وائل عباس لـ CNN بالعربية: الموجة الثالثة!

الشرق الأوسط
نشر
6 دقائق قراءة
تقرير وائل عباس
وائل عباس لـ CNN بالعربية: الموجة الثالثة!
Credit: KHALED DESOUKI/AFP/GettyImages

بالضبط والربط صُلب المسيح، بالضبط والربط صُلب الكثير من أتباع المسيح وخزقوا وعذبوا وحرقوا في الخنادق وتغذت عليهم السباع، لأنهم خرجوا على نظام الإمبراطورية الرومانية العظيمة، وبالضبط والربط أيضا مات الشهداء في ماسبيرو يا نيافة البابا.

كان رون جونز مدرس تاريخ في مدرسة ثانوية في بالو التو كاليفورنيا، في عام 1967 اثناء حصة عن تاريخ المانيا النازية جرت مناقشات بينه وبين الطلبة تخللتها اسئلة من نوعية: هل كان كل الألمان نازيون؟ ولماذا لم يستطع الشعب ايقافهم؟ وكيف قتل هتلر عشرة ملايين من شعبه في المعتقلات دون أن يلاحظ أحد؟ قرر المدرس على أثرها أن يقوم بعمل تجربة اجتماعية معهم وعليهم.

كان هدف التجربة توضيح كيف تقبل الألمان صعود الفاشية وتجاهلوا جرائمها برغم أنها كانت تحدث لجيرانهم وأصدقائهم، وسمّاها الموجة الثالثة تقليداً للرايخ الثالث، ليثبت بها كيف يمكن لحركة فاشية ان تلغي الديمقراطية حتى في مجتمع حر وكيف يمكن أن يكون للفاشية جاذبية. يرجى مراجعة مقالي "جمهورية فايمار" للتعرف على المانيا قبل صعود هتلر.

تضمنت التجربة تكوين حركة اجتماعية قائمة على تغيير المجتمع للأحسن دون أن يخبر الطلاب بهدفه الحقيقي، وأن يكون شعار الحركة: القوة عن طريق الضبط والربط. ليضيف رون بعد ذلك مجموعة من الشعارات تدريجيا مثل: القوة من خلال الاتحاد، القوة من خلال الفعل، القوة من خلال الفخر.

بدأت التجربة بنظام قاس لتنظيم الجلوس بالفصل وكيفية مخاطبة المدرس باعتباره رمزا للحكم، ثم اخترع رون تحية مشابهة لتحية النازية وفرض على الطلبة تحية بعضهم البعض بها حتى خارج الفصل. في اليوم الثالث للتجربة، فوجئ بإعجاب طلاب من خارج الفصل بها - باعتبارها كوول - وانضمامهم للحركة، فقرر تحويلها الى كيان تنظيمي واصدار "كارنيهات" خاصة للطلبة وأعطاهم مهمات خاصة لكل واحد تضمنت تصميم شعار وزي موحد ورباط للذراع، ومنع غير الاعضاء في الحركة من الحضور، ثم علمهم كيفية تجنيد أعضاء جدد، لكنهم مغترون بقوتهم وتنظيمهم كانوا يلجأون لفرض السطوة والبلطجة لتجنيد الأتباع، ثم فوجئ رون ببعض الطلبة يبلغونه بتقارير عن بعضهم البعض اذا خالف بعضهم القواعد -- وائل عباس

حدث تقدم طفيف في تحصيل الطلبة للعلم وتفوقهم في البداية بسبب التحفيز، لكن الغطرسة وأوهام القوة بدأت تؤثر سلبا على تحصيلهم العلمي، بل وعلى أدائهم في المسابقات الرياضية، ووقعت أيضا مشاجرات مع غير الأعضاء.

في اليوم الرابع قرر رون ان يقول للطلبة ان حركتهم هي جزء من حركة تعمل على مستوى كل الولايات المتحدة، وان الحركة سيكون لها مرشح لرئاسة الجمهورية، وان عليهم ان يقوموا بـ "مارش" عسكري استعراضي لإعلان هذا الأمر للناس. في اليوم الخامس جلس الطلبة في مسرح المدرسة ينتظرون خطاب قائد الحركة المرشح للرئاسة ليخبرهم رون ان كل ما سبق كان تجربة، وأنهم تنازلوا عن حريتهم طوعا مقابل احساس فارغ بالفخر والتفوق، كما حدث للشعب الالماني -- وائل عباس وتحولوا الى "فاشيست" دون ان يدروا بسبب الطاعة العمياء والضبط والربط المبالغ فيه، وأنهم تصرفوا بالضبط كالنازيين وهذا ما أراد رون ان يثبته من البداية.

استخدم رون في تجربته علم النفس المبني على استغلال احتياج البشر للانتماء والتفوق والفخر، واستخدم تكتيكات غسيل المخ وسيكولوجيا القطيع، واستطاع كما رأينا ان يكون منهم جهاز شرطة قمعي يتعامل مع الأمور بالصلف والقوة البدنية ومخبرين متطوعين يتنصتون على زملائهم مما خلق مناخاً من الخوف.

تحولت تجربة رون جونز فيما بعد الى رواية كتبها تود ستراسر بعنوان "الموجة"، أعتقد أنا شخصيا أن أهم شخصية فيها هي الطالب روبرت، وكان طالباً منطوياً بلا أصدقاء ويسخر منه زملاؤه وتتهرب منه الفتيات، وبعد انضمامه للحركة شعر لأول مرة بالمساواة وأصبح له أصدقاء وتوقف زملاؤه عن السخرية منه، ليفقد هذا الوضع الاجتماعي الجديد بعد أن يكشف المدرس أن الأمر لم يكن يعدو مجرد تجربة ويشعر بالحزن.

وتحولت أيضا الى فيلم تلفزيوني عام 1981 بطولة الممثل بروس دافيسون وحصل الفيلم على جائزة إيمي. وتحولت الى فيلم درامي الماني بنفس الاسم عام 2008، لكن تقع أحداثه في مدرسة ألمانية ومن اخراج دينيس جانسيل.

بقي ان أقول أن كلنا خضنا هذه التجربة بشكل أو بآخر خلال سنين الدراسة، فجميعنا نتذكر عندما تطلب المدرسة من شخص أن يقف على الفصل ويكتب اسماء من يشاغب أو عندما ينضم شخص للشرطة المدرسية وكيف يتحول هذا الشخص الى مخلوق آخر، وكيف يتغير تعامل الزملاء معه ما بين ناقم ومتزلف. مررنا بتجربة مشابهة كلنا كشعب أثناء فترة حظر التجول عندما نزلنا في لجان شعبية وتحولنا جميعا الى لواءات وماريشالات ولو حتى في شارعنا تحت بيتنا. التجربة الآن أصعب وأخطر بكثير وينزلق فيها البسيط والمثقف والمتعلم على حد سواء -- وائل عباس .

المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه، ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر CNN.