يمكن لأي متابع أو مدقق النظر أن يدرك بسهولة أن العديد من المشكلات في جمهورية مصر العربية، مثل السحابة السوداء، والمياه والتربة الملوثة، وانتشار الأمراض والأوبئة المعدية، والأغذية المسرطنة، ونهب وتدمير الموارد الطبيعية والصناعية، والتعدي على الأراضي الزراعية والمحميات الطبيعية...الخ، كانت بمثابة قاعدة انطلاق للثورة المصرية بموجاتها المختلفة. إن نمط الاقتصاد البيئي الملوث وغير العادل اجتماعياً، كان من أهم الأسباب التي أدت إلى قيام الثورة المصرية.
هذا المنظور البيئي للثورة كان فكرة كتاب صدر حديثا من دار المعارف للدكتور محمد عبد الرؤوف، بعنوان "البيئة في زمن الثورة"، حيث يناقش هذا الكتاب الثورة المصرية بموجاتها المختلفة، من زاوية بيئية علمية بحتة، بعيدا عن التحليلات والجدال السياسي.
فقد مثلت هذه المشكلات البيئية ما يسمى بالظواهر غير المستقرة، وهى المشكلات التي تحمل بين طياتها احتمالية التطور، أو التسبب في نشوء نزاع، صراع، مظاهرة...الخ، وفيما يخص ثورة 25 يناير وموجاتها المتتالية المختلفة، فقد وضحت كثير من هذه الظواهر، والتي لو انتبهت لها السلطة الحاكمة، لكانت قد تفادت - بكل تأكيد - قيام الثورة.
يناقش الكتاب عدداً من القضايا البيئية التي أثيرت خلال الثورة المصرية، عن طريق رصد وتحليل الشعارات واليافطات البيئية، التي رفعت من قبل جماهير المتظاهرين، وذلك منذ قيام الثورة، وحتى ثورة 30 يونيو 2013 ومنها:
- أضرار المحيطين الحيوي والمشيد، فمن وجهة نظر بيئية، نجد أنه أثناء وبعد الثورة المصرية كانت البيئة تحت ضغط شديد، حيث وجدنا حرقاً وتدميراً للعديد من الأصول البيئية المشيدة Man-Made Assets، وأيضاً منظومة البيئة الطبيعية أو المحيط الحيوي Bio-sphere.
- نهب وتجريف أراضي الدولة، بما فيها الأراضي الزراعية وأراضي المحميات الطبيعية.
- أزمة نهر النيل، والتي يمثل البعد البيئي فيها عاملاً، مهما سواء من حيث المشكلات البيئية الحالية المرتبطة بالنهر، أو للمشروعات المختلفة المزمع إقامتها.
- مفهوم المواطنة البيئية، والذى ظهر جلياً في تنظيف الميادين فور انتهاء الثورة، وكذلك حملات النظافة والطلاء عقب الثورة. وهناك العديد من المقولات الشهيرة عن ثورة 25 يناير 2011م، ومنها ما يشير للبعد البيئي ومنها مقولة أنه "لأول مرة نري شعبا يقوم بثورة ثم ينظف الشوارع بعدها".
- مشكلة المياه بأبعادها المختلفة سواء توفيرها وتخصيصها للقطاعات والمدن المختلفة بالكميات والجودة المناسبة، بلا شك فان نزاعات القرى المرتبطة بالري تمثل عاملاً هاماً هنا، أضف الى ذلك بين الحين والآخر مشكلة المياه الملوثة التي تتسبب في أمراض وتسمم في عدد من القرى، وما يترتب عليه من تذمر وتجمهر..الخ
- كما يناقش الكتاب مشكلات وقضايا أخرى عديدة مثل نكسة الغاز الطبيعي مع قضية عدالة توزيع الثروة المرتبطة بالموارد الطبيعية، الأغذية والمبيدات المسرطنة، البيئة في الانتخابات الرئاسية وفي الدستور، وفى التشكيل الحكومي.
- مشكلة القمامة وحملة وطن نظيف، وضرورة وضع خطة قصيرة ومتوسطة وطويلة لعلاج مشكلة القمامة وتدمير المخلفات، وصولاً للهدف طويل المدى بتحقيق مبدأ "صفر مخلفات".
كما يوضح الكتاب أن البيئة قد تكون أكبر فائز أو أكبر خاسر نتيجة الثورة، ويعتمد ذلك بالأساس على عدة عوامل منها، مدى سلمية الثورة ومدى نجاح الثورة ومدتها، ومدى نجاحها في تغيير الفكر الاستراتيجي في إدارة موارد الدولة؟ وبكل تأكيد البيئة هي الرابحة في حالة إنتاج الثورة نظاماً ديموقراطياً ومستقراً.
ويقترح المؤلف حلولا للمشكلات المتعلقة بالبيئة، لتكون خارطة طريق للمسئولين المشغولين بقضايا الوطن، والعمل على حلها لتحقيق حلم وطن نظيف وحماية الموارد الطبيعية التي هي الثروة الحقيقية للأمة. ومنها
التحول للاقتصاد الأخضر الذى يحقق العديد من الأولويات السابقة، وبتطبيق الحوكمة البيئية الرشيدة Good Environmental Governance، وهنا لابد من تقوية البناء البيئي المؤسسي خاصة دور وزارة البيئة، بحيث يصبح دورها أكثر فاعلية وتأثيراً.
ومن ضمن ما يخلص له الكتاب أن "القضايا والمطالب البيئية توحد الجميع"، فهي مطالب توافقية لصالح جميع القوى والحركات السياسية وفئات الشعب المختلفة، عكس المطالب السياسية أو الاقتصادية التي قد تختلف وجهات نظر القوى السياسية المختلفة حولها.
المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه، محمد عبدالرءوف، المنسق العالمي للمجتمع المدني لمجموعة البحث العلمي التابعة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر CNN