دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- اعتبر ماثيو فيردين، خبير الأمن العسكري الفرنسي، أنّ ما يجمع الموجودين في جبل الشعانبي هو السلفية الجهادية. لكنه نبه إلى أنّ التيار السلفي في تونس، على خلاف بقية دول الربيع العربي وحتى في دول أخرى مثل الجزائر، مازال غير مهيكل، وأن العقيدة التي تحكمه في النهاية هي عقيدة تنظيم القاعدة.
وأبرز التنظيمات السلفية الجهادية في تونس، والتي لفتت الأنظار إليها بعد إطاحة بن علي، "أنصار الشريعة" الذي يتزعمه أحد المطلوبين للولايات المتحدة سيف الله بن حسين المعروف بكنية "ابوعياض" والذي أعلنته السلطات التونسية محظورا متهمة إياه باستهداف قوات الأمن والجيش وباغتيال كل المعارضين البارزين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، وهو ما نفاه عدة مرات التنظيم.
وقال المحلل الأمني محمد الفرتاني، في حديث لـ CNN بالعربية حول المحور المخصص لبحث خريطة التنظيمات الجهادية التي ظهرت في تونس وشمال أفريقيا مؤخرا ضمن ملفات "حدث غدا" إنّ العفو التشريعي "المتخبط" الذي أقرته جميع الحكومات التي أعقبت إطاحة بن علي، سمح لأعضاء "مجموعة سليمان التي قاتلت نظام بن علي عام 2006، بالخروج من السجن واستئناف أنشطتها وفي غياب المجموعات المهيكلة والتي تتمتع بقيادة واضحة، أدى هؤلاء الولاء لأبو عياض وتنظيمه أنصار الشريعة."
ورغم أن أوساطا من المعارضة التونسية ترى علاقة بين أنصار الشريعة والمسار السياسي في البلاد، متهمة حركة النهضة الحاكمة باستخدام التنظيم "كلما ضاق الطوق عليها" إلا أنّ الخبير السياسي والأمني سامي ابراهم يستبعد ذلك قائلا "صحيح أن حركة النهضة تحاورت معهم لتسهيل سيطرتها على المجتمع ولكن ذلك الحوار كان من أجل تعزيز جبهة من جبهات العمل السياسي وليس الفكري أو الديني. والآن يرى تنظيم أنصار الشريعة في حركة النهضة ذات المرجعية الدينية أكبر عدو لأنّها أنهت ذريعة أنصار الشريعة في اعتبار المعركة بين مسلمين وكفار."
وتحصن أبوعياض بالفرار منذ محاولة إلقاء القبض عليه من قبل السلطات التونسية التي تتهمه بالوقوف وراء الهجوم الدموي على السفارة الأمريكية بتونس في سبتمبر/أيلول 2012، ولكنه عاد وأوقف في ليبية بعملية أمنية شاركت فيها قوات أمريكية نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي.
ويحمل التنظيم نفس اسم التنظيم الناشط في ليبيا والذي تتهمه تقارير بالهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازي وقتل السفير الأمريكي. وقال فيردين إنّ المعلومات تشير إلى أنّ أبوعياض موجود الآن في درنة بليبيا وينشط مع الفصيل الليبي من أنصار الشريعة.
ولا تتشكل مجموعات الشعانبي، على قلة عددها، من تونسيين فقط، بعضهم ينتمي لأنصار الشريعة، والبعض الآخر يحمل فكرا جهاديا دون انتماء، وفقا لمصدر دبلوماسي مقرب من أجهزة الاستخبارات الجزائرية، بل إنّ هناك أيضا ليبيين، يثبت وجودهم العلاقة بين أنصار الشريعة في البلدين. وأضاف أنّ هؤلاء ينتمون إلى "الجماعية الليبية المقاتلة" التي كان ينتمي إليها زعيم حزب الوطن الليبي، والسجين السابق في باغرام عبد الحكيم بلحاج. غير أن بلحاج ينفي الآن أن تكون له روابط بالإرهاب، مشددا على أنه يؤمن بالعمل الحزبي السلمي.
وترددت أسماء كثيرة لشخصيات قالت الاستخبارات الجزائرية إنها موجودة أو على علاقة بمسلحي جبل الشعانبي من ضمنها كمال بن عربية الذي اعتقلته السلطات الجزائرية غير بعيد عن محافظة القصرين التونسية التي يوجد فيها الجبل. وبن عربية على علاقة بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ويقود مجموعة أشخاص مدربين على صنع القنابل اليدوية والعبوات الناسفة. لكن لا يوجد حتى الساعة تأكيد رسمي عن ضلوع مجموعة بن عربية في الهجمات على قوات الأمن والجيش.
ووفقا لمدير مركز "دراسات الدفاع الأمني في الساحل وجنوب الصحراء" منتصر فايزي فإنّه من المرجح أن وجود30 جزائريا من تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" في جبل الشعانبي -- منتصر فايزي عند اكتشافه وأنهم على علاقة بزعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي عبد الملك دروكدال الذي صنفته الولايات المتحدة مطلوبا إرهابيا لديها.
وأضاف أنّ هناك فئة ثالثة من التونسيين توجد مع تلك المجموعة، رغم أنّ "العدد في مجمله لا يتجاوز العشرات، وأولئك ينتمون لفصيل "الموقعين بالدم" الذي يتزعمه المطلوب الآخر مختار بلمختار ولذلك فإنّ الأسماء التي تناولتها الصحف التونسية تحدثت عن فصيل "الموقعين بالدم" و"القاعدة" والمرابطين" وجميعها في حقيقة الأمر تعود لمسمى واحد هو فصيل مختار بلمختار."
وأضاف أنّ هؤلاء هم بضعة مقاتلين سابقين عادوا للبلاد من شمال مالي أيضا وكانوا ينتمون لكتيبة "طارق بن زياد" التي كان يتزعمها الجزائري "أبوزيد"، وتحركهم نفس ميول عائدين آخرين من سوريا، وفي الحقيقة فإنّهم هو الأسهل تطويعا لو أراد النظام استعادتهم لأنه ليست لهم قضية تتعلق بتونس وهم لا يكفرون المجتمع قدر ما يكفرون قوات الأمن معتبرين إياها من الطاغوت."
ويربط الخبير هذه الجماعات بتنامي أنشطة التهريب على الحدود بين البلدين. وتعتقل السلطات التونسية والجزائرية دوريا في الشهور الأخيرة أشخاصا مهربين ضمن حملاتها على الشبكات الإرهابية.
وقال سامي إبراهم، عضو المكتب السياسي لحزب المؤتمر "لقد استفادت هذه المجموعات من ضعف الدولة ومؤسساتها وأيضا من سهولة الحصول على الدعم المالي الخارجي كما أن التهريب سهل ذلك لأنه على المستوى الاقتصادي فإنّ السلفية ظاهرة هشة -- سامي إبراهيم ولذلك هم يستفيدون من البضائع المهربة ليحلوا مشاكلهم الاجتماعية مثل الزواج والختام حتى إنهم في بعض المناطق الفقيرة باتوا يلعبون دور الدولة والمجتمع المدني."
ويوافق فيدرين على ذلك قائلا إنّ المخاوف الأكبر في تونس لا تتعلق بالإرهاب في حد ذاته "فمجمل حصيلة القتلى بالعمليات الإرهابية لا يعدو أن يكون عملية صغيرة وحيدة في بلد مثل العراق أو حتى في الجزائر قبل سنوات، لكن المخاوف الحقيقية هي في زواج التهريب بالسلفية. وأعتقد أنّ الكثير ممن يوجدون في الشعانبي أو ممن قد يكونون في خلايا نائمة ليسوا سوى عصابات إجرامية ضالعة في التهريب وتجارة المخدرات وغيرها."
وأبرز مثال على هذا هو المطلوب رقم واحد في تونس حاليا، والذي لم تتأكد تقارير تحدثت عن اعتقاله، أحمد الرويسي.
تقول السلطات التونسية إنّ أحمد الرويسي هو الزعيم الفكري للمجموعة التي اغتالت كلا شكري بلعيد ومحمد البراهمي. ويوجد اسم الرويسي في جميع قضايا الإرهاب في تونس منذ عام 2006، بما فيها عملية سليمان نفسها. والرويسي هوعرّاف سابق كما أنه تمّ سجنه زمن بن علي بسبب ضلوعه في تجارة المخدرات، وفقا للخبير الأمني السابق في الداخلية التونسية يسري الدالي.
وقبل سقوط بن علي، كانت صور الرويسي تملأ إعلانات الصحف على سبيل أنه عراف وقارئ كف لا يشق له غبار، بعد أن ادعى أنه عاد من فرنسا بشهادة في علم الفلك.
ومن جهته أكد فيردين، بناء على ما يملك من معطيات، أنّ الرويسي على علاقة بليلى الطرابلسي، زوجة بن علي، المعروف عنها ولعها بقراءة الكف، وهو ما قد يشير إلى علاقة بين الاستخبارات التونسية، وأيضا الجزائرية، وأحمد الرويسي وجماعته، لاسيما أن عددا من المطلوبين كانوا أقاموا فترة في السجون التونسية والجزائرية، كما أن من ضمنهم أشخاص ضالعون في ظاهرة البحث عن الكنوز داخل الكهوف، وهي الظاهرة التي طبعت المجتمع التونسي في سنوات حكم بن علي الأخيرة، وقالت تقارير إنّ من يقف وراءها هم عائلة وأصهار بن علي نفسه.
ولا توجد تقارير عن مكان الرويسي الآن باستثناء تقارير غير مؤكدة عن فراره إلى ليبيا. لكن الأنباء عنه عادت نهاية العام على لسان الداخلية التونسية التي أكدت أنه يتزعم تنظيما كان يخطط لشن عمليات إرهابية بمناسبة نهاية العام في تونس ومن ضمنها تفجير مقر الاتحاد العام التونسي للشغل. والجديد في الأمر أنّ الداخلية التونسية قالت إنّ الرويسي يتزعم الآن كتيبة يطلق عليها "كتيبة المتبايعون على الموت."
وقال الخبير فيردين إنّ الاسم غريب "وهي المرة الأولى التي أسمع فيها بهذا الاسم. وهذا الاسم عادة ما يستخدمه السلفيون الجهاديون في مناسبات محددة عند الدعوة للقيام بعملية أو مظاهرة ولكن لا علاقة للاسم بجماعة معروفة حتى الساعة."
ويغمر فيردين من ناحية التقارير التي يتداولها عدد غير ضئيل من التونسيين ومفادها أنّ خطر ظاهرة الإرهاب موجود في البلاد ولكن تعقيدات الظاهرة وتداخلها وامتدادها جغرافيا بين عدة دول وعدة أجهزة، زيادة على اختراق السلفيين الجهاديين من قبل عدة أجهزة أمنية ودول ورجال أعمال وسياسيين، يجعل من الصعب استيعابها مثلما هو عليه الوضع في دول أخرى.
وأضاف فيردين قائلا "في تقديري فإنّ انحسار الظاهرة سيكون مع تقدم العملية السياسية في تونس وتقاسم السلطات واستتباب الوضع الاقتصادي" غير أنّ الخبير في الجماعات الإسلامية علية العلاني لا يوافق جزئيا على ذلك قائلا "إن هدف هذه الجماعات هو تشكيل تنظيم دولي سلفي يجمع سلفيي المغرب والمشرق -- علية العلاني على غرار التنظيم الدولي للإخوان المسلمين ويمكن لذلك أن يرى النور إذا أصبحت ظاهرة السلفية راسخة في دول الربيع سواء بمشاركتهم في العملية السياسية في الحكم أو المعارضة. والسيطرة على المنتمين للظاهرة أمنيا غير سهلة بالمرة وهي مرتبطة بمجود وطني جبار ينبغي الانطلاق فيه ويشمل الجهد الاستخباراتي والأمني والاقتصادي والسياسي والمعالجة الثقافية لتطويق ظاهرة العنف لدى الشباب."