عمان، الأردن(CNN)-- كتب الأديب الاسباني خافيير سيركاس في روايته "جنود سالامينا" التي تتحدث عن الحرب الاهلية:"أيا يكن من يربح الحروب .. فخاسروها دائما هم الشعراء ..."
فالحروب الأهلية وحدها قادرة على كسر إرادة الأقلام وأسر الكلمة واغتيال حرية التعبير وإغراق الحريات العامة في مستنقع الفوضى والضياع.
وفي بلد الياسمين سوريا, يواجه الأدباء، وكل المبدعين أبشع أشكال الاقتتال حيث وطنهم ينزف دما غطى كل احلامهم وامالهم وإبداعاتهم . وفي وقت غاب فيه صراخ الكلمة وسط هدير الدبابات ودوي المدافع على مدار الساعة . .. يجد الأدباء والشعراء والكتاب أن عليهم اختيار أحد أمرين : البقاء الصامت في أوطانهم و تحدّي مأساة وطنهم بالكتابة لأن "الشعوب لم يجيشها يوما إلا الشعراء" أو اختيار المنفى بواقعه الاختياري أو الاجباري .
الذين اختاروا المنفى حملوا معهم وطنهم بكل أفراحه وأحزانه وغضبه وهمومه . لذلك نسألهم ، لماذا المنفى, وكيف يعبرون عن مشاعرهم، ماذا يكتبون، وأين ينشرون، وبماذا يفكرون ؟
بالنسبة للكاتب والروائي السوري هيثم حسين والمقيم في إحدى الدول الأوروبية فضل عدم تحديدها فقد اختار مر المنفى بعد أن أصبح البقاء في الوطن قيداً، سجناً كبيراً ومقبرة مفتوحة، وكان لابدّ من الخروج، وبخاصّة بعد تدمير بيته وطرده من وظيفته.
"..غدوتُ غريباً نازحاً في بلدي. لو كنت أملك أيّة فرصة للبقاء لما تكلّفت عناء التشرّد وأعباء الاغتراب والترحال والنفي والهجرة الروائي السوري هيثم حسين، لكن لم يكن لديّ ترَف الاختيار، ووجدت نفسي في طريق ذي اتجّاه واحد، يؤدّي إلى المنفى، والرجوع فيه يودي إلى المقبرة. "
ويضيف هيثم حسين صاحب رواية "الروائيّ يقرع طبول الحرب": "الهموم في المنفى تتعاظم، هموم أخرى جديدة تضاف إلى هموم الوطن والأهل، ولكلّ مرحلة جديدة مشقّاتها وهمومها، فالانتقال من بلد إلى آخر يجعلك أشبه ما تكون في متاهة متجدّدة، وهذا ينعكس على الكتابة والإبداع، فالأمر يحتاج إلى مقوّمات للاستمرار، ومجرّد الصمود في مثل هذه الظروف يعتبر بمثابة معجزة، ولاسيّما أنّ هناك تنكّراً للسوريّ من قبل أكثر من طرف يزعم مناصرته، في حين أنّه يضيّق عليه الحصار أكثر واقعيّاً".
الإعلامي والكاتب عدنان فرزات الذي يقيم في الكويت, يؤكد أنه للوهلة الأولى تبدو مشكلة الأدباء السوريين الذين في الخارج، هي مشكلة مستجدة ومرتبطة مع أحداث الثورة، ولكن منذ حوالي نصف قرن والمثقف السوري في الخارج يحمل هموم وطنه ولكن بصمت شديد، الكاتب عدنان فرزات والذي اختلف اليوم هو أن مساحة التعبيراتسعت بسبب كسر حواجز الخوف، كما أن كثيراً من المثقفين الذين كانوا لا يستطيعون التعبير عن همومهم في الداخل، أصبحوا اليوم في الخارج.
ولأن فعل الكتابة لأصحاب الكلمة هي خبزهم كفاف يومهم نسأل: هل يجدون منابر في المنفى تستقبل كتاباتهم؟! أم أن هناك حذراَ وتحفظاً من قبل بعض وسائل الإعلام حول ما يكتبون؟
يجيب الكاتب والصحفي السوري نجم الدين سمّان المقيم في اسطنبول, أن الإبداع لا يشكل مصدر دخل للمبدعين السوريين يعينهم على نفقات غربتهم؛ لأن أغلب جرائد الثورة ومجلاتها لا تدفع، نجم الدين سمان ولم تتشكل بعد مؤسسة ثقافية سورية حرة تعنى بهذا الإبداع، وتدعمه مادياً ليستمر وينتشر..
ويضيف أن المبدعين السوريين في تغريبتهم السورية خارج وطنهم اختاروا "التويتر" و"الفيسبوك" والمدونات الالكترونية فضاء لإبداعاتهم؛ حيث ينجح القليل في نشر إبداعهم.
كما ويبين سمّان الذي كان يعمل في جريدة شرفات الشام, أن الثورة لم تنتج مؤسساتها بعد للأسف؛ وحتى في الجانب السياسي فمؤسستها السياسية، الائتلاف الوطني السوري، ليس مؤسسة بالمعنى الحرفي للكلمة، ويهمها الإعلام أكثر من الثقافة والمثقفين.
أما فرزات الذي صدرت له حديثا رواية " لقلبك تاج من فضة"، وفيها يجسد انقسامات المجتمع السوري بعد الثورة، فيعتقد أن هموم المثقفين السوريين اليوم الذين هم في الخارج، تتمثل في عدم مقدرتهم على إيصال جروح وطنهم إلى الرأي العام العالمي بالشكل الأمثل بسبب، ارتفاع صوت المعركة وهيمنتها على الكلمة، وعدم توفر منابر مؤثرة وقوية لهؤلاء المثقفين لإيصال رسالتهم، فبعض المثقفين الموجودين في بعض الدول التي حكوماتها تميل نحو النظام، أو تلك التي لا تريد "وجع الرأس"، لا يتيحون مساحة لهؤلاء الأدباء للنشر عن معاناة وطنهم.
المعضلة الخفية, يكمل فرزات, أن الأدباء لم يجتمعوا في كتلة واحدة قوية ومؤثرة، بل مجموعات متفرقة يذهب شتات أصواتها في قاعات صغيرة تقيم فيها ندوة هنا وأمسية هناك..
ويوافقه هيثم حسين بان ّ الانقسام حول الموقف من الشأن السوريّ منعكس بجلاء ومتبدّ بشكل سافر في وسائل الإعلام.
" لاقيت وما زلت ألاقي صعوبة في التركيز على موضوعاتي التي أكتب عنها، ولاسيّما أنّ انشغالي ينصبّ على النقد والثقافة، بالموازاة مع الكتابة في الشأن السوريّ، فأجد نفسي في حال كتابتي النقديّة مشتّت الذهن غير مركّز أحياناً، وأضطرّ لإعادة قراءة الصفحة أكثر من مرّة.
ولكن.. نضم صوتنا الى صوت فرزات بأن المثقف السوري يبقى قابضاً على جمرة وطنه، لا يفلتها في أحلك الظروف.. ونؤكد ما يقوله الكاتب هيثم حسين بأن تأثير الكلمة أبقى من تأثير الرصاصة على المدى البعيد، وأنّه يستحيل قتل الكلمة الحرّة, لكن لابدّ من الاستمرار في الكتابة، لأنّها سلاح الكاتب الوحيد، ولأنّ رهان الكاتب على الكلمة دوما،ً في زمن تهميش الكلمة وقتلها.
يشار إلى أن الأراء الواردة في هذا المقال، تعبر عن رأي كاتبة المقال، الكاتبة والصحفية هدا السرحان، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر CNN.