السؤال الفوري لما بعد حظر جماعة الإخوان المسلمين هو: من هو البديل الذي سيملأ فراغ جماعة الاخوان المسلمين ؟.
يملأ الاخوان المسلمون حيزاً قابلا للقياس، محددا، من المساحة الحزبية والسياسية في الوطن العربي. وقد قدمت صناديق الانتخابات النيابية في الأردن أرقاماً تراوحت بين 16- 20% من مقاعد مجلس النواب الأردني في المجلسين الحادي عشر والثاني عشر.
ومعلوم ان الجماعة مستعدة على الدوام لعقد اتفاقات وصفقات مع الحكم تضمن تقديم عدد محدد من المرشحين -- محمد داودية لو نجحوا كلهم فلن يقع خلل في البنى السياسية والدستورية والتشريعية الاردنية، وبحيث لا تتم اثارة فزع المركز الامني الاردني واستفزاز القوى المحافظة التقليدية.
وقد وقفت على حوار من اجل عقد اتفاق/ صفقة بين الجماعة ودائرة المخابرات العامة.
ففي تشرين عام 1992 رتب الدكتور خالد الكركي رئيس الديوان الملكي حفلا شعبيا ضخما في ساحات الحرس الملكي احتفالا بعودة الملك الحسين من رحلة العلاج الاول، فأقيم ما اطلق عليه الكركي مضارب بني هاشم وتمت دعوة آلاف المواطنين من كل ارجاء المملكة للسلام على ملكهم العائد سالما معافى.
على هامش ذلك الاحتفال التقى- على الواقف - دولة طاهر المصري ومصطفى باشا القيسي مدير المخابرات والدكتور عبد اللطيف عربيات القيادي البارز في جماعة الاخوان المسلمين وكاتب هذه السطور وكنت مدير الاعلام والعلاقات العامة للديوان الملكي الهاشمي.
قال عربيات مخاطبا القيسي: يا مصطفى باشا لماذا الاصرار على الصوت الواحد (للناخب الواحد في الانتخابات النيابية) ستتضرر الديمقراطية، نحن على استعداد للتقدم بقائمة مرشحين للانتخابات النيابية نتفق عليها بحيث تتناسب مع حجمنا في الشارع ولا تثير فزعكم من الاخوان المسلمين لو نجح كل اعضائها.
قال القيسي: ما عندي مانع، لكن ما هو حجمكم في الشارع اخي الشيخ عبد اللطيف؟
قال عربيات: حجمنا هو 20% كحد ادنى.
قال القيسي: حجمكم هو 16% كحد أعلى.
قلت: اعتقد ان بالإمكان الاتفاق ما دام هامش الخلاف ضيقا. ويمكن ان يعقد لقاء لاستكمال الحوار والاتفاق.
لم يتم الاتفاق. وترشح الاخوان المسلمون على قانون "الصوت الواحد" وفازوا بنسبة 16% !!! للمجلس النيابي الثاني عشر الذي ترشحت له ونجحت عن محافظة الطفيلة 1993-1997.
سقت تلك الواقعة للبرهنة على ان العقل السياسي لجماعة الاخوان المسلمين مرن ومستعد للحوار والصفقة والترتيبات وأنه ليس مغلقا على أرقام ونسب صماء -- محمد داودية
ورغم اختلافي مع الاخوان المسلمين وانطلاقي من قواعد العدالة الاجتماعية والحداثة والمعاصرة والديمقراطية والتعددية السياسية المناوئة لليمين الذي يمثله الاخوان المسلمون، الا انني لا أجد مبررا لإقصاء "الجماعة" وبالطبع لا أجد مبررا لإقصاء غيرهم من القوى السياسية الأردنية. كما أنني لا أجد مبررا لإدناء واصطفاء و دعم غيرهم وتخليق أحزاب ذات يافطة اسلامية ومحاولة إحلالهم العقيمة محل "الجماعة".
عندما يفتح ملف إخوان الأردن يجدر التأكيد على أنهم قوى اعتدال مرنة دستورية، وأنهم لم يعمدوا الى العنف وأن أمن الأردن بالنسبة اليهم عبادة. ومن هنا يجدر التنبه الى خطورة استهداف الراشد المعتدل في حين ان بديله مجهول وان الرهان على الحزب المصطنع هو رهان خطير -- محمد داودية هش مجرب عقيم.
فبديل اعتدال الاخوان هو التطرف غير المنضبط وغير القابل للقياس. وضبط قواعد الإخوان بما فيها من تيارات واعتدال وتطرف وحمائم وصقور هي مهمة قياداتهم و ليست امكانية أمنية على الاطلاق. وعندما تسجن قيادات الاخوان الراشدة وتطارد وينكل بها - كما في مصر - فمن يستطيع مخاطبة واقناع وتوجيه قواعد الإخوان الشعبية ومن يمنع قاعدة "الدم يستسقي الدم" من أخذ دورتها الجهنمية !!
وعلينا ان نتنبه الى ان المطلوب أردنيا الان هو الانفراج السياسي والانفتاح واشراك الإخوان المسلمين في الأردن ومختلف القوى السياسية الأردنية لمواجهة المخاطر التي تطل برأسها على حدود الأردن الشمالية والمتمثلة في مخاوف من "فوضى الحدود" واستباحتها من قبل التنظيمات الاسلامية المقاتلة، ومنها تنظيم القاعدة وداعش والنصرة وغيرها التي لن تتوانى عن تعبئة أي مساحة يمكن التسرب اليها وتهريب السلاح والمقاتلين من شتى الدول العربية والاسلامية، وخاصة اذا بدأ الجيش السوري النظامي قريباً "القتال خارج الاسوار" وشن حملته العسكرية الضخمة لاستعادة السيطرة على حدوده الجنوبية، واذا بادر الى فتح معركة درعا قطعا للطريق على معركة دمشق.
ان تضييق النظام السوري الخناق على مقاتلي التنظيمات الاسلامية المسلحة سيدفعها الى عبور الحدود الأردنية طلبا للنجاة -- محمد داودية والاستشفاء واعادة تنظيم صفوفها، والاستعداد للكر والفر مما يرتب على الأردن أكلافاً أمنية ومخاطر عسكرية كبيرة.
ولنا فيما جرى على الحدود السورية اللبنانية أبرز مثال على تدفق المقاتلين من سوريا الى القرى اللبنانية الحدودية والمطاردة السورية لهم بالصواريخ والطائرات وهم داخل الأراضي اللبنانية.
المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه، ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر CNN.