الرباط، المغرب (CNN) -- مواكبة لصيحة إعلامية عالمية، أو تلبية لحاجات مجتمعية حقيقية، عرف المشهد الاعلامي المغربي، انتعاشا ملحوظا لبرامج "الفضفضة" وتلفزيون الواقع ذات الطابع الاجتماعي التي تتصدر نسب المشاهدة على شاشات القنوات التلفزيونية المحلية وأثير الإذاعات الخاصة التي تنوعت منذ تحرير المجال السمعي البصري.
"قصة الناس"، "الخيط الأبيض"، "حديث ومغزل"، أسماء برامج تلفزيونية وإذاعية تكشف طابعها التفاعلي المباشر، وتتلف حولها قاعدة جماهيرية هامة للاطلاع على حالات انسانية ونفسية واجتماعية تكشف ظواهر وأعطاب متفشية في مجتمع مفتوح على تحولات عميقة.
نوبات بكاء، اعترافات صعبة، لحظات صلح وعناق، ذكريات أليمة تكبر مع أصحابها، ضحايا عنف واغتصاب، تفكك أسري، علاقات زوجية في مهب الريح، حالات انحراف وضياع، قائمة لا نهائية من قضايا مجتمعية صعبة ومحظورات تجد طريقها الى البوح والنقاش أمام الجمهور، ضدا على تقاليد "الستر" وتوقي "الفضيحة".
وإن اعتبر البعض ان هذا الجيل من البرامج الإذاعية والتلفزيونية يلبي رغبة المؤسسات في رفع نسبة المشاهدة وتحقيق الربح المضمون من خلال اللعب على الأوتار العاطفية للجمهور، فإن ثمة إجماعا واسعا على انها توفر مؤشرات لمتابعة التحولات الاجتماعية واسقاط لغة الصمت عن المشاكل العويصة وتكريس ثقافة البوح، وإن تباينت مستويات حرفية هذه البرامج وجديتها وعمق تناولها.
ويوضح الباحث عبد الرحيم العطري، أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب بفاس، ان برامج الفضفضة تندرج ضمن سياق عام يرمي إلى الرفع من نسب المشاهدة، فاحتياجات المواطن الإعلامية تتغير باستمرار، و تنتصر في الغالب لبرامج القرب. ذات المواطن يريد أن يرى نفسه/شبيهه في الشاشة، يبوح و يبكي و يغضب.
وقال العطري في تصريح لموقع CNN بالعربية، إن المشاهد المغربي ، ومنذ زمن طويل، لا يرى في الشاشة إلا مسؤولين لا يتكلمون باسمه، و ضيوفا آخرين يجيدون الخطاب التمجيدي الساخن أو النقد التعميمي البارد، لهذا باتت هذه البرامج الجديدة، تلبي احتياجاته، و تمكنه من بوح كان ممنوعا إل حد قريب، و من شاشة لم يكن له حظ في الدخول إلى استديوهاتها.
وأضاف العطري، الذي يساهم في تنشيط برامج ذات طابع اجتماعي، إن هذه البرامج تنشغل أساسا بالرفع من نسب المشاهدة و توفير مداخيل إضافية عبر صنبور الإشهار، لكنها في الآن ذاته باتت بالنسبة لمستهلكيها، فضاء علاجيا يختص في تبرير الواقع و إعادة إنتاجه، فعن طريق تقديم المثال الأكثر بؤسا و مرضا و هلم جرا من إعاقات، يصير المشاهد متناسيا لهمومه و آماله، و معتبرا نفسه محظوظا، مقارنة مع الحالات التي شاهدها.
ولاحظ من جهة أخرى أن الإقبال على برامج الترفيه و الفضفضة و تلفزة الواقع، يبرر أيضا بتبرم المشاهد من تتبع برامج سياسية لا تمثله و لا تعكس انتظاراته و تتكلم بلغة متعالية عليه، عكس هذه البرامج التي تتكلم بلسان حاله و تنوب عنه في إيصال صوته الذي طال تهميشه في التلفزيونات الرسمية من الماء إلى الماء. مع أنه يسجل أن التعامل مع البوح في هذه البرامج يطغى عليه التعامل التجاري الراغب في رفع نسب المشاهدة أساسا، و يعوزه التدبير المهني أحيانا، و مع ذلك كله فقد مكنت هذه البرامج المهمشين من الوصول إلى بلاتوهات التلفزيون، بعد أن كانت محتكرة، و لزمن طويل من طرف آل لغة الخشب.
أما من داخل استوديوهات صناعة هذه البرامج، فتبدي المنشطة نهاد بنعكيدا، التي تقدم برنامجا اكتسى شهرة واسعة واثارت بعض حلقاته جدلا واسعا، يقينا في الحاجة المجتمعية التي تلبيها برامج أصبحت "صوت من لا صوت لهم، صوت أناس يتشاطرون قصصهم بعيدا عن لغة الخشب والخطابات المتعالية".
وقالت بنعكيدا في تصريح للموقع إنها تسعى في البرنامج الى تسليط الضوء على الظواهر الاجتماعية التي تثير قلق وانشغال فئات واسعة: قضايا الشباب والطفولة والحياة الزوجية والمخدرات والعنف ومختلف الأعطاب الاجتماعية.
صورت نهاد بنعكيدا حتى الآن 800 حلقة بمعدل أربعة ضيوف في كل حلقة، مما يجعل البرنامج على حد قولها "جلسات علاجية جماعية يرى من خلالها المواطنون أنفسهم في المرآة". وإن أقرت أن هناك برامج تتوخى رفع نسب المشاهدة والمراهنة على الاثارة وحديث الفضائح، فإنها تؤكد أن شعار برنامجها هو "البوح" وليس "الفضح". وهي تؤكد أن بعض القضايا الحساسة من قبيل الدعارة والاغتصاب وزنا المحارم لم تشكل الا حالات نادرة مقارنة مع قائمة طويلة من القضايا الاجتماعية.
وتخلص المنشطة التلفزيونية الى القول إن العنصر الحاسم في مدى إيجابية هذه البرامج التفاعلية هو طريقة التناول المهني لقضايا الناس موضحة أن الغاية من هذه المادة الاعلامية هي التوعية والتحسيس ودق أجراس الانذار بخصوص المخاطر والظواهر السلبية في المجتمع.