(ما يرد في المقال لا يعكس وجهة نظر CNN وإنما يعبّر فقط وحصرا عن رأي كاتبه)
(CNN)-- ليس النقاش الدائر حول تشكيل الحكومة في لبنان سوى محاولة متكررة للأطراف السياسية اللبنانية من أجل إستعادة شرعيتها بعد أن خسرتها عندما تعطّلت كافة مؤسسات الدولة وأصبحت غير خاضعة للقواعد الدستورية والديمقراطية.
إن الواقع الحالي للدولة للبنانية يدلّ على انهيارٍ تام لمؤسساتها ,يتمثّل بعدم وجود سلطة تنفيذية بعد أن استقالت الحكومة منذ حوالي عشرة أشهر، فضلاً عن أن القوى السياسية لم تستطع التوافق على تشكيل حكومةٍ جديدة. ناهيك عن أن مجلس النواب قد مدد لنفسه سبعة عشر شهراً في 15 أيار 2013، ولم تحصل الإنتخابات حسب المهل الدستورية خلال شهر يونيو/حزيران.
زد على ذلك المؤسسات القضائية والعسكرية التي فقدت قياداتها بعد تقاعد معظمهم ويديرها أشخاصٌ بالوكالة. وليس الإنقسام السياسي والإنهيار الأمني والتدهور الإقتصادي إلّا من علامات إنهيار الدولة وعجز السلطة السياسية عن تحمّل مسؤولياتها في ظل التوتر الشديد السائد في المنطقة والنزاع الجاري في سوريا. لذلك يحتاج لبنان إلى خارطة طريق تعيد تكوين السلطة وتفعّل المؤسسات الدستورية تكون بدايتها إنتخابات نيابية قبل الرئاسية وعلى اساس قانون جديد.
تحاول الأطراف السياسية تشكيل السلطة مجدداً والبقاء في الحكم خوفاً من فقدان دورها السياسي بعد أن خسرت كثيراً من رصيدها الشعبي. إن الإستحقاق الدستوري المقبل هو انتخابات رئاسة الجمهورية التي يجب أن تحصل خلال الربيع المقبل قبل إفراغ كافة المؤسسات الدستورية من قياداتها. بدأ النقاش حول تشكيل الحكومة في الأسابيع الماضية، وكما جرت العادة، تنحصر كافة المفاوضات ما بين الأطراف السياسية على توزيع الحصص على الطوائف، وحول العناوين الكبيرة ذاتها، أي دور المقاومة وسلاح حزب الله واستعماله في الصراع الدائر في سوريا. ويجري النقاش حول الحكومة في ظل مؤتمر جنيف 2 ووجود أكثر من مليون نازح سوري، وتصاعد حدّة الاغتيالات والمتفجرات المتنقلة.
ثمة إقتراحان مطروحان حالياً لتشكيل الحكومة، الأول تطرحه كافة الأطراف السياسية وهو أن تضمّ الحكومة الأحزاب المتنازعة المختلفة وأن تتوزّع الحقائب على الشكل الآتي: ثمانية وزراء لـ 14 أذار، ثمانية وزراء لـ 8 آذار، وثمانية آخرون يعينهم رئيس الجمهورية.
يبطّن هذا الخيار نيات سياسية مبيتة بعدم انتخاب رئيس للجمهورية في الموعد المحدّد في مايو/أيار، وانتقال صلاحياته لمجلس الوزراء بعد انتهاء صلاحيته الدستورية. أما الاقتراح الثاني، فهو لرئيس الجمهورية ويقضي بتشكيل حكومة حيادية من شخصيات غير تابعة لأطراف سياسية قبل الانتخابات الرئاسية. بالرغم من أن هذا الطرح جيد بالشكل ولكن لا يظهر أن الرئيس متمسك به كحلٍ بديل لإنهيار السلطة، بل كورقة ضغط من أجل حث الأطراف السياسية على التوافق لتشكيل حكومةٍ.
لا يمكن بعد ما آلت إليه الأمور في الدولة اللبنانية، وفي ظل كل المخاطر التي تحدق بلبنان، تَرْك هذه الأطراف تعيد تشكيل السلطة والمؤسسات فقط لضمان بقائها--جيلبر ضومط. ولذلك، يتوجب على المجتمع المدني اللبناني أن يبادر إلى اغتنام الفرصة في ظل التحديات وأن يقترح خارطة طريق تنقذ لبنان من ورطته ليس لمرة واحدة فقط، وإنّما من خلال مسارٍ يعيد بناء النظام الديمقراطي في البلاد. إن الأهم في هذه الخارطة الضغط من أجل أن تكون الإنتخابات النيابية قبل الرئاسية حتى يتمّ إعادة تكوين السلطة من خلال إعادة إنتخاب ممثلي الشعب وليس من خلال تغيير رأس الهرم أي رئيس الجمهورية، وبالتالي إعادة إنتاج الأزمة في وقت قريب.
تستند خارطة الطريق المقترحة على مبدأ إخراج لبنان من قبضة زعماء الطوائف وما يمثلونه من مصالح لدول المنطقة وبالتالي إعادة خلط الأوراق وتشكيل السلطة ومؤسسات الدولة على أسس المواطنة والمساواة والعدالة وحسب المراحل التالية:
أولاً، تشكيل حكومة حيادية يتمحور دورها حول إدارة الإنتخابات النيابية قبل موعد الإنتخابات الرئاسية في أيار 2014. إن تشكيل حكومة من الأطراف الحالية ليس إلا تمديد للأزمة وإعادة إفساح المجال للبعض لاستغلال موارد الدولة خدمةً لمآربهم الإنتخابية.
ثانياً، إقرار قانون إنتخابات نيابية على أساس القانون المختلط الذي أعدته لجنة "فؤاد بطرس" سنة 2006. إن القانون الأفضل هو قانون خارج القيد الطائفي على أساس النسبية وأن يكون لبنان دائرة واحدة ولكنه بعيد المنال في ظل النظام السياسي الطائفي الحالي وبالتالي قانون "فؤاد بطرس" يمكن أن يكون البديل المعقول.
ثالثاً، تنظيم الإنتخابات النيابية وإدارتها من قبل هيئة مستقلة. هذه الهيئة قد أقرت في مشروع القانون المقترح، وهي ضرورية للحدّ من إمكانية تأثير السلطة التنفيذية على العملية الإنتخابية.
رابعاً، انتخاب رئيس جمهورية من خارج الحلبة السياسية الحالية وعلى أساس برنامجٍ إنتخابي معلن. إن تحديد موعد الإنتخابات الرئاسية بعد الإنتخابات النيابية أمرٌ اساسي حتى يتسنى للمجلس النيابي المنتخب إنتخاب الرئيس وليس المجلس الحالي الفاقد الشرعية الدستورية.
خامساً، تشكيل حكومة مهمتها إدارة حوار وطني من أجل عقدٍ اجتماعي جديد وتطبيق المادة 95 من الدستور من خلال انشاء الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية. يحتاج لبنان إلى بلورة نظامٍ جديد وثقافة سياسية جديدة بدلاً من النظام الحالي الذي برهن فشله مراراً وتكراراً منذ استقلال لبنان عام 1943.
سادساً، بدء ورشة إعادة بناء مؤسسات الدولة ومعالجة الفساد المستشري ومحاكمة كل من تورّط في جرائم وعمليات الفساد خلال الحقبة الماضية. ومن الأهمية بمكان عدم تكرار تجربة فترة ما بعد الطائف حيث قيل "عفى الله عما مضى" ولم تتم محاسبة أي من الأطراف التي تورّطت بالحرب فأعادت إنتاج ذاتها لأن من الصعب بناء نظامٍ ديمقراطي من دون إحقاق العدالة.
يُترَك لبنان حالياً ورقة تفاوض بين الأطراف الإقليمية والدولية ضمن الصراع الدائر في سوريا وتُستعمَل الأطراف اللبنانية الداخلية لتنفيذ الأجندات المتناقضة--جيلبر ضومط. ولا يمكن إبقاء لبنان، في ظل ما يحدث في المنطقة، مفتوحاً على كل الاحتمالات خاصة أن أي تدهور قد يتطور إلى حربٍ أهلية أخرى لن يكون من السهل إيقافها. ولا يمكن أن يحصل أي تغيير في البلد في حال لم تتوفر الإرادة السياسية لذلك، ولن تتوفر في ظل تمسّك الأطراف الطائفية بالحكم.
وبموازاة ما يواجه البلد من مخاطر وتحديات دستورية وسياسية وأمنية، تبرز فرصة لإيقاف هذا التدهور إذا ما توفّرت عناصرٌ محلية لعلّ أهمها إنشاء بديل سياسي يتألف من مثقّفين وناشطين ويتحرك من أجل خارطة طريق بديلة تعيد بناء النظام السياسي على أسس المواطنة والمساواة والعدالة، وتحيّد لبنان عن الصراعات الدائرة في المنطقة.
ما ورد في المقال يعبّر فقط وحصرا عن رأي كاتبه ولا يعكس وجهة نظر CNN