في سوريا.. الفاشية ليست أفضل الشرين

الشرق الأوسط
نشر
9 دقائق قراءة
في سوريا.. الفاشية ليست أفضل الشرين
Credit: syrian national movement

(ملاحظة المحرر: كاتب مقالة الرأي هو فهد ناظر وهو محلل مختص بشؤون الإرهاب ومحلل سياسي سابق في سفارة المملكة العربية السعودية في واشنطن. وما يرد في المقال يعبّر فقط عن رأيه ولا يعكس وجهة نظر CNN)

في خضمّ سفك الدماء والاضطراب الذي يهز سوريا، هناك أمر وحيد واضح: إنها حملة الدعاية التي يقوم بها نظام بشار الأسد ضد المعارضة تجد صدى لها في بعض دول الغرب وفي أماكن أخرى من العالم.

فالنظام يصف باستمرار معارضيه "بالإرهابيين" وبعد أن تحولت احتجاجات، ألهمها ربيع عربي سلمي، إلى تمرد مسلّح يضمّ مجموعة واسعة من الجماعات الإسلامية ضمن فصائل مقاومة متنوعة، يسمح البعض في المجتمع الدولي لخوفهم المستهلك من "الإرهاب" بأن يمنعهم من التعرف، على  إيديولوجية تعادل ذلك خطورة دفعت "العالم في السابق إلى حرب حصدت أرواح الملايين وتسببت في فظائع لم يكن ممكنا تصورها ومازال العالم يكتشف إلى اليوم آثارها وتداعياتها.

ومن دون أوهام فإنّ أولئك الذين يتبنون وجهة النظر القائلة بأنّ استمرار نظام الأسد هو "أقلّ الشرّين" فإنهم بذلك يعنون أن أفضل خيارتهم هي الفاشية فهد ناظر.

وإذا كان للتاريخ أن يكون مؤشرا، فإنّه إذا تحولت العقلية الفاشية إلى ذهنية داخل قاعدة أي نظام، فإنّه نادرا ما يليها السلام.. وأبدا لم يتوقف السعي إلى قهر الأعداء بمن فيهم الداخليون والخارجيون.

وينبغي على الممانعين أو المترديين من المجتمع الدولي إزاء معاقبة بشار الأسد، على تجاوزه كل الحدود التي تحكم الحروب الأهلية، أن لا يغفلوا أنّ هناك احتمالا كبيرا، سيكونون مجبرين على مواجهته في فترة ما من المستقبل القريب، وذلك عندما يتحدى قواعد العلاقات الدولية بشنّ هجوم عسكري غير مبرر على أمة ينحى عليها بلائمة مشاكل سوريا.. والمرشحة الأكثر ترجيحا لأن تكون تلك الأمة هي المملكة العربية السعودية.

ورغم أن هذا السيناريو يبدو بعيدا لعدة أسباب ليس أقلها عوائق لوجستية وأخرى تتعلق بهشاشة الوضعين الاقتصادي والعسكري لبلاده، ينبغي تذكّر أنّ المغامرات العسكرية غير محسوبة العواقب من قبل الأنظمة الفاشية تفاجئ الآخرين عندما تتحدى الحكمة التقليدية على عدة جبهات فهد ناظر.

وعلى غرار الأيديولوجيات التي تبرر الإرهاب، تنشط الفاشية داخل نسق وأبعاد أخلاقية واحدة، وبالتالي فإنّ حساباتها تربك أولئك الذين لا يؤمنون بها.

وعلى أولئك الذين يرفضون هذا السيناريو أن يستمعوا جيدا إلى اعتداءات الأسد اللفظية الأخيرة على ما يطلق عليها "الوهابية"، وكيف ينبغي "اقتلاعها من جذورها".. وعلى أولئك الذين يشككون في الاحتمال الواقعي لمثل هذا الهجوم أن يتذكروا نظاما بعثيا آخر بنى شرعيته على القوة العسكرية ووهم العظمة وقاد شعبه من حرب مدمرة إلى أخرى، ألا وهو نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين.. ويكفي أن نذكّر هنا بأنّ الكثيرين اعتبروا نظامه، إبان الحرب مع إيران، الأفضل بين شرين.

وفي أي دولة فاشية، يعدّ حفظ أمن الدولة والاستقرار والوحدة ضدّ المكائد الداخلية والخارجية أمرا دغمائيا مسلّما به، وهو نفسه الأسطورة المؤسسة للنظام السوري.

وإنّ ما صنعه بشار من فظائع أدت إلى تحويل سوريا إلى ملجأ للمسلحين الإسلاميين من مختلف أنحاء العالم، وأفضت باقتصاده ليصبح مجرد كسر مقارنة بما كان عليه قبل الحرب الأهلية، زيادة على ملايين المشردين وعشرات الآلاف من القتلى، كل ذلك يدعو الراغبين في طي الصفحة إلى وقفة.

وأخذا بعين الاعتبار وحشية نظام بشار الذميمة وسياسته الداخلية الغادرة وخطاباته ومواقفه المثيرة للحرائق خلال السنوات الثلاث الماضية، سيكون من الصعب أن لا يوصف نظامه بالفاشي فهد ناظر.

وفي الوقت الذي كافح فيه المنظّرون طويلا لتعريف مفهوم الفاشية ومشتقاتها، تكفي نظرة خاطفة على "آليات عمل" نظام الأسد لاستخلاص أنه يجسّد أبرز مميزات أكبر نوع مسلّح من الفاشية فهد ناظر.

إن السمة المميزة للفاشية هي أن يتم تبجيل "القائد" بحيث "تشخّص" الدولة فيه، وأي هجوم عليه يصبح هجوما على الأمة بأكملها.. إنه هو من يضع الرؤية لحياة الشعب، ويحدد له ما يفعل إلى حدّ تتقلص فيه إلى حد بعيد استقلالية الفرد.. ولم يترك الأسد أي شكّ في أنه يفضّل تدمير سوريا على أن يتنحى.

وعلى غرار صدام حسين، أثّر نفوذ أجهزة الأمن الداخلي على حياة الملايين من أبناء شعبه، ناشرة الخوف والشكّ وعدم الثقة من أجل السيطرة على نفسيات الناس.

وفي الوقت الذي انتظر العالم رحيل نظام صدام حسين ليكتشف الفظاعات التي ارتكبها، وغرف التعذيب التي جهزها لتكميم شعبه، يتم، يوميا، توثيق فظاعات ووحشية قوات الأسد الأمنية، وفي كثير من الأحيان من قبل مرتكبيها أنفسهم.

وآخر تلك القرائن، صور جثث آلاف المساجين الذين تم تعذيبهم وقتلهم في سجون الأسد، فيما يعدّ دليلا على أن مستوى فظاعاته يقترب بشكل خطير من مستوى جرائم أكبر نظام فاشي في التاريخ: النازية في ألمانيا--فهد ناظر.

وقد شارك في تصديق هذه الصور - الأدلة على تلك الفظاعات، فريق من الخبراء من عدة مجالات علمية وطبية وتوثيقية.. ونفى النظام السوري أن يكون عذّب المعتقلين، ونفى وزير العدل السوري في تصريحات لقناة الجزيرة التقرير قائلا إنه مسيّس ويفتقر إلى الموضوعية والمهنية.

ومثل سابقيه من الفاشيين، زرع الأسد إيديولوجيته الذميمة وسط أنصاره اعتمادا على الإعلام والدعاية، ومستخدما نظام تعليم يغرس في ذهن الناشئة تمجيد الحرب و"اصطياد السحرة"، وعلى شعارات تلعب على المشاعر "القومية والوطنية" لأنصاره، مقابل شيطنة جميع "أعداء" سوريا.

اعتمادا على هذه العقيدة، يقوم أتباع الأسد باختطاف آلاف الأطفال من منازلهم ليتم تعذيبهم حتى الموت.. وهي نفس النظرة المريضة التي "تبرر" لنظامه بأن يستخدم الأسلحة الكيماوية ضدّ المدنيين في أكثر من مناسبة. (ينفي الأسد أن تكون قواته قامت بذلك)

كما أن للفاشية تاريخاً في استخدام الدين والعرقية لتوسيع الانشقاق داخل المجتمع، اعتمادا على مبدأ "فرق تسد" لضمان أن لا تتوحد الجماعات ضدّه.. ورغم أن كليهما كانا يدعيان العلمانية، إلا أن كلاً من نظامي صدام وبشار استخدما الدين والطائفة لشرذمة المجتمع وتقسيمه وزرع الخوف بين الجماعات العرقية والطائفية.. وكلاهما قمعا بوحشية الأغلبية الدينية في بلديهما.

لقد فاجأ صدام حسين الكثيرين عندما هاجم إيران وصدم العالم باحتلال الكويت.. ورغم أنّه لم يظهر حتى الساعة أي نية لمحاكاة البعثي العراقي، إلا أن بشار كشف في السنوات الثلاث الأخيرة عن الوجه الفاشي الحقيقي لنظامه.

وفي حال استعاد بشار السيطرة على جميع أراضي بلاده، فإنه ربما سيشعر بالجرأة ليهاجم منافسيه الرئيسيين.. وإذا تحولت سوريا إلى دولة فاشلة بالكامل، من المحتمل أن يعتبر حلا له، نقل ضعفه في الجبهة الداخلية إلى "استعراض قوة" لتعزيز "معنويات" أنصاره بأن يقرر مغامرة ضدّ أي من خصومه تحت شعار القومية.. و"كمكسب إضافي" قد يرى الأسد في ذلك الهجوم فرصة لاختبار عزيمة الولايات المتحدة وبصمتها العسكرية في الخليج.

لطالما قللت دول العالم من العقلية الفاشية، ولكن باعتبار مواجهتها "موحدة" للإرهاب، ينبغي عليها أن لا تنسى الدمار الذي خلّفته الفاشية في الكثير من أصقاع الدنيا، وأن شبحها يحوم الآن على الشرق الأوسط فهد ناظر.

(ملاحظة المحرر: ما ورد في المقال يعبّر فقط عن رأي كاتبه ولا يعكس وجهة نظر CNN)