الإخوان المسلمون في الأردن.. رشد متبادل وتعايش طويل المدى

الشرق الأوسط
نشر
6 دقائق قراءة
تقرير محمد داودية
الإخوان المسلمون في الأردن.. رشد متبادل وتعايش طويل المدى
Credit: -/AFP/Getty Images

تطرح المسارات الجديدة للعلاقة  بين الإخوان المسلمين وكل من مصر والمملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة سؤالا طبيعيا وهو: ماذا عن علاقة الاخوان المسلمين بالأردن، الطرف الرئيس في مربع التكامل والتنسيق والرؤى المتقاربة لخريطة المنطقة الجيوسياسية الجديدة ؟ 

 بداية، يجدر اعتبار قرارات تلك الدول  قرارات سيادية، كي نتفادى الحديث عن دواعي قرارات اعتبار جماعة الاخوان المسلمين، "جماعة ارهابية محظورة"، - علاوة على تفادي الحديث عن "الحضور القطري" في هذا الحظر-  وهي القرارات التي ساندت القرار المصري وساهمت ، في انثيال اسئلة: الدوافع و الآماد والنتائج المتوقعة والاطراف الجديدة، في معادلة "الحرب على الاخوان" وعزلهم وتفكيك تنظيمهم المتين الذي ينتشر في 72 دولة وردود فعلهم ووسائلهم التقليدية والمبتكرة للحفاظ على البقاء.

ان هكذا انعطافة كبرى، استراتيجية،  في علاقة جماعة الاخوان المسلمين، بمكونات قيادية في حلقات النظام العربي، تستدعي التفكير الفوري في البدائل التي ستملأ الفراغين الكبيرين، السياسي و الدعوي -- محمد داودية في الشارع العربي و الاسلامي والفراغ العسكري في ميدان الصراع الضاري في سوريا.

    فما ان انفتحت بوابات الحملة السعودية الاماراتية، على جماعة الاخوان المسلمين، حتى اتجهت الانظار الى الكويت والاردن لاستقراء ردي فعلي هاتين الدولتين على قرارات "الحلفاء" -- محمد داودية التي لها صلة وثيقة بدولة قطر وحركة حماس.

    شهدت العلاقة بين النظام الاردني وجماعة الاخوان المسلمين حالات مد وجزر لا تحصى وشهدت تطورات و تقلبات ابتداء من زج قيادات وافراد الجماعة في السجون الى دعم ترؤس الدكتور عبد اللطيف عربيات رئاسة مجلس النواب الاردني الحادي عشر لثلاث دورات (1990-1993) الى تفكير الملك الحسين الجدي بتكليف الدكتور عبد اللطيف عربيات برئاسة الحكومة الاردنية.

    تميزت تلك العلاقات بانطباق "جدلية الوحدة والصراع" عليها و خاصة في العقود الاربعة الاخيرة، فمنذ تأسيس "الجماعة" في الاردن عام 1945 برئاسة عبد اللطيف ابو قورة، انشغلت بالقتال في فلسطين وشكلت لذلك سرايا وقدمت شهداء أردنيين وفلسطينيين وعربا. ثم انشغلت الجماعة في الخمسينات بمقاومة الاحلاف والمشاريع  وخاصة حلف بغداد مشروع تمبلر، وفي الستينات انشغلت الحركة بمقاومة الحركة الناصرية والمد الشيوعي والمد البعثي.

    وطغى الموضوع السياسي على الموضوع المطلبي الطبقي المعيشي في برنامج الجماعة وعلى الهموم الوطنية الاردنية لها الى منتصف الثمانينات عندما أخذت الحركة تقارب الانتخابات النيابية والبلدية والمهنية والطلابية وتحقق فيها مكاسب متنامية، الى ان استحوذ الملف الفلسطيني مجددا على اهتمامات الجماعة عندما شكلت حركة المقاومة الاسلامية – حماس و جناحها العسكري كتائب القسام " بهدف تحرير فلسطين من البحر الى النهر" بقيادة الشيخ أحمد ياسين في غزة والضفة الغربية عام 1987.

    ويمكن اعتبار أبرز تطور وقع في علاقة النظام الاردني بجماعة الاخوان المسلمين نقل ملف العلاقة مع الجماعة من الديوان الملكي ومن الملك حسين شخصيا الى دائرة المخابرات العامة -- محمد داودية . وتحول الجماعة  من رديف احيانا ومن ند أحيانا أخرى الى حزب سياسي من ضمن عشرات الأحزاب السياسية الأردنية.

    يمكن الاطمئنان الى ان جماعة الإخوان المسلمين في الأردن حركة تحمل ملامح النظام الأردني المتسم بالاعتدال وسمات المجتمع الأردني المتصف بالوسطية. فلم يؤخذ على الجماعة أنها نادت بالعنف او رفعت شعاراته بل ظلت حركة سلمية اصلاحية على الدوام وكانت في محطات عديدة صمام أمان للكيان الأردني.

    ومثل غيرها من الحركات و التيارات الجماهيرية الكبيرة، فقد شهدت الجماعة حراكا و تجاذبات حادة لأسباب مختلفة ذات صلة بحجم منسوب الرأي الاخر وحرية الحركة داخل الجماعة وبسبب الانتخابات النيابية وبسبب التجاذب بين البرنامج الاردني والبرنامج الفلسطيني (حماس) و بسبب الاستهدافات التي تتعرض لها حركة استحوذت في فترة ما على نحو 25% من مقاعد مجلس النواب ( الحادي و الثاني عشر.)

    في الأردن، كان ثمة صلة متميزة بين الملك الحسين و بين قيادات الجماعة، تفاوتت بين التنسيق و توزيع الادوار والتصدي لخصوم النظام و تشكيل مصدات صلبة لحمايته وكذلك الاستعداد للتفاهم وعقد الصفقات والتمتع التام بثمار ذلك.

    تم ذلك في حرص شديد من الملك الحسين على رأب اي صدع في الجماعة ذي منظور اقليمي (اردني/فلسطيني) والحيلولة دون وقوع اي انشقاق طولاني مؤثر على اعتبار ان الجماعة هم الاحتياط السياسي الاستراتيجي للنظام الذي ظل كريما مع الجماعة ووفر ملاذات آمنة  ورعاية كريمة لها، في مراحل اضطهادها المصرية الاولى (حادثة منشية البكري واعدام سيد قطب ورفاقه عام 1954) وفي مراحل اضطهادها السورية الثانية (مذبحة حماة 1982.)

ولأن الماء من شكل الإناء ولأن النظام الملكي الهاشمي الأردني ظل نظاما متزنا بعيدا عن العنف والدم في ادارة الحياة في بلاده، فقد ظل الاخوان المسلمون متناسبين في ردود فعلهم مع طبيعة النظام وخصائصه و تحقق رشد متبادل أدى الى حالة التعايش التي نشهدها والمرشحة للاستمرار طويل المدى.

المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه، ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر CNN