رأي: تفجيرات لبنان الإرهابية .. القاتل ليس واحدا

الشرق الأوسط
نشر
7 دقائق قراءة
تقرير مصطفى علوش
رأي: تفجيرات لبنان الإرهابية .. القاتل ليس واحدا
Credit: JOSEPH BARRAK/AFP/Getty Images

قد يكون من التبسيط القول بأن موجة التفجيرات الإرهابية، التي طالت لبنان مؤخراً، هي عملياً من مصدر واحد وأن هدفها واحد، وهذا من قبيل التعميم المقصود منه تجهيل الفاعل، وتضييع المسؤوليات، خاصة بالنسبة للعمليات التي طالت قيادات قوى ١٤ آذار.

إن موجة التفجيرات الإرهابية في نسختها الحديثة في لبنان بدأت في سنة ٢٠٠٤ يوم محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة المعارض للنظام السوري مصطفى علوش. أتت هذه المحاولة على خلفية اتهامه بأنه ساهم في إنتاج القرار ١٥٥٩ الذي اعتبره النظام السوري دعوة واضحة لخروج قواته من لبنان، واعتبره حزب الله بأنه دعوة لتجريده من سلاحه.

سرت شائعات بعد ذلك بأن السيارة التي انفجرت يومها كانت قد فخخت في مناطق نفوذ حزب الله، ولكن الهيمنة السورية يومها، وتواطوء الأجهزة الأمنية اللبنانية معها، جعل من المستحيل متابعة التحقيقات القضائية بهذه القضية، لتصل إلى نتائج غير الشعارات التقليدية وهي "اتهام العدو الإسرائيلي".

انطلقت بعد ذلك موجة شتائم واتهامات بحق رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري المتهم الثاني بإنتاج القرار ١٥٥٩، وكلّها كانت عن طريق أتباع النظام السوري، إلى أن أتى التفجير الهائل الذي أدى إلى استشهاده مصطفى علوش في ١٤ شباط ٢٠٠٥.

تلت تلك العملية موجة معروفة من التفجيرات، معظمها استهدف شخصيات سياسية وإعلامية من قوى ١٤ آذار. بعض التفجيرات كانت من النوع الإرهابي ضد مناطق مسيحية التي هدفت إلى الإرهاب العام.

في تلك الفترة وجهت قوى ١٤ آذار الإتهام للنظام السوري بهذه التفجيرات، وتحاشت بشكل واضح توجيه أي اتهام إلى حزب الله مصطفى علوش، تحاشياً لفتنة داخلية من جهة، ولأن هذه القوى لم تكن تعتقد بالمرة بأن الحزب الحليف للنظام السوري قد ساهم بعملية الإغتيال.

بدأ الشك بتورط حزب الله بالجرائم الإرهابية، وبالأخص جريمة اغتيال رفيق الحريري بعد الصراع السياسي الخطير، الذي بدأ على خلفية إنشاء المحكمة الدولية مصطفى علوش وبالأخص بعد استقالة الوزراء الشيعة من الحكومة لنفس السبب.

لم تتوقف بعدها حملة الإغتيالات وكان أبرزها اغتيال النائب وليد عيدو، ومن بعده النائب أنطوان غانم، مما دفع بنواب قوى ١٤ آذار إلى الإحتماء في فندق محصن لتفادي الإغتيالات.

في تلك الفترة، وبملف مرتبط بالمحكمة الدولية، تم اغتيال وسام عيد، وهو الضابط الذي كشف شبكة الإتصالات بين العناصر التي شاركت باغتيال الرئيس الحريري، وتم بعدها تسريب معلومات بأن هذه الشبكة تضم مجموعة من أفراد حزب الله.

بعد اجتياح حزب الله لبيروت في السابع من ايار ٢٠٠٨، حصل اتفاق في الدوحة على سلة من التسويات السياسية تتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية، وتأليف حكومة وحدة وطنية. لكن الشق غير المكتوب فقد كان تعهد بوقف الإغتيالات السياسية، وبما أن كل تلك الإغتيالات كانت تطال قوى ١٤ آذار، فقد كان من البديهي أن الطرف المعني بوقف الإغتيالات هو حزب الله!

الثابت هو أن هذا الإتفاق السعودي السوري أوقف العمليات الإرهابية لبضعة سنوات، إلى أن عادت باغتيال وسام الحسن، ومن بعده مؤخراً الوزير محمد شطح، وذلك بعد انهيار اتفاق الدوحة ومعه التوافق السعودي السوري.

تميزت تلك العمليات التي طالت قوى ١٤ آذار بدقة عالية، وقدرات واسعة في التخطيط والتجهيز وإخفاء الآثار مصطفى علوش، مما دفع لليقين بأن منظومة الإغتيالات تتمتع بقدرات واسعة للتحرك على الأرض.

لكن بما أنه لا يوجد جريمة كاملة، فقد تمكنت لجنة التحقيق من اكتشاف المشاركين باغتيال الرئيس الحريري، وهم الآن متهمون وسوف تتم محاكمتهم غيابياً في المحكمة الدولية الخاصة، بعد أن رفض حزب الله تسليمهم للعدالة.

الفضيحة الثانية كانت اكتشاف مخطط رئيس مكتب الأمن القومي السوري اللواء علي مملوك، الذي كلف وزيراً سابقاً من أتباع النظام السوري يدعى ميشال سماحة، بالقيام بسلسلة من التفجيرات وقبض عليه بالجرم المشهود، ولا يزال قيد المحاكمة.

أما الفضيحة الثالثة فقد كانت اكتشاف مرتكبي التفجيرات الإرهابية أمام المسجدين في طرابلس، وهم من أعضاء تنظيم محلي تابع للمخابرات السورية.

 

في ظل كل ذلك أتت أربعة تفجيرات طالت ثلاثة منها منطقة الضاحية الجنوبية، وبدت كأنها عشوائية، والرابع طال السفارة الإيرانية في بيروت، وكان اثنان منهما من نوع العمليات الإنتحارية. وقد أتت كل تلك العمليات منذ دخول حزب الله إلى سوريا ومشاركته النظام في القتال ضد المعارضة.

في تحليل موضوعي يمكن تصنيف تلك العمليات في ثلاثة أنواع:

 

  • الأول : عالي الدقة ويتمتع منفذوه بإمكانيات لوجستية واسعة، وأرضية للتحرك تسمح لهم بالمراقبة، وإخفاء معالم الجريمة، والتواري في بيئة حاضنة. هذه العمليات طالت بشكل محدد قيادات ونواب وصحفيين وأمنيين من قوى ١٤ آذار.
  • الثاني : عشوائي طال مناطق وتجمعات معادية للنظام السوري ولحزب الله، كما هو الحال في مخطط مملوك- سماحة وتفجيري طرابلس، وكما يبدو فإن قدرات هذه المنظومة أصبحت متواضعة من ناحية الأرضية والقدرات اللوجستية، في حال تصرفت منفردة عن المنظومة الأولى.
  • الثالث: من النوع العشوائي، والذي لا يملك أي قاعدة حقيقية للتحرك، ويستعيض عن القدرات اللوجستية بالعمليات الإنتحارية، وهو يشمل العمليات التي طالت مناطق نفوذ حزب الله بعد دخوله إلى سوريا.

من هنا فلا يمكن الحديث عن مخطط واحد ولا عن منفذ واحد، ولا يمكن تعميم المسؤولية فالإرهاب المنظم يطال قوى ١٤ آذار وقياداتها والمتهمون معروفون، والإرهاب العشوائي الذي يطال المدنيين في مناطق نفوذ حزب الله فهي على خلفية دخول الحزب إلى سوريا.

الإرهاب الاول لا مخرج منه إلا بعد تخلي حزب الله عن مشروع ضم لبنان إلى ولاية الفقيه كجزء من مجتمع يمتد من إيران عبر العراق وسوريا إلى لبنان. أما الإرهاب الثاني، فمن الممكن الحد من تداعياته، من خلال انسحاب حزب الله من سوريا، والذهاب إلى تفاهمات وطنية قد تؤدي إلى التخفيف من حجم البيئة الحاضنة.

من الواضح أن الإقتراحيين من عالم الخيال اليوم وبالتالي فإن استمرار الإرهاب المتعدد الأهداف هو المرجع اليوم.

المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه، مصطفى علوش، النائب السابق في البرلمان اللبناني، ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر CNN.

  • مصطفى علوش
    مصطفى علوش
    نائب سابق في البرلمان اللبناني
نشر