دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- قال المفكر والسياسي المصري، رفعت السعيد، الرئيس السابق لحزب "التجمع" اليساري، إن الاختلاف حول "مصطلح" الهوية هو جزء من الصراع حولها في مصر، معتبرا أن البلاد تشهد "موجة ليبرالية" تواجه من قبل الإخوان والسلفيين، مضيفا أن الفريق أول عبدالفتاح السيسي تحرك ضد الإخوان بعد شعر بمؤامرة تدعمها أمريكا لتدمير الجيش المصري.
وقال السعيد، في حديث لـ CNN بالعربية حول المحور المخصص لبحث الاختلاف حول هوية مصر ضمن ملفات "يحدث غدا" إن كلمة "الهوية" ملتبسة وتستخدم حسب الهوى، فهي في علم الاجتماع تعني الانتماء لشيء ما مثل الوطن أو الدين، أما في الفلسفة فهي القانون والعلم المنظم لعملية الانتماء.
واعتبر السعيد أن المشكلة تكمن في استخدام ذلك المصطلح استخداما سلفيا "يستهدف التأكيد بان مصر دولة إسلامية، لاسيما فيما يتعلق بعلاقة الوطن بالدين إذا كان هو الدين الإسلامي، أما بالنسبة للمسيحية فإنه يبقى خارج إطار الهوية، ما يشير إلى التباس وصراعات مستمرة حتى اليوم" ورأى أن ذلك ظهر في نقاشات الدستور عبر بحث الهوية من منظور أن مصر دولة إسلامية والحكم يجب أن يكون على أساس الشريعة الإسلامية.
وبحسب السعيد فإن الهوية المصرية "طبقات فوق بعضها مثل الحفريات الجيولوجية، فهناك الحضارة الفرعونية والرومانية المسيحية والعربية وغيرها ولم تؤثر أي طبقة على الأخرى، ولكن الفترة المسيحية مظلومة في دراسة التاريخ، وهى فترة خصبة ولم تدرس باعتبار التاريخ إسلامي -- رفعت السعيد، ولكن للمصريين تركيبة حضارية وعقلية مختلفة، والهوية المصرية هي خير نموذج يدحض فكرة الحضارة الإسلامية في مواجهة المسيحية، إذ أن فكرة صراع الحضارات مجرد اختراع ولا يوجد حضارة إسلامية أو مسيحية فالحضارة فكرة أخرى مختلفة، والهوية تركيبه معقدة لذا السياسة في مصر والأفكار معقدة جدا."
وعن الصراع القائم على وصف مصر وما إذا كانت دولة علمانية أو دينية وزعامتها للمنطقة قال السعيد: "هناك تناقض بين كلمة علمانية ودينية، فالأولى تعني إعمال العلم والعقل في فهم الكون والتطلع للمستقبل، كما أن مصر دولة ظلمت فيها الليبرالية أكثر من مرة، مثل أخطاء الليبراليين الذين قدموا إلى مصر من الشام في مطلع القرن الماضي، عندما اعتبروها تحررا من أي قيد، ومن ثم باشروا الهجوم على الدين لأنهم كانوا متمردين على الكنيسة المارونية ومضطهدين من الأتراك السنة وهربوا إلى مصر لإيجاد مناخ منفتح وعقلاني."
ولفت السعيد إلى أن ذلك النوع من الليبرالية: "هزم في الثلاثينيات على يد مجموعة حسن البنا ورشيد رضا، الذين شنوا هجوما عنيفا آنذاك على العناصر الليبرالية، والتي كانت تتخذ وضعا مختلفا واتهموهم بالكفر، ومنهم بعض كتاب كبار ما لبثوا أن تراجعوا ليبحثوا عن توافق بين علوم غربية وتراثية حتى بدأ فكر خلافي في الظهور، وعندما يمتزج الدين بالعلم فإن الفكر الديني ينتصر، ما دفع هؤلاء الكتاب لأن يتراجعوا ويتجهوا للكتابة الدينية."
ورأى السعيد أن الفترة الحالية تشهد بدورها موجة ليبرالية "ولكنها تحارب من الإخوان والسلفيين وبعض العناصر الدينية، وهو ما يظهر من الصراع على كتابة ديباجة الدستور، وإصرار الأزهر و المفتي على شطب كلمة ’مدنية الدولة،‘ لأنها ذات مذاق يوحى بأنها مصر دولة ليست إسلامية، وهي أمور ليست دقيقة" على حد قوله.
وعن العروبة، رأى السعيد أنها "وجدت بمناخ معين" عندما كان المصريون يتطلعون إلى وادي النيل حصرا، حتى يكون هناك سيطرة على منابع النيل، غير أن فكرة العروبة بمعناها الواسع "بدأت ترد إلى مصر بأربعينيات القرن الماضي، عند إقامة جامعة الدول العربية، وبدأ الإسلاميون في مهاجمة الفكرة، كما كانت هناك هجمات طائشة من الإخوان على جامعة الدول ووصفها بأنها مؤامرة صهيونية، وأنها تقلل من الانتماء إلى الإسلام."
وتابع السعيد قائلا إن الرئيس الراحل، جمال عبدالناصر، "كان يريد توحيد قوى أكبر من مصر لمواجهة الاستعمار والصهيونية، في وقت كان هناك شوق لإمبراطورية وزعامة عربية يقودها ناصر،" وقد وجدت هذه الفكرة من يناصبها العداء من بعض الأصوات المسيحية أيضا، مثل لويس عوض الذي كتب مقالا عن الانتماء "الفرعوني" لمصر وتم اعتقاله.
وعن انعكاس تبدل تحالفات مصر تاريخيا بين أمريكا والسوفيت منذ عهد عبدالناصر حتى فترة عزل الرئيس محمد مرسي قال السعيد: "عبدالناصر لم يكن ضد التقرب الأمريكي مع مصر عقب زوال الاحتلال البريطاني، وكان يسعى للحصول على السلاح، ولكن الولايات المتحدة رفضت، فاتجه شرقا، وبدأت صفقة السلاح التشيكي ومن هنا بدأ التقرب من السوفيت وبناء السد العالي، ولكن تقربهم لم يكن له علاقة بالإيديولوجية حيث كان اليساريون يضربون ويسجنون."
أما في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، يضيف السعيد، فقد كان يرى بأن أوراق اللعبة في يد أمريكا، وكان يريد تحقيق ما يمكن تسميته مصالحة تاريخية مع إسرائيل، وعندما بدأ التحضير للحرب قبل عام 1973، كان هناك قدر من التفاهم بأن هذا النصر إن تحقق، لا يجب أن يكون منسوبا إلى السوفيت، وبالتالي اتخذ قرار بطرد الخبراء الروس، ولم يكن هذا الأمر ضد رغبتهم بشكل مطلق، إذ لم يكونوا راغبين في البقاء.
ولفت السعيد إلى أن العلاقات عادت لتتوطد بين أمريكا مصر عقب توقيع اتفاقية السلام والحصول على معونات اقتصادية وعسكرية، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن الكثير من تلك المعونات كان يستخدم "كمرتبات عالية جدا للخبراء الأمريكان، وجزء منه وسيلة لاختراق المجتمع المصري."
وأردف السعيد بالقول: "وعندما جاء مرسي إلى السلطة، فان ميت رومني المرشح الرئاسي الأمريكي السابق، أتهم (الرئيس الأمريكي باراك) أوباما علنا أنه دفع لمرسي 50 مليون دولار للإنفاق على حملته الانتخابية، ولم ينف أوباما أو مرسي ولم يكررها رومنى، وهناك أشكال تفصيلية لتحالف تركي – قطري - إسرائيلي حول هذه المنطقة -- رفعت السعيد، وهناك ملاحظة أساسية أنه أمريكا دُمرت الجيوش العربية، وفي مقدمتها جيوش تونس وليبيا وسوريا والعراق واليمن، ولم يبق سوى الجيش المصري."
وبحسب السعيد فإن الفريق أول عبدالفتاح السيسي، عندما اكتشف أن هناك يدا إخوانية "تلعب ضد الجيش وجه ضربته تحسبا من تدخل أمريكي ضد الجيش أو العمل على تقسيمه لاسيما وأن أمرا كهذا سيوقع المنطقة في قبضة ثالوث الهيمنة الأمريكية دون قدرة للمقاومة، لذا كان تأييد السيسي قويا في الشارع المصري."
وعن الانقسام حول الهوية بين الجيش والإسلاميين وما إذا كان قدرا لمصر قال السعيد: "لا يوجد شيء اسمه الإسلاميون، إنما هناك متأسلمون، و صراعهم الأساسي على الحكم و الوطن، وهم لا يؤمنون بالدولة ولكن فقط بدولة الخلافة، وهو ما يظهر في كتب سيد قطب بقوله ’ما هو الشيء الذي يسمونه وطن سوي حفنة من تراب عفن؟‘ ما يشير إلى أنهم يسعون لخلافة إسلامية تمتد لتشمل كل المسلمين في العالم، و يؤيدهم في ذلك (رئيس الوزراء التركي رجب طيب) أوردوغان الذي يعيش وهم العثمانيين الجدد و(زعيم حركة النهضة راشد) الغنوشي بتونس وحركة حماس."
وأضاف: "وبالنسبة للجيش فإن الفريق أول عبد الفتاح السيسي رجل متدين، وأعتقد أنه ضد غباوة الإخوان والسلفيين -- رفعت السعيد، كما كان المشير طنطاوي في أوقاته الأخيرة بالمجلس العسكري ضاق ذرعا بهم، وكانوا يستعينون بعلاقاتهم القوية مع السفيرة الأمريكية التي كانت تزورهم بمكتب الإرشاد وتبعهم أيضا السفير الروسي، فضلا عن القطريين، ما كان يقلق الجيش حيث كانوا يشعرون بضغوط خاصة بالتسليح من إيماءات مساندة الإخوان، وفى عهد الرئيس المعزول فقد حاول تنفيذ انقسام في الجيش، وفكروا في لعب نفس اللعبة مع السيسي.