطعم أو في فندق من شأنه تعريض صاحب الشكوى للغرامة أو الحبس أمر غير دقيق، بل ولا يجب في الأصل أن يكون ذلك محلًا للعقوبة طالما لم يتضمن عبارات سب أو قذف.
وهذا المفهوم الخاطئ هو الذي تسبب في غياب تقييم حقيقي للمطاعم ومزودي الخدمات. إذ يخشى المتعاملون من ردة فعل أصحاب المطاعم والفنادق وتهديدهم باللجوء إلى القضاء أو الشرطة للشكوى ضد العميل. القاعدة أن من يتعامل في مجال تقديم الخدمات يجب أن يتقبل النقد بصدر رحب ويقتنع أن النقد حق للزبون ووسيلة لتحسين الخدمات.
وفى المقابل نجد أن المطاعم تتعاقد مع أشخاص مؤثرين لإبداء تقييمات ايجابية عالية لمطاعمهم وقد تكون هذه التقييمات غير صحيحة في أحيان كثيرة. وقد لاقت هذه المسألة رواجا في الفترة الأخيرة باعتبار تأثير وسائل التواصل الاجتماعي وسهولة وصولها إلى جمهور المتعاملين. وهنا ينطرح التساؤل عن مصداقية منشورات المؤثرين التي تقيم منتجًا أو مطعمًا بأنه رائع، ثم يكتشف المتعامل بعد ذلك عكس ذلك. فهل يمكن للمتعامل الشكوى والمطالبة بالتعويض تحت طائلة الغش والخداع؟ في اعتقادي أن هذا الأمر هو الذي يجب أن يكون موضوع مساءلة وتنظيم. ولا أقل من إلزام أمثال هؤلاء المؤثرين بتوضيح إن كانت مراجعاتهم ومنشوراتهم هي منشورات مدفوعة الأجر أم لا وذلك حتى يكون الزبون على بينة من أمره ويضع التقييم موضعه الصحيح.
لقد أصبحت الإمارات وجهة سياحية عالمية بكل معاني الكلمة وتتصدر مؤشرات التنافسية متفوقة على العديد من البلدان، ويجب أن يُعاد النظر في بعض التشريعات التي قد تفسر على أنه ليس للزبائن حق انتقاد الخدمة السيئة، فمثل هذا الانطباع لا يخدم توجهات الدولة السياحية ولا التجارية.