تنويه من المحرر: كاتب هذا المقال هو ميشيل أورين السفير الإسرائيلي السابق في الولايات المتحدة، من مؤلفاته "القوة، الإيمان والوهم :أمريكا في الشرق الأوسط من 1776 إلى الآن، والمقال يعبر عن رأي صاحبه ولا يعكس بالضرور ة وجهة نظر CNN.
(CNN)-- مثل الأمريكيين، بدأ الإسرائيليون يومهم بمشاهدة برامج الأخبار على محطات التلفزة المختلفة. تلك العناوين التي تمثل القضايا التي تهم البلاد. ولكن إسرائيل، بالطبع، ليست أي دولة، بل دولة يهودية مثيرة للجدل وفي صراع دائم ضمن شرق أوسط مضطرب، وذو أغلبية ساحقة من المسلمين.
ما يمكن توقعه بعد ذلك، هو سماع محللين في تلك البرامج يناقشون آخر العقبات في محادثات السلام مع الفلسطينيين، أحدث التفجيرات الإرهابية خلف حدود إسرائيل الجنوبية مع مصر، أو الكشف عن مزيد من الصواريخ المتطورة في مستودعات حزب الله في لبنان. ولكن القصة التي استحوذت على برامج الصباح لهذا الأسبوع لم تكن أياً من تلك الموضوعات. القضة الرئيسية على العكس من ذلك كانت نسبة الشوارع في تل أبيب التي تحمل أسماء نساء.
لقد تبين أن باحثات من النساء، وناشطات في مجال حقوق المرأة أجرين مسحاً على أسماء الشوارع، ليكتشفن أن غالبية الشوارع تحمل أسماء رجال. وخلال التحضير للعمل، أبقيت عيني على التلفزيون وواصلت الاستماع، مفتونا، حيث ممثلات عن جماعات حقوق المرأة يجادلن بانفعال حول المساواة بين الجنسين في تسمية شوارع تل أبيت. لقد فرضن قضية بالقوة حتى على مستضيفهم في البرنامج، وفي الغالب كن أكثر نزقاً بشكل عام أكثر من نظيراتهن في أميركا، وأكثر إقناعا. أنا أيضا، كنت مندهشا، ليس فقط بشأن النقاش، بل أيضا بشأن حقيقة أن النقاش يجري فعلا.
من تل أبيت، ساعتان بالسيارة لتصل إلى الأردن، حيث آلاف البيوت من الخيام المؤقتة التي أقيمت للاجئين السوريين، ما جعلها ثاني أكبر مدينة في الأردن.
من تل أبيت، يمكن للمرء أن يقود سيارته أقل من ثلاث ساعات إلى الشمال، لمساقة أقرب من المسافة بين نيويورك وبوسطن، ليصل إلى دمشق، حيث الحرب الأهلية الطاحنة، أو يمكن للمرء أن يقود باتجاه الشرق من تل ابيب، وخلال ثماني ساعات يكون في العراق، حيث يتم إحصاء آلاف القتلى الذين يسقطون كل شهر في التفجيرات الانتحارية.
رحلة قصيرة مماثلة لنحو تسع ساعات سوف تقودك إلى ميدان التحرير، في وقت آخر المواجهات بين المتظاهرين المصريين وقوات الأمن. عاصفة حقيقة من النيران تلتهم الشرق الأوسط، وتل أبيب الإسرائيلية، فقط تقوم للتو باستبدال نقاط الاشتعال.
حتى الآن حقوق المرأة، وليس الاضطرابات التي تحيط بإسرائيل من كل جانب، هي المسيطرة على النقاش في أخبار الصباح، تفسير واحد بالتأكيد، هو أن الإسرائيليين يحتاجون إلى تحويل انتباههم عن الفوضى المحيطة بهم، وماذا يمكن أن يكون أفضل من نقاش حول المعالم.
بعد ذلك كله، سؤال ما إذا كان سيطلق اسم غولدا مائير على أحد الشوارع، هو بالتأكيد أسهل من سؤال عن إمكانية تعايش إسرائيل مع إيران المسلحة نوويا.
مطلب آخر، يطرحه رجال دولة زائرون وهو هل من مصلحة إسرائيل أن تفكر بالخيارات الصعبة التي تواجهها في علمية السلام. في الحقيقة الدعم لحل الدولتين يتجه إلى التنامي بين الإسرائيليين هذه الأيام، فهناك زيادة بنسبة أكثر من 60% مما كانت عليه في سنوات التفجيرات الانتحارية، حين كانت النسبة صفر. ولكن السبب الرئيسي وراء اهتمام إسرائيل بحقوق المرأة في هذا الوقت، هو أكثر حيوية ويظهر سر هذه الدولة. السبب هو الثبات.
متفردة من بين شعوب العالم، لم تعرف إسرائيل لحظة سلام. فمنذ تأسيسها عام 1948، ولسنوات عدة قبل ذلك، كانت البلاد دولة حرب صلبة، وحتى بالرغم من تلك الصدمة، يرفض الإسرائيليون أن يعيشوا حياة غير طبيعية.
هم فدائيون تقريبا، يصرون على العيش بشكل طبيعي، سمها فقاعة، وهم، ولكن الحقيقة أن ذلك يتماشى مع الواقع. ففي غمرة الجنون الذي يحدث في المنطقة، بنت إسرائيل العديد من الجامعات الرائدة في العالم، وقطعت شوطا في قطاع التقنية المتطورة، نظام رعاية صحية عالمي، وديمقراطية واسعة.
نعم هناك جدل. وليس هناك حتى الآن حل دولتين للإسرائيليين والفلسطينيين، وليس هناك نهاية منظورة لبرنامج إيران النووي. تقرير حديث للمخابرات الإسرائيلية يفيد بأن الإرهابيين يوجهون 170 ألف صاروخ إلى الدولة اليهودية. ولكن في شوارع تل أبيب، وهي المدينة الأكثر عرضة للتهديد على وجه الأرض، المقاهي والمراكز الثقافية ممتلئة، الطعام رائع والناس يتجادلون لماذا لم تطلق أسماء نساء على تلك الشوارع.
الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي كاتبه، ميشيل أورين، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر CNN.