"لبننة" العراق و"عرقنة" لبنان

الشرق الأوسط
نشر
7 دقائق قراءة
تقرير جيلبر ضومط
"لبننة" العراق و"عرقنة" لبنان
Credit: MAHMOUD ZAYYAT/AFP/Getty Images

(CNN) -- بعد أسبوع أمضيته في بغداد، خرجت من الفندق متجهاً إلى المطار وينتابني الخوف من وقوع أي إنفجار على الطريق. أما العراقيون, فيعيشون حالة القلق هذه يومياً ويجتاح الخوف النفوس في كل صباح وخلال التنقل في أي من شوارع المدينة. وفور وصولي إلى بيروت, انتابني الشعور ذاته إذ أن الأمن المتدهور يجعل اللبنانيين يتساءلون عن امكانية عودتهم سالمين بعد انتهاء كل نهار.  وفي كل يوم، تحصي الأخبار المسائية عدد الإنفجارات والضحايا ويظهر السياسيون على شاشات التلفزة ويطالبون "بدرء الفتنة وتعزيز الوحدة الوطنية".

بين بغداد وبيروت، مرّت الطائرة فوق الشام وهي ما يفصل بين البلدين جغرافياً ولكنها تجمع بينهما أيضاً من حيث انعكاسات الأزمة السورية. وتعيش المناطق الحدودية لكلا البلدين مع سوريا حالة توتر دائمة. وتتنقل المجموعات السنية المتطرفة، المدعومة من قبل السعودية وقطر بغطاء أمريكي غربي، لدعم الثورة في سوريا حيناً ثم تعود إلى البلد حيناً آخر لتدبر عمليات إنتحارية في المناطق الشيعية. والأمر سيان مع المجموعات الشيعية المتطرفة، المدعومة من إيران بغطاء روسي، لدعم النظام السوري حيناً ثم تعود وتحاول ان تسيطر على النظام السياسي والأمني من خلال سيطرتها على الأجهزة الأمنية الرسمية.

ويزداد عدد النازحين السوريين في البلدين الذين يتمركزون في المناطق بحسب إنتماءاتهم المذهبية والسياسية، ما يؤدي إلى تفاقم الإنشقاق الحاصل داخل المجتمع.

ويتعمد السياسيون في البلدان تعزيز الإنقسام بين السنة والشيعة وولائهما بين السعودية وايران. ويتم دعم الأحزاب الأقوى في البلدان وتمويلها وحتى تسليحها في بعض الأحيان من قبل هذه الدولة أو تلك. أما العلاقة بينها, فهي علاقة تمزج بين العقيدة الدينية والنظرة السياسية والمصلحة المادية.

وبدأ هذا الإنقسام وترسخ حين تم "لبننة العراق" أي عندما تبنى العراقيون، بعد سقوط صدام حسين في العام 2003، نظاماً سياسياً يشبهه النظام اللبناني المبني على أساس المحاصصة الطائفية حيث توزع المناصب السياسية بحسب الطوائف والأحزاب التي تدّعي تمثيلها بدلاً من تأسيس دولة مدنية ديمقراطية تساوي بين مواطنيها. أما اليوم, فنتكلم عن "عرقنة لبنان" أي تحول الصراع السياسي بين الأحزاب السنية والشيعية إلى صراع أمني يترجم من خلال التفجيرات وتصاعد العنف الإجتماعي وإضعاف الأجهزة الأمنية. ويستشري الفساد في البلدان ويحتمي الفاسدون بطوائفهم حتى يتهربوا من المحاسبة ويستغلوا هشاشة النظام السياسي ويستمروا بالحكم. وقال لي أحد الشباب النشطاء في المجتمع المدني إن "الطائفية تخدم الفساد في العراق وليس العكس،" حيث أن الهدف الأهم للسياسيين هو استغلال موارد الدولة فقط وليس حتى حماية طوائفهم إلا بالشعارات.

ومن الواضح أن البلدان يخضعان للصراع الإقليمي والدولي ولا يتحكمان في كامل مفاصل اللعبة السياسية، بل يترقبان إنعكاساتها. ولكن في ظل كل هذه الأمور، تظهر إشارات إيجابية في المنطقة إذ يستمر مؤتمر جنيف في جولته الثالثة بجمع الأطراف السورية والتمتع بغطاء دولي، ويترافق ذلك مع إعلان الملك السعودي تجريم الإنضمام أو الدعم أو المشاركة مع مجموعات إرهابية داخل أو خارج المملكة، ليتوج هذا القرار بزيارة للرئيس الأميركي خلال شهر آيار/مارس. وفي الوقت ذاته، تمّ انفاق مبلغ 550 مليون دولار لإيران وهو جزء من الأرصدة المجمدة من قبل الغرب خلال فترة العقوبات السابقة قبل أن ترضخ ايران للشروط المرتبطة ببرنامجها النووي.

وقد توج ذلك في الإتفاق الأخير بينهما والذي أكد عليه تصريح الرئيس الأمريكي باراك أوباما حول استعداده ليمارس حق الفيتو على أي قرار للكونغرس الأمريكي في حال طرح أي مشروع قانون لزيادة العقوبات على إيران.

ويبدو أننا دخلنا في مرحلة التسوية بين السعودية وإيران برعاية أمريكية – روسية. وإذا دام هذا الإتفاق, فإنه سينعكس على العراق ولبنان, وخصوصاً إذا أشرف الصراع السوري على الإنتهاء ليعكس استقراراً سياسياً وأمنياً في المدى المتوسط وفي بغداد وبيروت. وقد يؤدّي ذلك الى توقف السعودية عن دعم المجموعات الإرهابية وبالتالي توقف التفجير الأمني، وستوقف إيران دعمها للنظام السوري وتتخلى عن محاولاتها بالسيطرة على وضع الأجهزة الأمنية في كلا البلدين.

وفي ظل هذا الواقع، لا يلعب المجتمع المدني أي دور فعال على الصعيد السياسي. وتبقى منظمات المجتمع المدني منقسمةً على شكل الصراع السياسي الطائفي أو عاجزةً تنظيمياً من دون أي قدرة على التنسيق للدفاع عن القضايا المشتركة بشكل فعال. وفي العديد من الأحيان, لا تأبه إلا بالتمويل الخارجي وتنفيذ المشاريع من دون جدوى، حتى قال لي أحدهم إن "منظمات المجتمع المدني تزداد ولكن الديمقراطية تنحدر باستمرار".

وفي كل الأحوال، لا يمكن للعراق ولبنان أن يبقيا عرضةً للتجاذبات الإقليمية والدولية ولا بد من وسائل تحيدهما عن التوتر الدائم في المنطقة، فضلاً عن ضرورة إرساء قواعد ديمقراطية التي تعزز الإستقرار الداخلي.

ويعتبر العام 2014 مهماً للخروج من هذه التجاذبات، إذ أن الانتخابات النيابية ستجري في البلدين. وبالتالي, من الضروري الضغط من أجل إصلاح الأنظمة الإنتخابية لتدمج دوائر جغرافية مختلطة طائفياً وترتكز على أساس النظام النسبي، حتى تتمثل نخب جديدة قادرة على المنافسة السياسية.

وقد تبدو الحاجة ملحة لإنشاء أحزاب حديثة عابرة للطوائف تتبنى مشروع الدولة الديمقراطية التي تساوي بين المواطنين وتعدل بينهم على أساس حقوقهم وواجباتهم وليس طوائفهم.

وتبقى عناصر التشابه في الحالة السياسية بين العراق ولبنان كثيرة ويمكن أن تكون هي ذاتها في اليمن والبحرين ومصر والعديد من الدول العربية. ويمكنك أيها القارئ أن تقول إن هذا الطرح مثالي وغير واقعي ولكن الطروحات "الواقعية" حتى الآن لم تكن أكثر جدوى ولا بد من أمل إذا تظافرت الجهود.